في اللحظة التي تَسْتَأنِف المحكمة الدولية الخاصة بلبنان النظر في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري جلساتها اليوم بعد أربعة أيام من المرافعات الختامية للادعاء التي كرّستْ الربْط تنظيمياً وسياسياً بين المتَّهَمين الأربعة وقيادة «حزب الله»، وفيما يزداد «الكرّ والفر» الديبلوماسي حول معركة إدلب وما يَنتظر سورية، ويقترب «نوفمبر» الأميركي – الإيراني، يزدادُ «الصراخ» السياسي في بيروت مُنْذِراً بصعوبة كسْر المأزق الذي يستحكم بالبلاد منذ نحو أربعة أشهر في ضوء استمرار العجز عن تشكيل الحكومة الجديدة.
ورغم الأفكار الجديدة التي يتمّ عبْرها «تحريكُ حجارةِ» الملف الحكومي على رقعةِ الصيغة المبدئية التي كان عَرَضَها الرئيس المكلف سعد الحريري على رئيس الجمهورية العماد ميشال عون قبل أسبوعين وقوبلتْ بملاحظاتٍ جوهرية ولا سيما حيال عقدتيْ التمثيل المسيحي («القوات اللبنانية») والدرزي (الحزب التقدمي الاشتراكي)، فإن لا مؤشرات إلى أن هذه المحاولات سيكون مصيرُها أفضل من سابقاتِها التي انتهتْ إلى «لا شيء» ليَبقى مسارُ التأليفِ أسيرَ الشروط والشروط المضادة المربوطةِ بـ«الصواعق» الخارجية.
وترى أوساط سياسية مطلعة أن المساعي المتجددة على خط المَقرات لـ«تدوير الحقائب» تحت سقف صيغة الحريري وتَوازُناتِها حوصرتْ سريعاً بمؤشرات سلبيةٍ عَكَست صعوبة إمرارِ بعض هذه الأفكار نتيجة ما يواجهها من أفخاخ و«كمائن»، الى جانب المناخِ السياسي «الصاخب» والذي يزداد «تَشابُكاً» وسط تمدُّد «الاشتباكات» الكلامية الى أكثر من «جبهة».
وإذا كانت عقدة التمثيل المسيحي تصطدم بطبيعة حصّة «القوات اللبنانية» والخيارات البديلة المُمكنة من ضمن صيغة «الحصة الرباعية» (أربعة وزراء) وبإصرار «التيار الوطني الحر» على الإمساك بالثلث المعطّل مع حصة رئيس الجمهورية، فإن العقدة الدرزية تشي بأن تتحوّل «أم المعارك» في ضوء انفلات المواجهة الكلامية بين فريقيْ عون والزعيم الدرزي وليد جنبلاط الذي كان بَلَغَ أول من أمس حدّ التحذير من «اللعب بالنار» بعدما شبّه رئيس «التيار الحر» وزير الخارجية جبران باسيل (صهر عون) بصهر الرئيس دونالد ترمب جاريد كوشنير صاحب «النظرية العجيبة بأن معاقبة الفلسطينيين واقصاءهم وقتلهم يساعد في عملية السلام»، ومتهماً باسيل بالسعي «لتثبيت هيمنته في لبنان».
وفيما كانت الأنظار على «محور» فريق عون – جنبلاط المتمسك بحصر التمثيل الدرزي في الحكومة بحزبه (التقدمي الاشتراكي)، قفز الى الواجهة الهجوم الأعنف على رئيس الجمهورية من النائب أنور الخليل (أمين سرّ كتلة رئيس البرلمان نبيه بري) الذي حمّل عون مسؤولية تعطيل تأليف الحكومة، مؤكداً ان العقدة عند الرئيس وليست عند احد غيره، معلناً «هو يطالب بما لا يُطالب به، وأنا عندما أرفع الصوت في اتجاه فخامته، فلأن الدستور نص على ما يجب ان يقوم به الرئيس»، مضيفاً في غمز من قناة الوزير باسيل: «أقرب المقربين من الرئيس يرمي الحجر في البئر وينتظر من غيره ان يسحبه، كي لا يعكر المياه»، ومتوجّهاً الى رئيس الجمهورية: «قف امام ناسك وصارحهم، وقل توقف يا أيها الذي خرّبتَ الوحدة الوطنية».
ورغم معاودة الخليل تأكيد أن موقفه شخصي ولا يُلزم كتلة بري وربْط البعض كلامه بالمشكلة ذات الطبيعة الدرزية مع عون (الخليل درزي)، فإنّ الأوساط السياسية ترى ان ما عبّر عنه الخليل يلاقي في شكل او بآخر ما كان أعلنه المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان، وهو المرجعية الروحية القريبة من بري، مناشداً رئيس الجمهورية «بصفته أباً لجميع اللبنانيين، وحرصاً على المصلحة الوطنية، أن يتنازل عن حقه في حصته الوزارية لأبنائه المشاغبين والمعرقلين».
ولاحظت الأوساط نفسها أن اندفاعة الخليل جاءت بعدما سحَب يده من العقدة المسيحية ومحاولات إيجاد حلول لها، متسائلة اذا كان وراء ما أعلنه النائب الدرزي في كتلته رسالةً ذات صلة أيضاً بالدور الذي كان تعهّد رئيس البرلمان بالاضطلاع به لإيجاد مخْرج مقبول لعقدة التمثيل الدرزي في الحكومة بعد إيجاد حلّ لمسألة تمثيل «القوات». علماً أنه سبق ان جرى التداول بسيناريو يقوم على ان يكون نجل النائب أنور الخليل هو الدزري الثالث الذي يُرْضي جنبلاط ويستجيب لمطلب رئيس الجمهورية بعدم منح «التقدمي» فيتو ميثاقياً في الحكومة.
وفيما كان الوزير باسيل يعلن خلال افتتاح مؤتمر الطاقة الاغترابية الإقليمي الثالث لشمال أميركا، الذي يعقد في كندا متحدثاً في الملف الحكومي عن «طمع واعتداء وابتعاد عن التمثيل الشعبي الصحيح، لصالح الاستقواء الخارجي»، مَضى «حزب الله» في تأكيد ضرورة الإسراع بإنجاز التشكيلة الحكومية على قاعدة «أن الانتخابات النيابية أعطتْ نتيجة نسبية مهمّة، فلنطبّق هذه النسبية في الحكومة ونصل إلى نتيجة، وستدرك بعض القوى ألا تستند إلى الخارج، بل إن لبْننة التشكيل يتطلب الإقدام على قاعدة النسبية في الحكومة كما هي النسبية في الانتخابات، وعندئذ ننجز الحكومة»، كما قال نائب الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم.
وفيما استوقف الأوساط عيْنها معاودة الرئيس الحريري نشْر صورة عبر تطبيق «فيرو» يَظهر فيها مع قرش ومعلناً فيها «اشتياقه» الكبير الى هواية الغطس، متسائلةَ اذا كان في الأمر إسقاطاً على الواقع السياسي وما يحوطه، كان لافتاً أيضاً في غمرة الاستقطاب الداخلي الحاد دعوة البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي من منطقة الشوف الى قيام «حكومة طوارئ حيادية»، في مؤشّر الى استياء الكنيسة من تمادي الصراع السياسي – الطائفي على الحصص والأحجام.
(الراي)