لم يسبق في لبنان أن شكّلت 4 سيدات حدَثاً فاق وقْعُه ولادةَ حكومةٍ برمّتها… هنّ 4 «فارسات» تحوّل توزيرهنّ مفاجأةً مدوّية طغى وهجُها على «صراع الديوك» الذي شهدتْه بيروت على مدى أكثر من 8 أشهر في الطريق إلى تأليف الحكومةِ التي كادت ولادتُها أن تمرّ «بلا صدى» بفعل التفاهمات المُسْبَقة على «ترسيم الأحجام»
و… المَخارج.
ريا الحسن، مي شدياق، ندى البستاني، فيوليت الصفدي، كسرْن «حلقة المتوقَّع» وأنْقذن «حكومة العمل»، كما سمّاها رئيسها سعد الحريري، من «سهامِ» انتقاداتٍ «جاهزة» لطبقةٍ سياسية «تستنسخُ» نفسها بوجوه وأسماء جديدة، في البرلمان كما الحكومة، ويصحّ فيها قول اينشتاين «الجنون هو أن تفعل ذات الشيء مرةً بعد أخرى وتتوقّع نتيجةً مختلفةً».
4 وزيرات حطّمن الرقم القياسي لحكومةٍ بلبنان تحتلّ فيها «تاء التأنيث» مكانةً مرموقة، عدداً ونوعاً، «يقبضن» على حقائب «استراتيجية» في الأمن والاقتصاد والإدارة، وجاء توزيرهنّ بمثابة «حبْل نجاةٍ» من أجوبةٍ عن «ألغازِ» تعليقِ مسار التأليف لـ253 يوماً حبِلتْ بشتى أنواع ألعاب «عض الأصابع»، وذلك بعدما استقطبتْ «معالي السيدات» الأضواء إيجاباً فكان «كعْبهنّ عالياً» على صورةٍ نَمَطيةٍ لطالما حرَمتْ النساء القيادة في الصفوف الأولى حكومياً.
وشكّلت ريا الحسن «أمّ المفاجآت» من دون منازع بعدما اختارها رئيس الحكومة سعد الحريري (من حصته) لـ«تقبض» على حقيبة الداخلية والبلديات خلَفاً للوزير نهاد المشنوق ولـ«جيشٍ من الرجال» انفردوا بتولّي هذه الوزارة في لبنان وعلى امتداد العالم العربي قبل أن تكسر السيدةُ الآتية من عالم المال والأرقام هذا «الاحتكار» لتكون «الرقم واحد» التي تُمْسِك بزمام الأمن و«إمْرته» تماماً كما كانت المرأةُ الأولى في لبنان التي تتبوأ العام 2009 منصب وزيرة المال.
«السيدة الأولى» في «الداخلية»، كما وُصفتْ بعد تعيينها، تحوّلت العنوان الأبرز للحكومة الجديدة وبدتْ أقرب الى «السوبر وزيرة»، كون الحريري انتقاها لحقيبةٍ سياديةٍ «خشنة» تنطوي على «مفاتيح الأمن» وأدواته وتقع «على تماسٍ» مع السياسة و«أخواتها».
وفي «أوّل الكلام» لها، قبل زيارة ضريح الرئيس الشهيد رفيق الحريري في وسط بيروت، برفقة الرئيس سعد الحريري، عبّرتْ الحسن عن فخْرها بأن الأخير «وثق بي مرتين لمهمتين في وزارتين تنطويان على مهمات صعبة، وهذا دليل على ثقته الكبيرة بقدرة النساء وإيمانه بهنّ في مواقع صنع القرار».
الحسن التي «تفاجأتْ كما الجميع» باختيارها لحقيبة الداخلية، بأجهزتها الأمنية والإدارية، لم يكن مفاجئاً بالنسبة الى كثيرين «الاستعانة» بها، هي التي تحمل في جعبتها خبرة تراكُمية في ميادين المال والاقتصاد والإدارة والمصارف والحوْكمة والتخطيط قبل ان تتولى وزارة المال بين 2009 و 2011 وتُعيَّن في 2015 مديرة عامة للمنطقة الاقتصادية الخاصة في طرابلس.
