أنطوان الاسمر
التشريع تحت الضغط زاد الأزمة والنزف الإقتصادي عصي على المعالجة مع نهاية
العُقدة الوحيدة المتبقية في الإمكان عزلها بالحوار شرط أن يكون محيداً عن استتباعات الخارج
تشتدّ الوطآت حدّةً على لبنان الذي يجد نفسه محاصرا بين نارين كاويتين:
أ-داخلية، نتيجة إطالة الأزمة الحكومية بفعل التناتش البلا كوابح وغير المسبوق على جمْع الحصص ومراكمة المكتسبات وإفتعال معارك وهمية، جنبا الى جنب مع الإنحدار اللاقعري للوضع الإقتصادي بفعل غياب المعالجات وتعثّر عمل المؤسسات والإرتجال في القرارات والقوانين والتشريعات (سلسلة الرتب والرواتب) التي وضعتها الطبقة الحاكمة تحت وبال الإنتخابات النيابية والإستثمار النقابي – الشعبي الخاطئ واللامسؤول لحاجة الطبقة السياسية الى إسترضاء الناس عشية تلك الإنتخابات.
ب-وخارجية، بفعل إشتداد الأزمات في الإقليم والحصار الأميركي على إيران وتأثر لبنان به تأثرا مباشرا، والرغبة في أن تحوّل القوى الإقليمية والدولية لبنان ساحة مبارزة (لا صراع حتى الآن) ومساحة لتوطئة نفوذ أو تثبيته. وهو ما صار ثابتا إثر العقوبات الأميركية التي أنزلت على إيران والمنظمات المرتبطة كـ «حزب الله». إذ صار زاد فريقا الصراع الإقليمي في تشددهما، وتعثّرت بسببه الولادة الحكومية ، وإستطرادا إعادة إطلاق العجلة السياسية والإقتصادية التي باتت في هوّة سحيقة نتيجة كل هذه العثرات.
الثمن الحتمي لكلا الحصارين الداخلي والخارجي، يدفعه اللبنانيون حصرا من إستقرارهم الإجتماعي والنزيف الإقتصادي الذي قد يصبح مع نهاية سنة 2019 عصيا على المعالجة، وهو أمر يدركها المسؤولون، وموثّق في تقارير مالية باتت في حوزتهم منذ أيلول 2018.
المستغرب ألا يُشكّل المعطى الإقتصادي، بمخاطره العالية، دافعا للطبقة السياسية الى الخروج من الأزمة الحكومية، وخصوصا أن العقدة الباقية الوحيدة في الإمكان عزلها وربما تذليلها بحوار مسؤول بعيدا من العناوين الكبيرة، والأهم أن يكون أي نقاش محيّدا عن إستتباعات الخارج.
وتزيد رسائل الوعيد الإسرائيلية في تعقيدات المشهد اللبناني، خصوصا بعدما تبيّن أن تل أبيب لا توفّر مسؤولا غربيا إلا وتحمّله تحذيرات مما تسميه مصانع «حزب الله» للسلاح، بلغت حد التلويح بضربة عسكرية لما تعتبره مشاغل لتطوير السلاح الصاروخي (الإيراني وغير الإيراني) وتجهيزه برقائق إلكترونية تتيح تحويله سلاحا كاسرا للتوازن، بمعنى طويل المدى، دقيق الهدف، بقدرة تدميرية كبيرة.
لا يخفى أن المسؤولين اللبنانيين يأخذون هذه التهديدات مأخذا جديا، وتحديدا منذ ما ادلى به رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في أيلول الفائت من منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة. لذا كان الرد الديبلوماسي سريعا وحاسما بالحملة التي قامت السيلاسية – الإعلامية التي تولتها وزارة الخارجية، مع غياب تام لوزارات أخرى يُفترض أن تكون معنية هي الأخرى بتبديد الدعاية الإسرائيلية وكسر أحادية الإنطباع الذي تركته في كثير من الأوساط العالمية، السياسية ولا سيما الإعلامية.
ويُنتظر من الحكومة العتيدة أن تضع خطة شاملة للتصدي للإتهامات الإسرائيلية وللتحوّط لها ولما قد تذهب اليه حكومة تل أبيب، وخصوصا في هذه المساحة الزمنية الرمادية التي تخيّم على المنطقة، نتيجة الحرب الأميركية السياسية – المالية المباشرة على ايران وحزب الله على حد سواء. إذ إن مثل هكذا مساحة رمادية تشكّل فرصة إسرائيلية سانحة لتنفيذ ضربة عسكرية ضد لبنان، ستصوّرها تل أبيب على أنها تأتي في سياق الحرب الأميركية، باحثة في ذلك عن شرعية دولية توظّفها لهذه الغاية، وتقودها الى تنفيذ ما تريده بداعي الحاجة الأميركية الى معاقبة إيران وجرها الى مائدة مفاوضات جديدة لكن بدفتر شروط يختلف كليا عن ذلك الذي عملت الإدارة السابقة في هداه للوصول الى الإتفاق الذي نقضه الرئيس دونالد ترامب.