يحتفل الرئيس اللبناني العماد ميشال عون بعد غدٍ بعبور ولايته الى سنتها الثالثة في ظلّ وجود حكومةٍ متوقَّع ولادتها «بين ساعة وساعة» وسبق أن اعتبر أنها ستشكّل الانطلاقة الفعلية لعهده بعد الانتخابات النيابية (جرتْ في مايو الماضي).
وفيما تتهيأ بيروت لاستقبال «المولود» الحكومي بعد انتظارٍ لنحو خمسة أشهر، بدأتْ سلّة التحديات التي ستواجهها الحكومة الثالثة التي يترأسها زعيم «تيار المستقبل» سعد الحريري منذ العام 2009 تسابِق «الدخان الأبيض» المرتقب تصاعُده من القصر الجمهوري ما لم تطرأ مفاجآتٌ سلبية في اللحظة الأخيرة.
وإذا كانت الحكومة التي يتم التعاطي معها على أنها ستستمرّ أربع سنوات «نجتْ» من محاولات تأليفها على صورة «الانقلاب السياسي» الذي شكلتّه نتائج الانتخابات النيابية (فاز فيها تحالف عون – حزب الله بالغالبية) وجاءت بتوازناتٍ شبه مطابقة لمواصفات حكومة التسوية السياسية (الحكومة الحالية) التي أنهتْ الفراغ الرئاسي، فإنها تقفُ على عتبةِ أكثر من «قطوعٍ» داخلي وخارجي في مستهلّ مشوارها المحفوف بالمتاعب.
وسيشكّل البيان الوزاري الاختبار الأول أمام الحكومة الثانية على التوالي للحريري في ولاية عون، لجهة تحديد موقع لبنان بإزاء القضايا المتفجّرة في المنطقة والتي تطاله تشظياتها من خلال أدوار «حزب الله» في العديد منها وكيفية تعاطيه مع الأزمة في سورية.
ورغم أن «حزب الله» كان دعا قبل شهرين وفي بيان صدر عن كتلته لحكومة تعيد النظر بالتموضع الاستراتيجي للبنان وعلاقاته مع بعض الدول العربية والغربية في إشارة ضمنية للولايات المتحدة والسعودية، فإنّ الإشارات التي أطلقها رئيس البرلمان نبيه بري (شريك الحزب في الثنائية الشيعية) في الأيام الأخيرة حول ان البيان الوزاري شبه جاهز ولن تكون هناك مشكلة حوله لأنه يستند في خطوطه الأساسية الى بيان الحكومة الحالية، عكستْ استبعاد خوض الحزب معركة تدْفع نحو المساس بمرتكزات التفاهمات الرئيسية حول نأي لبنان الرسمي بنفسه عن أزمات المنطقة ولا سيما أنه يتعاطى مع الحكومة العتيدة على أنها من «خطوط الدفاع» بوجه «الهجمة» الأميركية عليه كما على إيران عبر العقوبات.
ومعلوم أن بيان الحكومة الحالية نصّ على «ضرورة ابتعاد لبنان عن الصراعات الخارجية ملتزمين احترام ميثاق جامعة الدول العربية وبشكل خاص المادة الثامنة منه مع اعتماد سياسة خارجية مستقلة تقوم على مصلحة لبنان العليا واحترام القانون الدولي، وستواصل الحكومة بالطبع تعزيز العلاقات مع الدول الشقيقة والصديقة والتأكيد على الشراكة مع الاتحاد الأوروبي (…)»، فيما تضمّن «ملحق البيان الوزاري» الذي عاد على أساسه الرئيس الحريري عن استقالته التي كان قدّمها من الرياض في نوفمبر 2017 «التزام الحكومة اللبنانية بكل مكوناتها السياسية النأي بنفسها عن اي نزاعات او صراعات او حروب او عن الشؤون الداخلية للدول العربية، حفاظاً على علاقات لبنان السياسية والاقتصادية مع أشقائه العرب».
وإذا كان تدوير زوايا البيان الوزاري للحكومة الجديدة «تحت السيطرة» مبدئياً، فإن «كرة ثلج» العقوبات الأميركية على «حزب الله» تثقل على انطلاقتها ولا سيما ان تضييق الخناق من واشنطن على الحزب بعد توقيع الرئيس دونالد ترامب دفعة جديدة من العقوبات الخميس الماضي يطرح أسئلة كبرى حول اذا كان إصرار الحزب على تولي حقيبة الصحة المرتبطة ببروتوكولات دعم أميركية سيستدرج رد فعل من الولايات المتحدة مثل وقف المساعدات وربما إجراءات من دول أخرى ساهمت في مؤتمر «سيدر» الذي لقطاع الصحة حصة كبيرة فيه.
ورغم إدراك الحريري حساسية تولي «حزب الله» حقيبة الصحة وعدم نفيه وجود مشكلة بعد العقوبات الأميركية عليه مكتفياً بالقول «يصطفلوا» (حزب الله)، فإن إصرار الحزب الحاسم على هذه الحقيبة مردّه الى رغبته بتحويلها عنواناً لكيفية تعاطي لبنان الرسمي مع سيف العقوبات، وسط ملامح عدم تَهاوُن من واشنطن في ما تعتبره معركة تقويض نفوذ إيران وأذرعها في المنطقة.
(الراي)