يتفق مجموعة من المراقبين على تطورات الوضع الحكومي في لبنان على أن المجهودات التي بذلت لم تصل الى أي نتيجة، وعادت التعقيدات الى المربع الأول، والأطراف الأساسية المعنية في تشكيل الحكومة حاصرت نفسها بمحددات، بات صعب تجاوزها، وبالتالي أصبح مخاض ولادة الحكومة العتيدة أكثر تعقيدا.
يعتبر الرئيس الكلف بتشكيل الحكومة سعد الحريري أنه يتعرض لاستنزاف لا يمكن له أن يقبل به، وكتلة المستقبل النيابية التي يتزعمها ترى أن وجودها خارج الحكم أخف وطأة على جمهورها من تقديم تنازلات جوهرية لا يقبلها هذا الجمهور.
ومن غير المقبول عند الرئيس الحريري أن يترأس حكومة أغلبية وزرائها لا يتعاونون معه في مهمات النهوض الاقتصادي والخدماتي التي ينتظرها البلد، بعد الاهتراء الذي أصاب مؤسسات الدولة الخدماتية المختلفة جراء تعطل العمل الحكومي الجدي لما يقارب السنة. والحريري مازال يتحفظ على البوح بالكلام عن تداعيات التشكيل، لأن الكلام قد يعقد المشهد أكثر.
رئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل ألزم نفسه بمجموعة من الثوابت ـ كما قال ـ لا يمكنه التسامح فيها، ومنها حصول تياره مع حصة رئيس الجمهورية على أكثر من ثلث الوزراء ـ أو ما اصطلح على تسميته بعد العام 2007 «الثلث المعطل» ـ ويرى المراقبون أن تشديد باسيل على هذه المعادلة هدفها تقوية موقفه في السلطة التنفيذية لمواجهة أي تطورات رئاسية غير محسوبة، بما في ذلك إمكانية الوصول الى الانتخابات الرئاسية القادمة في ظل وجود هذه الحكومة، لأن تشكيل الحكومات في لبنان أصبح مسألة معقدة جدا، وبالتالي، احتمال بقاء هذه الحكومة لتدير فراغا ربما يحصل في الرئاسة، احتمال غير مستبعد.
اما الطرف القوي الآخر في المعادلة ـ أي حزب الله ـ فهو ايضا وضع نفسه داخل مربع من الشروط، لا يستطيع الخروج منه من دون تحقيق أهدافه، وأهمها تمثيل حلفاءه من النواب السنة، او يطلق عليهم «سُنة 8 آذار»، وبدا واضحا في الأيام الأخيرة أن الوزير جبران باسيل على تناغم كبير مع حزب الله في مواقفه من الحكومة، بينما تراجع الشغف الذي كان قائما بين الرئيس المكلف سعد الحريري والوزير باسيل الى الحدود الدنيا، بعد إصرار باسيل على الحصول على 11 وزيرا، وإعادة طرح فكرة حكومة من 32 وزيرا، وهذا ما يستفز الحريري، لأنه يحدث أعرافا جديدة، غير محسوبة النتائج في المستقبل، ويتخطى ضمنا مهام الرئيس المكلف، كونه هو الذي يحدد شكل الحكومة وعدد وزرائها دون غيره.
وباقي اركان المعادلة الحكومية، أي الرئيس نبيه بري ود.سمير جعجع ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، يعتبرون أنهم قدموا كل ما يمكنهم لتسهيل ولادة التشكيلة الحكومية، والقرار أصبح في مكان آخر.
وتقول مصادر عليمة: إن الرئيس نبيه بري بدأ يتشدد أكثر فأكثر في مواقفه اتجاه ضرورة تمثيل «سُنة 8 آذار» وهو ـ أي الرئيس بري ـ تلقى رسالة شديدة اللهجة في الأيام الأخيرة من دمشق، تضمنت عتبا عليه في عدم وقوفه الى جانب المحسوبين على سورية بقوة، وهو قد رفع من منسوب تأييده لحضور سورية في القمة العربية الاقتصادية في بيروت، كما استقبل النائب عبدالرحيم مراد وغيره من الشخصيات المحسوبة على النظام في سورية بعد مدة طويلة على انقطاع التواصل بينهم.
المراقبون ذاتهم يخلصون الى الاستنتاج، بأن الأوضاع اللبنانية معقدة جدا، ولا يوجد أمل في الحلحلة إلا من خلال تدخل خارجي يكبح جماح الذين يشعرون بفائض القوة من جراء التطورات التي استجدت على الساحة السورية.