بين باريس وبيروت إستنبط الحريري، خلال لقاءاته بالأفرقاء الذين سيشاركون في حكومة «الوحدة الوطنية»، صيغةً وزارية تُرضي الجميع وتكون على الصورة التي يراها، أي عدم استحواذ طرف معيّن على مفتاح تكبيل الحكومة أو إسقاطها، وأن لا تكون مصبوغةً بلونٍ واحد، خصوصاً لون «حزب الله» الذي يثير حساسيّة المجتمَعين العربي والدولي، وعدم ترؤسِّه حكومةً مُستضعفاً بتحجيم حصته أو حصة حلفائه.
وعلى رغم أجواء التفاؤل، تقول مصادر متابعة لحركة التأليف ومشاورات الحريري الأخيرة، إنّ «الأمورَ لو حُلّت لكُنا شهدنا ولادة الحكومة اليوم قبل الغد»، مشيرةً إلى أنّ كلَّ طرف يربط الحلّ بحلحلة الفريق الثاني، فرئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط لن يتخلّى عن حقيبة وزارية مقابل أخرى ليُسهِّل التأليف قبل أن تُحلّ كل الأمور الأخرى.
والمطروح تخلّيه عن وزارة الصناعة لرئيس مجلس النواب نبيه بري الذي يتخلّى بدوره عن وزارة البيئة لرئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل.
كذلك، «اللقاء التشاوري»، الذي حُمِّل وِزر بقاء البلد بلا حكومة منذ أشهر، لن يُشهِر رضاه إلّا إذا اتّضحت الصورة واطمأنّ إلى أنّ الوزير لن يكون على إسمه فقط بل مُلتزماً به مواقفَ وقرارات. بدوره باسيل لن يتنازلَ عن مُطالبته بـ11 وزيراً أي «الثلث المعطل».
وتشير المصادر نفسها إلى أنّ الحريري «في كل مرة بدأ حراكاً لتأليف الحكومة كان يملك في حوزته تصوّراً للتشكيلة الوزارية لكنّ ذلك لم ينفع».
وفي حين، قال بري أمس إنّ «الإتصالات الجارية في شأن تأليف الحكومة تتركّز على نقطتين: الأولى حول صيغة تمثيل «اللقاء التشاوري» وليس على مبدأ التمثيل الذي كان تمّ الإتفاق عليه.
والثانية تتعلق بوضع بعض اللمسات على بعض الحقائب»، تشير المصادر المتابعة إلى أنّ «صيغة تمثيل «اللقاء التشاوري»، هي المشكلة الأساس التي تعوق تأليف الحكومة منذ أشهر، فإذا لم تُحلّ سيعني هذا أننا ما زلنا في بداية الطريق».
واللقاء الذي عُقد أخيراً بين «حزب الله» و»اللقاء التشاوري» توازياً مع حراك الحريري، عزّز فرضيّة إقتراب التأليف، فبماذا أوعز «الحزب» إلى حلفائه الذين ما كانوا ليُشاركوا في الحكومة أو ليُؤخّروا تأليفَها بلا دعمه؟
«الحزب» يرفض هذه النظرية، وتؤكد مصادره لـ«الجمهورية» أن «لا توجيهاتٍ منه لـ»اللقاء التشاوري»، بل نحن استمعنا إلى 6 نواب منتخبين وأخذنا برأيهم وبطلبهم أن يكون الوزير أحدَ التسعة: النواب الستة أو الأسماء الثلاثة التي اختاروها، وأن يكون محسوباً على «اللقاء التشاوري» ولا مشكلة لديهم في ان يكون وزيرهم متعاوناً مع رئيس الجمهورية».
وتقول المصادر نفسُها «إننا أكّدنا دعمَنا لهم. فنحن إلى جانبهم وليس أمامهم. أما اللقاء معهم فتمحوَر البحث خلاله حول علاقة الوزير الذي سيُمثل «التشاوري» في الحكومة مع رئيس الجمهورية لأنه سيكون من حصته»، مؤكدة أنّ «الأجواءَ إيجابية».
وهل أفرج «حزب الله» عن الحكومة؟ تجيب المصادر نفسها: «المشكلة لدى عون والحريري وليست عندنا». وتؤكّد «أنّ الحريري لم يكن موافقاً على كل الصيغة، وعلى حصول باسيل على 11 وزيراً وليس نحن».
وهل سيكون وزير «اللقاء التشاوري» وديعة «الحزب» لدى عون وسيُصوِّت مع الحزب في الحكومة؟ تجيب: «نادراً ما يحدث أن يكون هناك تعارُض في المواقف بين «حزب الله» وعون».
ولكن لماذا لم يضمن «الحزب» حصول حليفه باسيل على الثلث المعطل وهو صديق الأمين العام لـ»الحزب» السيد حسن نصرالله المبنيّة علاقتُهما على «إحترامٍ وصداقةٍ وصدقيّة»، حسب قول نصرالله في مقابلته التلفزيونية الأخيرة؟
تجيب المصادر، ممازحة: «أصبحت حصة عون وباسيل 10 وزراء ونصف وزير، فالوزير الذي سيُمثّل «التشاوري» سيكون نصفُه مع باسيل ونصفُه مع «اللقاء».
وعلى رغم أجواء التفاؤل التي يعبّر عنها أكثر من طرف، يبدي البعض حذرَه. فماذا لو انتهى الأسبوع ولم يتعاون الجميع مع الحريري لإنتاج الحلول المطلوبة؟ وماذا سيكون موقف الحريري الآخر و»حديثه الآخر» إذا عُرقِل التأليف مرة أخرى؟ وهل سيعتذر عن التأليف؟
توضح مصادر تيار «المستقبل» لـ«الجمهورية» أنّ أمام الحريري، في المرحلة الراهنة، خيارين:
– الأول، أن يقدّم لرئيس الجمهورية تشكيلة وزارية من 30 وزيراً يراها مناسبة للبلد، وأن يتعاون عون معه ويُصدر مرسومي التكليف والتأليف، وتمثل الحكومة أمام مجلس النواب لنيل الثقة، أو يتحمّل عون مسؤولية الرفض.
– الثاني، سيقول «خلصنا بقى» ويجب أن نعمل، فيُفعِّل حكومة تصريف الأعمال ويوسّع أعمالها.
أمّا خيار الاعتذار فلن يتّخذَه الحريري حالياً، وفق المصادر نفسها، لأنّ اعتذارَه في ظلّ المعطيات الراهنة إقليمياً ودولياً وفي ضوء الظروف الخطرة، ولا سيما منها الاقتصادية، سيؤدّي إلى تدهور الأوضاع على نحو يصعّب لملمتها مجدداً.