ضاقت كل السبل الى المخارج والحلول التي يمكن الوصول اليها لتأليف حكومة تُرضي مختلف أطراف التسوية الرئاسية الذين يحتفلون بعد أيام بالذكرى الثانية لإتمام «الصفقة السياسية» التي أنهت الشغور الرئاسي، وأوصلت العماد ميشال عون الى رئاسة الجمهورية وأعادت الرئيس سعد الحريري الى السراي الحكومي. وعلى رغم عبور الأشهر الخمسة على التكليف، فقد ظهر المشهد الحكومي في الساعات المنصرمة كأنّه اقترب من نهاياته الحتمية مخافة الإنزلاق الى محطات تضيع فيها كل الجهود التي بُذلت حتى الآن لضبط الأوضاع الأمنية والإقتصادية.
على هذه الخلفيات، تسارعت الخطى في الساعات الماضية لاتّخاذ قرار كبير وجدّي يُنهي حالات التردّد التي سادت بعض الأوساط تجاه التوزيعة النهائية للحقائب الوزارية، بعدما استُنفدت كل المحاولات لإجراء تعديلات طفيفة على رغم إدراك الطبّاخين استحالة إعادة النظر في أيٍّ منها. وباستثناء الحصّة التي نالها الثنائي الشيعي، دارت الأفكار المطروحة على حصص الجميع بغية توفير حقيبة بديلة من حقيبة العدل التي تمسّك بها رئيس الجمهورية لإرضاء «القوات اللبنانية» برباعيّتها الوزارية الجديدة بلا جدوى.
ففي ظلّ النزاع المحتدم على حقيبة وزارة العدل وما سعى اليه أكثر من طرف لمعالجتها، لم ينجح الساعون الى المخارج في إيجاد أيّ صيغة تغيّر من موقع حقائب «الأشغال» و»الصحة» و»التربية» و»الإتصالات» و»الطاقة». كذلك تمّ التفاهمُ على توزيعها عند حلّ العُقدة الدرزية بعد حصّة «المردة».
وإثباتاً لصدقيّة هذه النظرية، فقد تمترس الجميع خلف مواقفهم ولم يعد هناك أيّ أمل في تغييرٍ ما يمكن أن يطرأ. وهو ما قاد الى الحديث عن حكومة «أمر واقع» في الساعات القليلة الماضية والتي قد تُترجم في الساعات المقبلة وفي أمد يقاس في حدّه الأقصى نهاية الشهر الجاري بمعزل عن الإستحقاقات التي ينتظرها لبنان والمنطقة، سواءٌ تلك المتصلة بالعقوبات الأميركية على إيران وحلفائها في لبنان والمنطقة والتي أطلّ الجزءُ اللبناني منها في الساعات الماضية بتوقيع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، المجموعة الجديدة منها تجاه «حزب الله» والتي تهدف الى «حرمانه من الحصول على موارد لتمويل نشاطاته». وقد جاءت في ذكرى مرور 35 عاماً على الهجوم الذي استهدف مقرّ مشاة البحرية الأميركية (المارينز) في بيروت عام 1983.
وعلى رغم حجم المفاجأة التي أحدثها القرار الأميركي الجديد في توقيته، استباقاً للمرحلة الثانية من العقوبات الأميركية المفروضة على إيران والتي سيبدأ تطبيقُها في 5 تشرين الثاني المقبل، لا يتوقع اللبنانيون أيّ ردّ فعل فوري على هذا القرار، لا بل إنّ هناك اعتقاداً بأنّه سيواجَه بمزيد من السخرية من جانب «حزب الله» وإيران وحلفائهما مقابل الإعتراف المسبَق بعقم انعكاسات مثل هذه القرار على القيادة الحزبية وقادتها. ولكنّ ذلك لا يحول دون تمدّد القلق الى محيط الحزب الطبيعي وبيئته المذهبية والمالية والإقتصادية والإجتماعية، نتيجة التردّدات السلبية التي سيتركها عليها عندما ستصدر اللائحة الجديدة بالمؤسسات والشركات والأشخاص الذين سيطاولهم القرار بحكم صلاتهم بالحزب.
ثمّة مَن يقول إنّ شكل التعاطي مع القرار الأميركي الجديد سيُسقط الحديث عن أحد العوامل التي تسبّبت بتأخير تأليف الحكومة، وإن كان الأمر سيثبت نهائياً بعد ساعات على صدور هذا القرار أو عدمه، فإنّ الإشارة باتت واجبة الى الظروف الأخرى التي تحتّم الإنسياق الى حكومة «الأمر الواقع». فالتحذيراتُ التي أودعها حاكم مصرف لبنان رياض سلامة لدى المراجع السياسية المعنية وأطلّ بها الى العلن بعد لقائه رئيس مجلس النواب نبيه بري أمس الأول، يجب أن تؤخذ في الاعتبار وبالجدّية والخطورة التي تستحقها.
فإلى هذا الإنذار المالي والنقدي، ضمّ رئيس الجمهورية، على ما يبدو، مهلة نهاية الثلث الأوّل من العهد التي تُصادف نهاية الشهر الجاري، الى الإستحقاقات التي توجب البتّ بتأليف الحكومة، وهو ما جاراه فيها رئيس مجلس النواب الذي جمّد الدعوة الى جلسة تشريعية أمس الأول والرئيس المكلّف الذي تحدثت أوساطه عن تفسير جديد لحكومة «الأمر الواقع» التي تناقض «حكومة الأكثرية» في شكلها ومضمونها وهي قد تكون الوجه الآخر لحكومة «وحدة وطنية» ولن يغيب عنها أحد، وخصوصاً «القوات اللبنانية»، وإلّا لن يؤلّفَها. مع الأخذ في الاعتبار أنه عائدٌ للتو من مؤتمر الإستثمار في الرياض محمَّلاً بكمٍّ من التوقّعات والسيناريوهات الصعبة التي تتحدّث عن خضّاتٍ إقليمية ودولية قد تنعكس على لبنان.
وبناءً على ما تقدّم، تبادلت أوساط سياسية ضيّقة أمس معلوماتٍ عن دعوة «مشفّرة» وجّهها مرجعٌ كبير الى وقف اللعب على حدّ السكين منعاً للوصول الى ما لا يرغب به أحد؟