قبل أن تحلّ الذكرى الثالثة لضحايا التفجير الإرهابي المزدوج الذي وقع في محلة عين السكة في برج البراجنة، في الثاني عشر من تشرين الثاني العام 2015، يأتي حكم المحكمة العسكرية أمس، على أفراد الشبكة الإرهابية ليبلسم جراح عائلات 43 شهيداً وأكثر من مئتي جريح سقطوا في هذا التفجير الذي نفذه انتحاريان سوريان بواسطة أحزمة ناسفة، حكمٌ طال 38 شخصاً بين متهمين ومدعى عليهم توزعت الأدوار في ما بينهم.. من المحرضين والمنفذين والمشاركين في نقل المتفجرات واستئجار الشقق وإيواء الانتحاريين وشراء لوازم التفجير وبيعها وتزوير هويات، قبل أن يتهاوى أفرادها بـ«لمح البصر»، إثر إحباط مخطط تفجيري كان يستهدف منطقة جبل محسن قبل ساعات من التفجير المزدوج بإلقاء القبض على «الانتحاري» ابراهيم الجمل وهو في طريقه لتنفيذ العملية، والذي حاول تفجير نفسه بالحزام الناسف الذي كان يرتديه لمنع توقيفه، فضلاً عن دقة التحاليل الفنية للاتصالات الهاتفية التي تولتها «شعبة المعلومات» في قوى الأمن الداخلي وأفضت إلى توقيف 28 شخصاً، أخلي سبيل 14 منهم خلال مراحل التحقيق، وأبقي على الـ14 آخرين موقوفين ومن بينهم من لعبوا أدواراً رئيسية لإنجاح العملية التي نفّذت لصالح تنظيم داعش الإرهابي، فيما يُحاكم 10 بالصورة الغيابية.
وقبل أن يعلن رئيس المحكمة العسكرية العميد الركن حسين عبدالله ختم المحاكمة، استمعت الهيئة على مدى أربع ساعات متواصلة إلى مطالعة ممثل النيابة العامة القاضي رولان الشرتوني ومرافعات 20 محامياً من محامي الدفاع عن المتهمين والمدعى عليهم، الذين خلصوا إلى طلب إعلان براءة موكليهم واستطراداً منحهم الأسباب التخفيفية بالاكتفاء بمدة توقيفهم، ليصدر بعد ذلك حكم المحكمة منتصف الليل والذي تراوحت العقوبات فيه بين الإعدام والسجن ثلاثة أشهر مع إلزام عدد من المتهمين بتقديم بندقية حربية ودفع غرامات مالية، فيما أدانت القاصر ابراهيم الجمل وأحالت نسخة عن ملفه إلى محكمة الأحداث لعلة القصر.
في مطالعته، استعرض ممثل النيابة العامة في البدء وقائع القضية وكيفية إلقاء القبض على «الانتحاري» الجمل وتحديد هويات المنفذين والمتورطين، معتبراً أن المشغّل واحد للشبكتين، وأن هذه القضية هي نموذج للجريمة الإرهابية التي تم التخطيط لها خارج البلاد. وقال: «دماء شهداء البرج ووجع المصابين وأهالي الضحايا لا بل كل لبنان ينظر اليوم إلى محكمتكم للاقتصاص من المتهمين». وخلص الشرتوني إلى طلب تجريم المتهمين وفقاً لمواد الادعاء.
ثم توالت مرافعات جهة الدفاع، فترافع المحامي ربيع نصرالله بتكليف من نقابة المحامين عن المتهم الجمل فسأل عن السبب الذي يدفع شاباً في مقتبل العمر إلى القيام بما كان ينوي فعله، معتبراً أن القوى الأمنية قد أفسحت مجالاً لموكله بالتوبة بإلقاء القبض عليه قبل تفجير نفسه، وقال إن موكله لم يكن يتمتع بعقل سليم وقد خضع لغسل دماغ لجعله انتحارياً.
وترافعت المحامية جوسلين الراعي عن المتهم خالد زين الدين، فأملت أن تعطي المحكمة العقاب اللازم لكل فعل، فموكلها «ومن بساطته» أمّن منزلاً لأبو الوليد من دون أن يكون على علم مسبق بالمخطط الذين كانوا يحضرون له في تلك الشقة. وأكدت أن ما فعله موكلها ينبع من حاجته إلى المال ليس أكثر، طالبة اعتبار فعله من نوع المتدخل.
كما ترافع المحامي نصرالله عن المتهم السوري عبد الكريم الشيخ علي الذي اعتبر أنه لعب دوراً ثانوياً في عملية التفجير. ولدى سؤال المتهم عما يطلبه قال: «ولا شي».
وعن المتهم السوري عواد الدرويش ترافعت المحامية بسمة خضر التي ركزت على التناقضات الواردة في أقوال موكلها والواقع معتبرة بأنه لم يكن يدرك ما كان يُخطط لهم مواطنه الشيخ علي مع آخرين في «شقة الأشرفية». وفي كلامه الأخير قال الدرويش: «أطلب اعتبارنا ضحايا وليس مجرمين».
