لم تكفِ لبنان “ظلمة” النفق السياسي، الذي أدخله فيه تعنّت “حزب الله” بإصراره على توزير “سُنّة 8 آذار”، بل بات مهدداً، بين ساعة وأخرى، بالدخول في “ظلام” ليل حالك السواد، يُرخي سدوله على مناطقه كافة، نتيجة انقطاع “الفيول”، أمس، عن مجموعتي إنتاج الكهرباء الرئيسيتين في معملي الزوق والجِّيِّة، بالتزامن مع صاعقة ضربت التوتر العالي بين الزهراني وعرمون، فضلاً عن “إضراب شامل” مرتقب، لوّحت به الهيئات الاقتصادية، في حال استمر تعطيل تشكيل الحكومة… حالٌ شخَّصها البطريرك الماروني بشارة الراعي، في عظة أمس، إذ قال: “هي ظلمة الضمائر المأسورة بالمصالح الشخصيّة والفئويّة والمذهبيّة والولاءات الخارجيّة”.
وفيما لايزال “حزب الله” مصمماً على “تحصيل حقوق” حلفائه السُّنَّة من دون أن يكلفه أحد بذلك، تبدو أزمة تأليف الحكومة مرشّحة لمزيد من التعقيد. فالرئيس المكلف سعد الحريري ليس في وارد القبول بتوزير سُنِّيٍّ من خارج كتلته البرلمانية، يُسانده في ذلك رئيس الجمهورية ميشال عون، الرافض أيضاً تمثيل “النوّاب السنة المستقلين” في الحكومة العتيدة، لأنهم “لا يمثلون كتلة نيابية”، الأمر الذي أغضب “حزب الله” فقطع خطوط الاتصال مع قصر بعبدا.
ولم تقف دائرة رفض توزير “سُنّة 8 آذار” عند الرئاستين الأولى والثالثة، بل اتّسع محيطها ليشمل “التيار الوطني الحر” وأطرافاً سياسية أخرى، إضافة إلى “تيار المستقبل”، ما جعل الوصول إلى مخرج مقبول “أمراً متعذراً، في المدى المنظور على الأقل”، حسبما أبلغت “السياسة” أوساط “الوطني الحر”، مشدّدة على أن الرئيسين عون والحريري “ثابتان على موقفيهما، والكرة في ملعب الفريق الآخر”.
وأكدت عضو “كتلة المستقبل” النائب ديما جمالي، في تصريح لـ”السياسة”، أن الرئيس المكلف “لا يفكر في الاعتكاف أو الاعتذار، وسيتابع مشاوراته حينما يعود إلى بيروت”، موضحة أن الرئيس الحريري “أخذ على عاتقه مشروعاً اقتصادياً للبنان لن يعود عنه”. وقالت: “حتى لو اعتذر، وهذا أمر مستبعد جداً، فسيصار إلى إعادة تكليفه من جانب (حزب الله) نفسه، ومن كل الأطراف السياسية الأخرى. لكن التراجع غير وارد، لا عند الرئيس المكلف، ولا عند غيره”.
وحذرت جمالي من “تعطيل مبرمج لتشكيل الحكومة، إذ ليس صدفة أن تُختلق العقبات لتأخير التأليف، وما يسببه ذلك من نتائج سلبية على أوضاع البلد”. وقالت: “الحل سيتم إيجاده، ولكن ليس من خلال توزير سُنّة 8 آذار، بل من خلال تنازل الأطراف والعودة إلى المنطق واعتماد التوازنات الانتخابية، فليس منطقياً أن يجتمع خمسة أو ستة نواب ويقولون أنهم كتلة نيابية، وإلا يصبح من حق النوّاب المسيحيين المستقلين المطالبة بأن يتمثلوا بالحكومة”، مشددة على أن “تطابق موقفي الرئيسين عون والحريري يفيد لبنان ويحميه ويفعّل مسيرة عمل المؤسسات وانتظامها، كما يمكِّن العهد من متابعة أدائه بزخم وقوة”.
من جانبه، لفت رئيس “التيار الوطني الحر” الوزير جبران باسيل إلى أن “ما يحصل في الحكومة يؤكد صوابية رؤيتنا ومواقفنا”. وقال: “اليوم يعود الجميع إلى فكرة المعايير. التيار قوي، والتحدّي كبير للسنوات الأربع المقبلة (…) علينا أن نكون منتجين وأقوياء من الداخل لننطلق إلى الخارج ونحن ثابتون”.
في المقابل، رأى نائب “حزب الله” نواف الموسوي أن “حل أزمات لبنان يقوم على تعددية التمثيل الطوائفي”، ناصحاً لـ”الإخوة في تيار المستقبل، ألا يتعاملوا بعناد أو تعنّت مع مسألة التعددية السياسية أو التعددية الحزبية في الطائفة السنية. ففي الطائفة الشيعية توجد (حركة أمل)، وكذلك (حزب الله)، والبعض يقول إننا متوافقون، وهذا أمر صحيح. فلتقم إذاً تعددية في الطائفة السُّنِّيَّة، ولتتوافقوا، خصوصاً أن معظم نوّاب السُنّة من خارج كتلة المستقبل، أعطوا الثقة للرئيس المكلف سعد الحريري، أي أنهم سَلَّفوا الرئيس الحريري بادرة حسن نيّة بأنهم سمّوه لتشكيل الحكومة، وبالتالي أصبح هو مطالباً بأن يضمّ الجميع، حتى الذين يختلفون معه، لا أن يعمل على إقصائهم أو إبعادهم أو تهميشهم”.
وفي السياق، حذّر البطريرك بشارة الراعي من “الانقسامات والنزاعات المذهبية، التي قد يعمل البعض على تأجيج نارها”. ورأى، في عظة الأحد أمس، أن “الأزمة السياسيّة، التي تشلّ حياة الدولة، مردُّها إلى ظلمة الضمائر المأسورة بالمصالح الشخصيّة والفئويّة والمذهبيّة والولاءات الخارجيّة، والكلّ على حساب قيام دولة المؤسّسات والقانون كما هو ظاهر في عدم إمكان تأليف الحكومة”.
من جانب آخر، تتحضّر الهيئات الاقتصادية للاعتصام هذا الأسبوع، تمهيداً لإضراب شامل، في حال استمر تعطيل تشكيل الحكومة، ما يعني أن المناطق اللبنانية كافة مهددة بالظلام، خصوصاً بعد إعلان “شركة كهرباء لبنان” أمس، أنها اضطرت، بسبب نقص الفيول، إلى توقيف مجموعتي إنتاج الكهرباء في معملي الزوق والجِّيّة، وتخفيض حمولة مجموعتين أخريين في الجِّيّة، وبالتالي سينخفض الإنتاج بمقدار 320 ميغاوات، إضافة إلى الأضرار التي خلفتها صاعقة ضربت خط التوتر العالي بين الزهراني وعرمون، فتوقف على إثرها كل معامل إنتاج الكهرباء، فيما تتابع شركة الكهرباء إصلاح الأعطال.
(السياسة)