ولم يقلّ توزير مي شدياق (وزارة الدولة للتنمية الإدارية) رمزيةً ودلالات، هي الآتية إلى مَقاعد الوزارة (من حصة حزب «القوات اللبنانية») من «مقعد الموت» الذي كان «القاتِل المسلسل» (تَربّص بقادة قوى 14 مارس ونخبها بين 2005 و2013 منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري) «حجزه» لها في 25 سبتمبر 2005 بتفجير سيارتها ولكنها أفلتتْ منه بأعجوبة لتخسر يدها ورجلها (اليسرى).
شدياق، التي كانت تُعرف بـ«فراشة الإعلام» قبل محاولة «كسْر جناحيْها» بالاغتيال، تحوّلتْ منذ أن نجتْ من «حافة الموت» رمزاً للنضال والصمود وصوتاً «عالياً» أرادتْه «الشهيدة الحية» لـ«الشهادة للحقّ» كما تراه والذي حملتْه في صوتها الذي ارتفع عالياً وباكراً بوجه ما كان يُعرف بـ«النظام الأمني اللبناني – السوري» ثم «هيمنة حزب الله».
شدياق، التي كانت «سيدة الإعلام» على مدى نحو ربع قرن (على شاشة lbci بدءاً من 1985 وحتى 2009)، لم تستسلم لـ«اختبارِ النارِ» ولا جِراحه وأوجاعه، فصارتْ «الدكتورة مي» (شهادة دكتوراه في علوم الاعلام والتواصل من جامعة باريس الثانية)، وأنشأتْ «مؤسسة مي شدياق» (MCF) والمعهد الإعلامي التابع لها (MCFMI)، كما نالتْ العديد من الجوائز والميداليات في ميادين حرية التعبير والصحافة والشجاعة وحقوق الانسان.
ولأنها «مشاكِسة» طغى على توزيرها سؤالٌ واحد: هل سيتحمّلها خصومها في منصب حكومي؟ لكن شدياق أكدت منذ توزيرها «لولا أن القوات لا ترى في مي شدياق الكفاءة لما وزّرتْها. والمواقف في مجلس الوزراء من الملفات المطروحة ستكون تحت سقف موقف كتلة القوات، ولا أتعاطى الشأن العام والسياسي من منطلقات شخصية بل من قناعات وطنية، وهذا ما سيحصل في الوزارة التي تسلّمتُها والتي لها دور مهمّ جداً في مرحلة الإصلاح التي تدخلها البلاد، وهي على تماس مع ملفات عدة بالغة الأهمية».
وحمَلَ اختيار «التيار الوطني الحر» (حزب الرئيس ميشال عون) لندى البستاني كوزيرة للطاقة والمياه مجموعة دلالاتٍ، في الشكل والمضمون.
فابنة الـ36 عاماً، هي أصغر الوزراء في الحكومة، وهي أول امرأة في لبنان تتولى حقيبة الطاقة التي باتت تُعتبر من الوزارات «الاستراتيجية» بعدما دخلت «بلاد الأرز» نادي «الدول النفطية» وبدأ العدُّ التنازُلي لمسار الحفر والتنقيب عن «الثروة الدفينة» التي يُعوَّل عليها لإدخال لبنان في «عصرٍ اقتصادي» جديد من النمو والتوازن المالي وتوسيع «دوره» الذي يرتكز «تاريخياً» بالدرجة الاولى على الخدمات التجارية والمصرفية والسياحية.
وإلى جانب النفط والغاز، فإن حقيبة «الطاقة» يقع في نطاق مسؤولياتها ملف الكهرباء الشائك الذي تحوّل في الأعوام الماضية مصدر «توتر عالٍ» داخلياً على خلفية «الكلفة الباهظة» التي يكبّدها هذا القطاع للخزينة بفعل خسائره التي تُقدر بنحو ملياريْ دولار سنوياً. علماً ان وقف هذا «النزف» يشكّل ركناً أساسياً في الإصلاحات المنشودة لوقف تنامي المديونية العامة والتي تعهّد بها لبنان أمام المشاركين في مؤتمر «سيدر» لمساعدة لبنان على النهوض الاقتصادي.
