كيف يمكن للبناني أن يطمئن على لقمة عيشه، ومستقبل أولاده، في دولة يعترف فيها وزير المالية في مجلس النواب بعدم وجود ليرة واحدة في إحتياطي الموازنة، ومع ذلك يصر نواب الأمة على تشريع قوانين تتطلب نفقات خدماتية، ودون أي مردود مالي على الخزينة، بمليارات الليرات!
جلسات «تشريع الضرورة» قد تكون ضرورية لإقرار بعض القوانين اللازمة، لتسيير أمور الدولة، وتأكيد جدية إلتزامات لبنان الدولية، لا سيما بالنسبة للدول المشاركة في مؤتمر سيدر، وذلك في إطار الإستعداد الرسمي لتنفيذ بعض الإصلاحات المطلوبة، وتلبية شروط القروض التي تقررت في مؤتمر باريس، قبل أسابيع من موعد الإنتخابات النيابية.
ولكن دائرة التشريع توسعت، وأصبحت تضم، ما هو ضروري حيناً، وما هو غير ضروري أحياناً، في أجواء من المزايدات بين بعض الكتل النيابية، دون الأخذ بعين الإعتبار الواقع الحرج للخزينة، والتي وصلت إلي حافة الإفلاس، في ظل هذا التمادي في الإنفاق من قبل عدد من الوزراء في حكومة تصريف الأعمال، حيث يؤكد وزير المالية أن العديد من الوزراء تجاوزوا السقوف المحددة في الميزانية، واستهلكوا بالسلف المختلفة ما تبقى من المال الإحتياطي!
إزاء مثل هذه الوقائع المفجعة، لم يعد مستغرباً الحديث عن الإرتفاع المطرد في المديونية العامة، والتي من المتوقع أن تلامس التسعين مليار دولار نهاية العام الحالي، فيما تتجاوز أعباء الدين العام الخمسة مليارات دولار سنوياً!
القطاعات الإنتاجية شبه معطلة، الإقتصاد في حالة شلل، الكساد يهيمن على الأسواق، الضغوط على الليرة تتزايد يوماً بعد يوم، وأهل الحل والربط لا يردعهم رادع عن الإمعان في تمرير الصفقات، وزيادة الإنفاق غير المجدي، وتحميل أجيال الغد المزيد من الديون المرهقة، دون الإلتفات إلى الحد الأدنى من متطلبات الإصلاحات المالية المطلوبة، والتي ستبقى حبراً على الورق، حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً!