رغم ما أوحتْ به زيارة الرئيس المكلف تشكيل الحكومة الجديدة سعد الحريري لرئيس البرلمان نبيه بري أمس ولقائه المسائي مع رئيس «التيار الوطني الحر» وزير الخارجية جبران باسيل من أنهما في سياق جولة جديدة من الحِراك الرامي إلى كسْر مأزق التأليف، إلا أن المؤشرات التي تحوط بهذا الملف تشي بأنه مفتوحٌ على مزيدٍ من استهلاكِ الوقت الذي يُبقي لبنان «في فوهة» أزمةٍ تحتدم على وهْجِ وضْع إقليمي متحوّل.
وتعرب أوساط سياسية عن خشية متزايدة من أن يوضع لبنان «في عيْن» الوقائع المتقلّبة في المنطقة فتصيبه «تشظياتها»، سواء لجهة تعويم نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانعكاسات ذلك على المسرح اللبناني في ضوء رغبة أطراف وازنة في التطبيع المبكّر معه، أو لجهة ملامح انتقال المواجهة بين واشنطن وطهران من «لي الأذرع» إلى «قطْع الأذرع» الذي يعني بيروت، انطلاقاً من وضعية «حزب الله» كرأس حربة في مشروع التمدُّد الإيراني في المنطقة.
ومن خلف كل المساعي الداخلية التي تجدّدتْ للإيحاء بأن محرّكات التشكيل لن تتوقف عن البحث عن حلول للتعقيدات التي تتصل بأحجام الكتل الرئيسية والتوازنات في الحكومة العتيدة، فإن ثمة اقتناعاً لدى مصادر سياسية مطلعة في بيروت بأن لبنان مرشّح لأن يبقى في وضعية (on hold) إلى أن تطلّ الدفعة «الأقسى» من العقوبات الأميركية على إيران في نوفمبر المقبل ويتبيّن «اتجاه الريح» في هذه المنازلة التي تدور «على رأس» نفوذ طهران في المنطقة.
ورغم المنحى التصاعُدي الداخلي من فريق رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، كما من «حزب الله» الذي يسعى إلى تحميل الخارج، في إشارة الى السعودية، مسؤولية تأخير ولادة الحكومة، فإن هذه الأوساط ترى أن «لبنان ليس على الرادار الخارجي» في هذه المرحلة، ولو كان كذلك لَحصل تَدخُّل ضاغط لإنجاز التأليف، من دون أن يعني ذلك أن العامل الخارجي ليس حاضراً تلقائياً في هذا الملف انطلاقاً من الامتدادات الاقليمية لأطراف «الثقل» لبنانياً.
وتلاحظ هذه الأوساط أن يوم أمس شهد اندفاعة ضغط بوجه الحريري على جبهة التأليف على مساريْن: الأول من فريق عون الذي وبعدما انبرى إلى «إحباط» ما اعتبره محاولة من خصومه لإحداث ربْط بين الاستحقاق الحكومي والانتخابات الرئاسية وتحميل هذا الربْط مسؤولية تعقيد مسار التأليف مستفيداً من كلامٍ قاله رئيس الجمهورية عن ان صهره الوزير باسيل هو «في رأس السبق الرئاسي»، رَفَع السقف على الحريري عبر الإيحاء بأن «الصبر بدأ ينفذ» وبأن اللهجة ضدّ الرئيس المكلف ستتصاعد ما لم تحصل مقاربات جديدة، مع اتهامٍ للأخير بأنه «يختبئ» وراء مطالب حزب «القوات اللبنانية» و«الحزب التقدمي الاشتراكي» في سياق محاولة لعرقلة العهد لاعتبارات خارجية.
والثاني، التحذير الأول من نوعه من «حزب الله» بأن استمرار الإطالة في عملية التأليف ستفتح الأمور على «توتّر» وهو ما عبّر عنه بعد اجتماع كتلته البرلمانية إذ اعتبر أن المهلة المفترضة لتشكيل الحكومة الجديدة طالت «إلى الحد الذي بات يهدد بمفاقمة الاحتقان والانزلاق نحو التوتر والاحتكام خارج المؤسسات، وهو ما نحذر من مخاطره وتداعياته البالغة السلبية».
وإذ اعتُبر هذان التطوران في إطار محاولة تضييق الخناق على الحريري لدفْعه إلى حكومة بشروط فريق عون و«حزب الله» التي تضعه عملياً بين خياريْن لا يمكن أن يسلّم بهما نظراً الى تداعياتهما على التوازنات ببُعديها الداخلي والاقليمي وهما إما حكومة بثلث معطّل لرئيس الجمهورية وحزبه (التيار الحر) وإما حكومة بثلثيْن لهما مع حلفاء لهما، بَرَز أن الرئيس المكلف أعلن بعد لقائه بري أنه «طلب المساعدة منه وإن شاء الله نعمل على أساس أن نطرّي الجو»، رابطاً أي زيارة سيقوم بها لعون في سياق ملف التأليف بأنه «يجب أن أكون جاهزا لتقديم صيغة نهائية إن شاء الله».
وإذ نفى أي تدخل خارجي في ملف الحكومة «فهذا غير وارد ولا أحد تدخل وهذ الكلام في غير محله ولا توجد ضغوط والمشكل داخلي على الحصص»، أكد الحريري أن بري «مستعد للمساعدة بشتى الوسائل وإن شاء الله خلال الأيام المقبلة تتبلور الأمور على نحو إيجابي»، ملمّحاً الى «بعض الحلول التي سأضعها على الطاولة وان شاء الله يكون الأفرقاء إيجابيون».
(الراي)