كذلك ترافع المحامي نصرالله عن القاصر ابراهيم البقار بحضور مندوب للأحداث فلفت إلى أن موكله أقام في شقة بين أصدقاء له إنما لم يُشارك في أعمالهم الإرهابية، ولم يتعلم سر المصلحة في تجهيز أحزمة ناسفة في تلك الشقة.
ثم ترافع المحامي عارف ضاهر عن المتهم ابراهيم رايد الذي أكد على اعترافات موكله لجهة نقله متفجرات مقابل المال، وكذلك نقله شخصاً إلى طرابلس، إنما لم يكن يعلم بالمخطط الإرهابي المنوي تنفيذه. كما ترافع المحامي ضاهر عن المتهم خالد شاكر الذي نقل «برّاد» بناء على طلب البقار ومقابل المال من دون أن يعلم ما كان بداخله.
وعن المتهم خالد مرزوق ترافعت المحامية الراعي التي أشارت إلى أن موكلها تعرف على المتهم بلال البقار قبل شهر من التفجير طالباً منه المساعدة لمعالجة والدته، وأن الأخير طلب منه مساعدته في حمل «البراد» ونقله إلى الشقة، وكان يعتقد أن بداخله «مارتديلا».
وترافعت المحامية ربى شكر عن المتهم السوري مصطفى الخزام، الذي جلّ ما قام به هو مشاركته مواطنيه الشيخ علي والدرويش في البحث عن منزل من دون علمه بما كانا يحضران له، واعتبرت أن اعتراف موكلها الأولي لجهة علمه بالمخطط الإرهابي عاد وتراجع عنه، طالبة اعتبار فعل موكلها في حال تجريمه يندرج في إطار كتم معلومات.
وعن المتهمان مرعي وأحمد مرعي ترافع المحامي محمد صبلوح، الذي لفت إلى أن علاقتهما بالمتهم بلال البقار هي مجرد صداقة، وأن الأخير قد وضع لديهما ثلاث حقائب من المتفجرات، وعندما علما بمحتواتها طلبا منه نقلها. وذكّر بإفادة البقار نفسه التي أكد فيها أن موكليه لا علم لهما بالتفجير.
وترافع المحامي حسين جعفر عن المخلى سبيله عبد اللطيف علولا الذي أكد عدم علاقته بأفراد الشبكة الإرهابية أو تمويلها إنما علاقته اقتصرت على معرفته بوالد المتهم السوري الفار سطام الشتيوي الذي استدان منه مبلغاً مالياً، ولفت إلى أن موكله وشقيقه قد تعرضا للقتل في عرسال على يد الإرهابيين.
أما المحامي أحمد الفي وفي دفاعه عن المخلى سبيله السوري عبد الهادي الشتيوي فلفت إلى أن ذنبه أنه قريب سطام الموجود في عرسال فيما موكله يسكن في وادي خالد ولا تواصل بينهما.
وترافع المحامي وائل شريف عن المخلى سبيله عدنان سرور، فأوضح أن موكله وبناء على طلب المتهم الفار حسن أمون نقل عائلتين من سوريا إلى لبنان مقابل 600 دولار عن كل عائلة ولم يكن يعلم أن أحد أفراد هاتين العائلتين على علاقة بالتفجير فيما سبق له أن رفض طلب أمون تهريب صندوقين قال له إنهما تحتويان على أدوية.
وعن المدعى عليه المخلى سبيله مصطفى موسى ترافع المحامي علي الحلو الذي طلب إبطال التعقبات عن موكله من جرم المادة 76 من قانون الأسلحة كون موكله يحوز رخصة، وأن بيعه صواعق وفتائل تم بموجب تلك الرخصة، وفي حال تجريمه اعتبار فعله ينطبق على المادة 770 لجهة مخالفة القوانين والأنظمة الإدارية. كما طلب إعادة المضبوطات التي قال عنها موكله بأن ثمنها لا يقل عن 500 ألف دولار «وبيخترب بيتي».
وترافعت المحامية عليا شلحة عن المدعى عليه دريد صالح، فاعتبرت أنه اشترى كمية من المتفجرات وباعها للمدعى عليه فايز الدبس، ثم اشترى كمية من المتهم ابراهيم رايد بهدف الربح المادي من دون علمه بوجهة استعمالها.
أما المحامي عماد المصري فرأى في مرافعته عن المدعى عليه فايز الدبس أن شراء المتفجرات وبيعها كان بهدف الربح المادي ولم ينصرف عمله إلى القيام بأي عمل إرهابي.
كما ترافعت المحامية شلحة عن المدعى عليه أحمد مظلوم الذي اشترى متفجرات من المدعى عليهما مصطفى موسى وفايز الدبس وباعها لمحمود المصري ولم يعلم أيضاً بوجهة استعمالها إنما انصرف فعله إلى الربح المادي.
