إلى متى سيبقى لبنان قادراً على «مقاومة الجاذبية» ومعاندةِ «سقوطٍ» تتراكم عناصره في السياسة، والاقتصاد، والمال، والأمن؟
سؤالٌ بدا مشروعاً طرْحُه مع انتقال الواقع اللبناني من حفرةٍ الى حفرةٍ أعمق في أزماته التي تتشابك، من المأزق المفتوح في تأليف الحكومة الجديدة، إلى «النقزات» المالية – الاقتصادية، مروراً بـ«الأفخاخ» السياسية المرتبطة بعناوين داخلية وأخرى إقليمية، و«المخاطر العالية» لتحريك «الفالق» الحدودي بين لبنان واسرائيل في غمرة «العين الحمراء» الأميركية على «حزب الله» من بوابة المواجهة التصاعُدية بين واشنطن وطهران.
ولم يكن أدلّ على هذه المشهدية اللبنانية القاتمة، من استعادة منسق الشؤون الانسانية في الأمم المتحدة الخاص بلبنان فيليب لازاريني بعد رسْمه صورةً سوداوية للأوضاع الاقتصادية في «بلاد الأرز» جراء تأخُّر تشكيل الحكومة لأكثر من 8 أشهر، كلاماً سمعه عندما بدأ مهماته في بيروت من مبعوث الأمين العام السابق يان الياسون الذي لخّص الوضع اللبناني قائلاً «إنه يشبه رجلاً معلَّقاً في أعلى مبنى مؤلف من 12 طبقة، والناس في الأسفل ينتظرون متى يسقط، وبعد أشهر عدة سترى أن الناس ما زالوا ينْظرون لهذا الرجل ويتساءلون متى يسقط»، وأعتقد أنها كانت طريقته بوصف حال البلد الذي يقاوم الجاذبية.
وما جَعَل هذه الاستعارة من لازاريني تكتسب واقعيةً رغم رمزيّتها السوريالية، أن التصدّعات اللبنانية تزداد استحكاماً وحراجةً، على مختلف المستويات وصولاً إلى شبكات الأمان التي بقيت صامدة على مرّ الأزمات، في السياسة كنظام الطائف، وفي الواقع المالي – الاقتصادي كالقطاع المصرفي، وفي سُمْعة لبنان الخارجية كالتلاعب بمصير استضافته للقمة التنموية الاقتصادية العربية نهاية الأسبوع.
وفيما انكفأ عنوان الأزمة الحكومية الى المقاعد الخلفية بعد استعصاء معركة «الثلث المعطّل» بين فريق رئيس الجمهورية العماد ميشال عون و«حزب الله» والتي تزداد المخاوف من أن تكون واحدة من معارك «هزّ النظام»، تبدي أوساطٌ سياسية الخشية من أن تكون اندفاعة الثنائي الشيعي رئيس البرلمان نبيه بري والحزب على خط الضغط المتدحرج لمنْع حضور الوفد الليبي الى القمة التنموية بعدما كان بري دعا الى إرجائها على خلفية عدم دعوة سورية إليها، في سياقٍ مكمّل للصراع على الحكومة وبمثابة رسالةٍ إلى عهد عون حول «الأمر لمَن» في الحُكم وتوازناته.
وغداة التكامل الذي ارتسم بين المرجعيتين الدينية والسياسية للمكوّن الشيعي في رفْض حضور الوفد الليبي على خلفية عدم تعاون طرابلس الغرب مع التحقيقات لجلاء مصير الإمام موسى الصدر والتلويح بالتحرك في الشارع لفرْض هذا الأمر، لم يكن عابراً ذهاب بري الى حدّ المجاهرة بأنه مستعدّ في سياق موقفه الحاسم بعدم السماح بمشاركة ليبيا في القمة الى «أن أقوم بـ6 فبراير سياسية وغير سياسية، فلا يجربوننا»، وذلك في إشارةٍ الى انتفاضة 6 فبراير 1984 التي قادَها رئيس حركة «أمل» وشارك فيها أطراف آخرون ضدّ حكم الرئيس أمين الجميل والتي مهّدت لإسقاط اتفاق 17 مايو 1983 مع اسرائيل.
على وقع الأسئلة الصعبة حول أفق انفجار القلوب المليانة بين عون وبري وبمؤازرة من «حزب الله» وتداعيات ذلك على مجمل الواقع السياسي، فإن القمة التنموية التي عاود الأمين العام المساعد للجامعة العربية حسام زكي من بيروت تأكيد أنها ستُعقد في موعدها (نهاية الأسبوع) معلناً ان «الجامعة ليس لديها خطط لمناقشة دعوة سورية إلى قمة تونس، خلال قمة بيروت والتي لم تدع إليها دمشق أيضاً»، بدت مصابةً بندوب حتى قبل التئامها بفعل تحوُّلها عامل انقسام داخلي، وسط ترجيحاتٍ بأن مستوى مشاركة القسم الأكبر من الوفود لن يكون على مستوى رئاسي، وخصوصاً في ضوء استحضار الشارع كأحد أدوات إحباط مشاركة ليبيا انطلاقاً حتى من مطار بيروت.
ومع تَحوُّل لغم ليبيا معركةَ لي أذرع بين عون وبري، لم تستبعد أوساط واسعة الاطلاع أن تجري محاولات لتأمين مَخْرج يحفظ ماء وجه الرئيسين عبر تولّي دولة ثالثة إقناع الجانب الليبي طوعاً بالاعتذار عن عدم الحضور الى بيروت، تجنُّباً لمزيد من الانقسام اللبناني وصوناً لأمن القمة والمشارِكين فيها.
وفيما كان لافتاً إعراب المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى برئاسة المفتي عبداللطيف دريان عن أمله في «أن تمثل القمة تجديداً للثقة بلبنان واقتصاده وعلاقاته العربية والدولية»، متمنياً ان تنعقد وسط أجواء تضامن وتوافق بين سائر الفرقاء السياسيين»، يشهد «أسبوع القمة» محطتين على جانب من الأهمية: الأولى زيارة الموفد الأميركي ديفيد هيل الذي يصل اليوم الى بيروت على ان يلتقي غداً كبار المسؤولين في تطورٍ يتّصل بوضع لبنان في أجواء محادثات وزير الخارجية مايك بومبيو في المنطقة ومناقشة التحديات الناجمة عن ملفيْ أنفاق «حزب الله» العابرة للحدود والجدار الاسرائيلي «الخارق» لنقاط متنازَع عليها.
والمحطة الثانية الدعوة التي وجّهها البطريرك الماروني الكادرينال مار بشارة بطرس الراعي للقادة الموارنة (وزراء ونواب ورؤساء كتل) لعقد «اجتماع تشاوري وجداني» في بكركي الاربعاء المقبل «للتداول في دور الموارنة بمواجهة الأوضاع العامة في لبنان والمنطقة، وما تقتضيه من مبادرات تنسجم وواجبهم في الحفاظ على دولة لبنان التي كانوا في أساس قيامها»، وهو ما بدا انعكاساً لهواجس كنسية تتجاوز مأزق تأليف الى الخشية من المساس بنظام الطائف والمناصفة المسيحية – الاسلامية.
الراي