مع استمرارِ فريق الادعاء بتقديمِ مرافعاتِه الختامية في قضية اغتيال الرئيس السابق للحكومة رفيق الحريري أمام المحكمة الدولية الخاصة بلبنان التي تُحاكِم غيابياً 4 متَهَمين من «حزب الله»، ارتسم مساران متناقضان في بيروت، واحدٌ قادَه «وليّ الدم» الرئيس سعد الحريري من لاهاي لعدم تحويل هذا الملف صاعق تفجير داخلياً والإبقاء على «أحزمة الأمان» السياسية، وآخَر يقتاد البلاد من بوابة مأزق تشكيل الحكومة الجديدة الى مزيد من التأزم على وقع «الانهيارات» المتوالية في العلاقات على أكثر من محور.
وفي حين أكمل الادعاء أمس تقديم ملخّص عن الأدلة (وخصوصاً داتا الاتصالات) التي سبق ان قُبلت على مدار الأعوام الأربعة من المحاكمات من ضمن سياقٍ متكامل لإقناع غرفة الدرجة الأولى في المحكمة بقضيته وتالياً إدانة المتَّهَمين، تردّدتْ في بيروت أصداء السياق السياسي للجريمة وفق ما رسمه فريق الادعاء أول من أمس بوصفْه «الدافع» للاغتيال، ولا سيما لجهة حرصه على ربْط مجموعة التخطيط والتنفيذ بـ «حزب الله» تنظيمياً وسياسياً وتأكيد المصلحة السياسية للحزب والنظام السوري في شطْب الحريري من المعادلة، وإن مع التشديد على «ان الادعاء ليس بحاجة ولا يسعى للتوصل الى استنتاجات ضد أفراد آخرين (غير المتهَمين الأربعة ورد ذكرهم في المذكرة الختامية للادعاء) ولا يسعى الى التوصل الى اي استنتاج بحق الدول او المنظّمات»، علماً انه لا يمكن ملاحقة الحزب قضائياً كمجموعةٍ او تنظيم ولا النظام السوري كدولة ولا أسماء لم ترِد في القرار الاتهامي.
ورغم الارتدادات العميقة لتحميل «حزب الله» المسؤولية عن اغتيال الحريري، فإن كلامَ نجْله من أمام مقر المحكمة وإبقاءه على سياسة اليد الممدودة، شكّل موقفاً استباقياً لاحتواء أي تفاعلاتٍ في الداخل الذي شهد استقطاباً حاداً على مواقع التواصل الاجتماعي بين مناصري الفريقيْن، في حين كان ملفّ تشكيل الحكومة يتعرّض لانتكاساتٍ إضافية عززتْ الاقتناع بأنّه مرشّح الى «ترحيل طويل».
وتم التعبير عن هذه الانتكاسات على مستوييْن: الأوّل المواقف البارزة التي عكست حجم التعقيدات، بدءاً من الرئيس العماد ميشال عون الذي أعطى من ستراسبورغ إشارة الى ان عدم وجود حكومة حتى الآن هو من ضمن اللعبة الديموقراطية مستشهداً بمهلة سنة أو سنتين تَطَلّبها تأليف حكومات في دول اوروبية بينها ألمانيا وبلجيكا، ما يعني استشعاره بأن ولادة الحكومة ما زالت بعيدة، مروراً برئيس البرلمان نبيه بري الذي أعرب عن تشاؤمه معلناً «نفْض يده» من محاولة إيجاد مخارج لعقدة التمثيل المسيحي بعدما «استنفد» كل وسائل المساعدة ومبدياً استعداده للتدخل مجدداً في التأليف «ما أن تُحل العقدة المسيحية»، وصولاً الى كلام الحريري عن ضرورة «وقف الطمع بالحقائب فتتشكل الحكومة».
أما المستوى الثاني فـ «انفجار صِداماتٍ» سياسية على جبهة رئيس الجمهورية وفريقه (التيار الوطني الحر) وكلّ من حزب «القوات اللبنانية» و«التقدمي الاشتراكي» بزعامة وليد جنبلاط، ما نَقَلَ عقدتيْ تمثيل هذين الحزبين الى مستوى قارَبَ «حرْق المَراكِب».
وفي ستراسبورغ، توجه عون الى أبناء الجالية اللبنانية قائلاً «لا تصدقوا مَن يقول لكم أن العهد فشل، حرام على عقلهم، لأن هذه أمنية مَن لا يرى الخير إلا في نفسه».
وأبلغ الحريري الى السفير الروسي الكسندر زاسبيكين تعيين لبنان لأعضاء اللجنة المشتركة لمتابعة المبادرة الروسية لعودة النازحين السوريين.
(الراي)