واعتبر كثيرون ان توزير البستاني جاء على طريقة «الشخص المناسب في المكان المناسب» نظراً الى مسيرتها التي تدرّجتْ فيها، من اختصاصها في الاقتصاد ثم الإدارة (دراسات عليا من المدرسة العليا للتجارة في باريس)، وعملها 4 سنوات في الاستراتيجيات المالية والعملية لإعادة هيكلة عدد من الشركات الدولية، وصولاً الى توليها مهمات عدة بدءاً من 2010 في وزارة الطاقة وبينها مستشارة للوزير.
وأكدت البستاني في تصريحات لها «أنّنا وضعنا مع رئيس التيار الوطني الحر وزير الخارجية جبران باسيل (وزير الطاقة آنذاك) دراسات عدّة واستراتيجيات كبرى ونعمل عليها منذ وقتها»، مؤكّدةً «سأكمل بالعمل على الملفات الموجودة وتحديثها».
أما فيوليت الصفدي، وزيرة الدولة لشؤون التمكين الاقتصادي للنساء والشباب، فجاء اختيارها مطعّماً برمزيات عدة أضفت على توزيرها دلالات متعددة البُعد.
فهذه الإعلامية التي انطبعتْ كـ«جميلة الشاشة» بين 2000 و 2011 (على شاشتيْ lbci وmtv كمقدّمة برامج وأخبار)، هي الأرثوذكسية المتزوّجة من الوزير السابق محمد الصفدي حيث باتا يشكلان الثنائي الوحيد في لبنان الذي يحمل لقب الـ«معالي»، وهي تمثّل المقعد الأرثوذكسي في حصة رئيس الحكومة.
والصفدي المتخصصة في إدارة الأعمال الدولية (والحائزة شهادة تنفيذية في القيادة العامة، التفاوض وصنع القرار من جامعة هارفارد)، هي ثاني أصغر الوزراء (37 عاماً)، وقد راكمتْ تجربة طويلة وضعتْها على تماس مع الشأن العام وهموم المرأة والجيل الشاب، انطلاقاً من مسؤولياتها كعضو في الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية وعضو في مجلس الأمناء في جامعة سيدة اللويزة، وبرامج أخرى في لبنان وخارجه، الى جانب ترؤسها جمعية «اكيد فينا سوا» و«جمعية صفدي الثقافية» و«مركز الصفدي الثقافي».
وكانت الصفدي أول عضو في الحكومة يبدأ مهماته «في لحظتها»، بعدما وجدت نفسها تجري اتصالات مع رئيس الحكومة بعيد صدور مراسيم التشكيل لتعديل اسم الحقيبة التي أسندت إليها والتي حملتْ أولاً تسمية «وزارة الدولة لشؤون التأهيل الاجتماعي والاقتصادي للشباب والمرأة» ما أثار موجة انتقادات على عبارة «التأهيل» التي اعتُبرت مسيئة للمرأة، فسارع الحريري الى الموافقة على استبدالها بعبارة «التمكين».
وتعهّدت الصفدي «بأن أبذل كل الجهود من أجل تثبيت الشباب في أرضهم وتعزيز قدرات المرأة، بالتعاون مع الجهات المحلية والاقليمية والدولية»، مؤكدة أنها «وزيرة لكل لبنان وليس لطرابلس فقط»، مضيفة: «أنا وزيرة مستقلّة طرحني الرئيس الحريري بالتوافق مع رئيس الجمهورية ميشال عون».
… 4 وزيرات في حكومة ثلاثينية بدت وكأنها «حكومة النجمات الأربع»…
4 سيدات ارتسم «منذ أول دخولهنّ رهانٌ على طولهنّ»، رهانٌ على أن لبنان دخل مرحلة جديدة على طريق إنهاء شعار «القيادة من الخلف» للمرأة وإفساح المجال أمامها لتولي الأدوار في الصفوف الأمامية.
ولعلّ الحريري كان الأكثر تعبيراً عن اعتزازاه بـ«الفارسات الأربع» حين غرّد: «فخور بالمرأة اللبنانية، فخور بالوزيرات الأربع في الحكومة، فخور بأول وزيرة داخلية في العالم العربي، فخور بالمستقبل، فخور بلبنان».
(الراي)