انفجر مأزقُ تشكيلِ الحكومةِ الجديدةِ في لبنان أزمة مفتوحة يُخشى أن تتدحرج على المستويات السياسية والدستورية والطائفية ويتحوّل فيها نظام الطائف «كيسَ ملاكمةٍ».
ويأتي انسداد الأفق في الملف الحكومي وما واكَبَه من «ارتفاعِ المتاريسِ» السياسيةِ بين فريقيْ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والرئيس المكلّف سعد الحريري، في لحظةٍ تقفُ المنطقةُ على كفِّ تطوراتٍ لاهبةٍ يصعبُ التكهنّ بمنزلقاتِها ويعاني بالتزامن معها الواقعُ الاقتصادي – المالي «فقدانَ المناعةِ» بإزاء أي أحداث «ما فوق عادية».
وبعد تقديم الحريري (الاثنين) الى عون صيغةً مبدئيةً حول حكومةِ وحدةٍ وطنيةٍ «لا منْتصر فيها ولا مهزوم» واصطدامِها بـ«ملاحظاتٍ» أبْداها رئيس الجمهورية «استناداً إلى الأسس والمعايير التي حدّدها (عون) لشكل الحكومة»، انكشف المَشهدُ أمس على مؤشراتٍ تشي أولاً بأن حظوظَ ولادةِ حكومةٍ جديدة باتت شبه معدومة في المدى المنظور وربما في الـ2018، وثانياً بانهيارِ التفاهماتِ التي ارتكزتْ إليها التسويةُ السياسيةُ التي أنهتْ الفراغَ الرئاسي، وثالثاً ببدءِ خروجِ العلاقة بين عون والحريري من مرحلة «المواجهة الناعمة» المرتبطة موْضعياً بالملف الحكومي الى صراعٍ خشنٍ على الصلاحيات الرئاسية تَسُودُ مَخاوفَ من ان يجرّ البلاد الى أزمة حُكم.
ولم يكن عابراً «العيارُ الثقيلُ» من التراشق بين فريقيْ عون والحريري رغم حرص الأخير على «إبقاء الخيط الرفيع» الذي ما زال يحول دون انقطاع العلاقة مع رئيس الجمهورية، في الوقت الذي يستعدّ الأخير لإطلاق مسار من الضغوط المتدرّجة للإسراع بتشكيل الحكومة وفق معاييره والتي يُرجّح أن يكون «أولُ الغيثِ» فيها توجيهه رسالة الى البرلمان، الأمر الذي سيكون بمثابة «حرْق المراكب» بين الرجلين.
وعكستْ مصادر الحريري ما هو أكثر من العتَب بعد اعتبار كتلة «لبنان القوي» (كتلة عون) ان رئيس الحكومة قدّم الى رئيس الجمهورية صيغة «رفْع عتب»، اذ اعتبرت أن الصيغة التي تَقدّم بها «عادلة وتحمل تنازلات من الجميع»، لافتة الى ان الحريري بانتظار لقاء آخر مع عون للاستماع منه لملاحظاته.
وقالت المصادر ان «الحريري قدّم صيغته ومشى ولكننا سمعنا ردود فعل من كتلة لبنان القوي وتسريبات من القصر الجمهوري أقلّ ما يقال عنها إنّها رسائل غير مقبولة في الشكل ولا في المضمون، وان هناك اتجاهاً لتصعيد الموقف السياسي وهو أمر يضرّ بعملية التأليف والاستقرار ولا يوصل لأي نتيجة»، متحدّثة عن «متخصصين في تخريب العلاقة بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف الذي لن يُستدرج لهذا الأمر».
في المقابل، نُقل عن مصادر في القصر الجمهوري أن عون أودع الحريري ملاحظاته التي تتصل بافتقار الصيغة الى عدالة التمثيل وما أفرزته نتائج الانتخابات النيابية على أساس النسبية فضلاً عن تهميش بعض المكونات.
وكان الحريري جزم في اجتماع المجلس المركزي لتيار «المستقبل» انه ليس بوارد الاعتذار و«صلاحياتي واضحة ونقطة على السطر»، لافتاً إلى أنّ «معايير تشكيل الحكومات يُحدّدها الدستور والقواعد المنصوص عنها في الطائف، وأي رأي خلاف ذلك يبقى في إطار وجهات النظر السياسية والمواقف التي توضع في تصرف الرئيس المكلّف».
وجاء موقف الحريري بعد بيان لافت لرؤساء الحكومة السابقين نجيب ميقاتي وفؤاد السنيورة وتمام سلام ردوا فيه على بيان القصر الرئاسي عقب تسلم عون الصيغة الحكومية من الحريري مؤكدين وجوب احترام حرفية نص الدستور ومحذرين من «معايير وأعراف وهرطقات دستورية تتعلق بتشكيل الحكومات والصلاحيات الرئاسية» خارجة عن النظام.
واستدرج بيان رؤساء الحكومة السابقين ردوداً من فريق عون بدءاً من كلام «تكتل لبنان القوي» عن ان «هناك مساً بصلاحيات رئيس الجمهورية والتفافاً على دوره متحجّجين بالطائف»، الى إعلان وزير العدل سليم جريصاتي «ان دموع التماسيح على الطائف التي يذرفها السنيورة في بكركي والفاتيكان لن تشفع به، وسنمسك بيده لنرده عن ضرب الدستور».
وفيما كان الرئيس نبيه بري يحذّر من «ان لبنان في غرفة العناية والوضع الاقتصادي خطير»، حضر وهج «التطاحن» الأميركي – الإيراني المتعاظم في المنطقة في خلفية المأزق الحكومي، راسماً علامات استفهام كبرى حول ما قد ينتظر لبنان مع تزايُد ملامح الانفجار الاقليمي.
وإذ برز تولي إيران تسديد المزيد من «الضربات» لسياسة النأي بالنفس اللبنانية بإعلان قائد الحرس الثوري اللواء محمد علي جعفري أن «سورية ولبنان واليمن وفلسطين اختارتْ نهج المقاومة لتحديد مصائرها وسيكون النصر حليف شعوبها»، اكتسب تجديد واشنطن دعوة رعاياها لإعادة النظر بالسفر الى لبنان أهمية خاصة رغم ان مرتكزاته لم تحمل جديداً عن آخِر تحذير أطلقتْه مطلع السنة وتحديداً لجهة طلب تَجنُّب الذهاب إلى الحدود مع سورية بسبب «النزاع الارهابي والمسلح» والى الحدود مع اسرائيل «لاحتمال حصول نزاع مسلح»، مكرراً التنبيه من احتمال وقوع هجمات ارهابية.
(الراي)