وترافعت وكيلة المدعى عليه عبدالله فريحة مشيرة إلى أن ابن بلدته الدبس أعاره فتائل وصواعق لاستعمالها في الكسارات لا أكثر ولا أقل، وأن موكلها يحوز رخصة لجهة استعمالها.
واعتبر المحامي بلال الحسيني في دفاعه عن المدعى عليهما علي الخطيب وعدنان ياسين أن الأخير ليس هو الشخص الذي أدخل الانتحاري السوري عماد المستت بدليل اعتراف المدعى عليه عبد الحميد المحمد الذي أكد بأنه نقل شخصاً على أنه طبيب أسنان من المصنع بعدما قام أبو علي الصميلي بإدخاله عبر الحدود. وأكد أن موكله لم يقدم على تزوير أي بطاقة مرور لذلك الشخص وجلّ ما قام به أنه أرسل المدعى عليه علي الخطيب لاستلام شخص من المصنع إنما ليس عماد المستت.
وطلب محام عسكري البراءة للمدعى عليه عمر الكردي وإعادته إلى خدمته العسكرية، كما طلب البراءة للمدعى عليه محمد العلي.
وعن شوقي السيد ترافع المحامي عارف ضاهر الذي نقل الفار حمزة البقار إلى المطار وقال إن الأخير لو كان مطلوباً لكان أوقف في المطار، الأمر الذي لم يحصل.
وفي مرافعتها عن المدعى عليه همام مظلوم اعتبرت المحامية حنان جواد أن موكلها اعترف بتزوير هويات لبنانية لسوريين إنما لم يكن على علم بعمل الشبكات الإرهابية وهو فعل ذلك من أجل المال وتقاسمه مع المدعى عليه محمد العفي. وأوضحت أن موكلها يُلاحق في الجرم نفسه أمام قاضي التحقيق في بعلبك، وأن لا علاقة له بجرم الإرهاب، طالبة إبطال التعقبات بحقه لسبق الملاحقة.
أما المحامي شريف الحسيني فطلب الاكتفاء بمدة توقيف موكله بجرم التزوير مؤكداً عدم علاقته بالإرهاب والإرهابيين.
وأوضحت المحامية حسنا عبد الرضا في دفاعها عن السوري عبد الجواد عيسى، أن كشف أفراد الشبكة تم من خلال تحليل داتا الاتصالات وتواصل أرقام هاتفية لهم مع أرقام مشبوهة، فيما لم يتبين ذلك من خلال تحليل هاتفين لموكلها، واعتبرت أن نقل موكلها مبلغ ألف دولار إلى المتهم الشيخ علي جاء بناء لطلب طارق حمدان مقابل حصول موكلها على عمولة 10 دولارات فقط، مؤكدة أن الأخير لا يعرف الشيخ علي ولا علاقة له بالإرهاب.
ورأى المحامي سامي يونس في مرافعته عن السوري عبد الحميد المحمد أن الأخير، الذي أوقف وهو لا يزال عريساً، يعمل على سيارة فان لنقل الركاب وأن أحد الركاب من السوريين بات عنده ليلة انطلاقاً من كونهما من نفس البلد من دون علمه المسبق بمخطط ذلك الضيف الذي تبين لاحقاً أنه الانتحاري عماد المستت. وعلق المحمد قائلاً: «أنا نقلته على أساس طبيب أسنان ليُعالج الناس لا ليقتلهم».
وأخيراً ترافع المحامي حسين موسى عن المتهم بلال البقار الذي رأى أن المنظمات الإرهابية تعمل بحرفية عالية لكنها لا تعلو على عمل القوى الأمنية التي أحبطت ولا تزال مخططاتها. ولفت إلى أن منفذي التفجير ليسوا لبنانيين إنما إشراك «الشباب» في هذا العمل جاء لتسهيله، معتبراً أن داعش لا يمكن أن يوكل عملاً إرهابياً لأشخاص لا يخضعون لدورات عسكرية وشرعية، وهو الأمر الذي لا ينطبق على موكله. ولفت إلى أن موكله ليس الشخص الفعلي الذي قام بما نُسب إليه إنما شقيقه حمزة وابراهيم البقار اللذين خضعا لدورات عسكرية وشرعية في سوريا، واقتصر دور موكله على إيواء الشباب واستلام المتفجرات، إنما لم يكن يعلم الهدف من ذلك. وقال إن موكله غُرر به بالمال، موضحاً أن استئجاره لشقة في القبة لم يكن بهدف إيواء الإرهابيين إنما للانتقال وعائلته للعيش فيها بعد خروجه من السجن في قضية «أحداث طرابلس».
وقال البقار إن ما دفعه إلى كتم معلومات عن أخيه هو خوفه من عودته إلى السجن بسبب الوضع المزري الذي كان يعيش فيه، سائلاً عن سبب «عدم ملاحقة المحرضين للجهاد في سوريا فيما تقتصر الملاحقة علينا».
(المستقبل)