لا تختلف المقاربات لتفسير موقف نصرالله كثيراً، فهو استفاد من أخطاء ارتكبت على مدى الأشهر الستة الماضية قبل ان يضرب ضربته في اللحظة التي اعتقد فيها البعض انّ مهمة التأليف شارفت على نهايتها، فكانت الصدمة التي أنتجَت تحميله مسؤولية آخر العقد التي برزت.
مسؤولو «الحزب» يجاهرون بأنهم ليسوا مسؤولين عن تجاهل الحريري ومعه آخرين لمسلسل تحذيراته من العقدة السنّية، فهي في جانب منها لم تكن منطقية الى حدود برزت فيها مواقف مُستغربة لها عن مؤيّدين لـ«حزب الله». وهو ما يبرّر الهجمة التي تعرّض لها «الحزب» في «اللحظة القاتلة».
فالتركيبة الحكومية كانت قد تجاوزت مجموعة العقد المَحكي عنها بما عبّرت عنه من معادلات قاد إليها منطق المحاصصة، والذي استغرق الوقت الكافي للتوصّل إليها على وَقع مجمل الضغوط. عدا عن تلك المرتبطة بأزمة النازحين وما آلت اليه الخطط المتعثّرة للبدء ببرامج إعادتهم الى بلادهم. فيما كانت الوقائع تقول غير ذلك، فقد بالغ النظام في تصوير انتصاراته سعياً الى ترجمتها في السياسة سريعاً، وهو ما لم يتمكّن منه قبل أن يَتثبّت المجتمع الدولي ومعه العالم الغربي من هذه القدرات سياسياً ودستورياً وأمنياً.
عند هذا السيناريو بما يعنيه من تداخل بين ما هو داخلي حال دون تأليف الحكومة وما هو خارجي، فقد جاءت العقوبات الأميركية على «حزب الله» قبل أيام من دخول إيران مدار المرحلة الجديدة من تلك الخاصة بها والمفروضة عليها وعلى حلفائها لتزيد في الطين بلّة.
فقد تزامنَ إصرار «حزب الله» على تمثيل النواب السنّة من حلفائه مع دخول البلاد مرحلة العقوبات التي فرضت عليه، فباتَ الربط بين مفاعيلها والنتائج المترتبة على موقفه من تَعثّر مسيرة التأليف منطقياً وواقعياً.
ويعترف اكثر من صديق للحزب انّ نصرالله أسبَغ «الشرعية النيابية» على تكتل نيابي سنّي جديد، لم يكن قادراً على العيش لولا هذه التزكية. فمعظم نوابه أعضاء في كتل نيابية تمثّلت في الحكومة، وليس في المجلس النيابي كتلة من هذا النوع.
وقد عبرت الاستشارات النيابية المُلزمة لتسمية الحريري، وجاءت بعدها استشارات الرئيس المكلّف، من دون أن تشهد موعداً لمثل هذه المجموعة.
ويضيف أصدقاء «الحزب» انّ رئيس مجلس النواب، عندما قاربَ اللحظات الأخيرة من عملية التأليف، أبلغَ الى القريبين منه والى الحريري انّ تعويض ما فاتَ من تأخير في عملية التأليف سيكون في مرحلة تظهير البيان الوزاري، فأوحى بجهوزية نسخة منه ترضي الجميع.
حتى انّ الدوائر القريبة منه ومن مطابخ التأليف قالت انّ المقاربة الاقتصادية ونتائج مؤتمر «سيدر 1» لن تشكّل عقبة، وانّ الحل لثلاثية «الجيش والشعب المقاومة» يمكن استعارته من بيانات حكومية سابقة. وكذلك بالنسبة الى قرار «النأي بالنفس»، فلم ينس اللبنانيون بعد البيان الذي صدر عن الحكومة في 5 كانون الأول الماضي كحلّ محلي وإقليمي ودولي لعودة الحريري عن استقالته.
ففي ظل هذه المعطيات، لم يصدق كثيرون انّ هناك عقدة من هذا النوع، ولو كان هناك شك عند البعض لاعتبرَ وجودها، كما وصفه رئيس الجمهورية في اللقاء المُتلفَز عشيّة الذكرى الثانية لانتخابه، من باب «التَكتَكة السياسية» ولا بد من وجود حلّ لها، واضعاً نفسه في موقع المتضامن مع الحريري.
وفي المقلب الآخر المُستجد من العقدة السنية بات الحديث عن محور جديد وارداً، فما قبل خطاب السبت شيء وما بعده شيء آخر. وعلى من يريد فهم هذه المرحلة الجديدة أن يبدأ بتَلمّس الفوارق الكبيرة بينهما. فقد تقلّبت مواقف كثيرة، وراح رئيس مجلس النواب نبيه بري بعيداً في تضامنه المُستجدّ مع نصرالله، وبات «التيار الوطني الحر» يحتسب مواقفه مجدداً من كل ما سَبقَ خطاب السبت.
وعليه، يعترف قريبون من «حزب الله» أنّ السيد نصرالله كان يرصد المرحلة السابقة التي تَلت عملية التكليف ساخراً ممّا كان يسجّل من مواقف. فكان يراقب مَن سعى، على وَقع تصنيف الحقائب بين سيادية وخدماتية وعادية وثانوية، الى الثلث المعطّل ومن يريد كسب حقيبة من هنا أو هنالك، كما ذلك الساعي الى احتكار تمثيل لوحده طائفته الصغيرة وبنيت على أساسها معادلات غريبة ـ عجيبة رباعية وخماسية وغيرها. فاستفاد من أخطاء وجرائم ارتكبت في حق القانون والدستور والحكومة العتيدة، وجاء يوم الحساب لديه.
وعليه، يمكن فهم الرسالة التي وَجّهها نصرالله للمرة الأولى الى الرؤساء والبطاركة والمفتين والمطارنة والمشايخ ليقول لهم ما معناه: «إنتهى دوركم وجاء دوري، فأعطوني من مهل بمقدار ما استهلكتم منها، وإلّا فاختصروا المعاناة المقبلة وطَبّقوا ما قلتُ به… فتؤلّف الحكومة بعد ظهر اليوم».