لوّح أصحاب المولدات الكهربائية بإغراق البلاد في العتمة، على إثر قرار أصدرته وزارة الاقتصاد، قضى بإلزامهم بتثبيت عدادات تجبرهم على تقاضي البدل المالي من المواطنين على قدر استهلاكهم للتيار الكهربائي بدءاً من مطلع أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، وهو ما رفضه أصحاب المولدات الكهربائية الذين تحولوا إلى قطاع مواز لشركة كهرباء لبنان في توفير الطاقة، وسط شبهات بأنهم مدعومون من سياسيين وجهات نافذة.
وزاد هذا التهديد مشكلة الكهرباء تعقيداً، بالنظر إلى أن الدولة لا تستطيع تأمين أكثر من 70 في المائة من الطاقة الكهربائية للمواطنين على مدار العام، فيما يئنّ المواطنون من تسعيرة مولدات الكهرباء التي تعادل ثلاثة أضعاف ما يُدفع لكهرباء الدولة في أدنى التقديرات، علما بأن الأسعار تتفاوت بين منطقة وأخرى، ولا يتقيد أصحاب المولدات بتسعيرة الدولة، وتصل في أعلى مستوياتها إلى 100 دولار شهرياً لقاء التغذية الكهربائية بخمسة أمبير من الكهرباء أثناء انقطاع التيار الكهربائي.
ولا يخفي المواطنون انزعاجهم من ابتزاز أصحاب المولدات الكهربائية لهم، فيقول محمد، وهو أحد سكان الضاحية الجنوبية لبيروت، إنه طالب صاحب المولدات في منطقته بتخفيض السعر عملاً بتعليمات البلدية ووزارة الطاقة، فأجابه صاحب الاشتراك: «(خلي) وزير الطاقة يغذي بيتك بالتيار الكهربائي. هذا سعرنا، وإذا اعترضت، فيمكنك أن تستغني عن الاشتراك»، في تحدٍ لقرارات الوزارات، علما بأن محمد لا يستغني عن خدمة المولد، كما قال: «لأن كهرباء الدولة تنقطع نحو 12 ساعة يومياً».
وصعّد أصحاب المولدات الكهربائية من لهجتهم ضد الحكومة، أمس، إذ رفض هؤلاء قراري تركيب العدادات وتحديد التسعيرة، وهدّدوا بالإطفاء الكلّي بحلول بداية أكتوبر المقبل، وقطع الكهرباء، إن لم يتمّ التراجع عن القرارات.
واعتبروا في بيان، أنه «لتخفيض فاتورة المولدات يجب دعم المازوت»، مذكرين بأن «25000 ألف عائلة تستفيد من هذا القطاع مباشرة وغير مباشرة». وأضافوا: «نرفض التعرض لأي من أصحاب المولدات إن لم يلتزم القرارين».
لكن وزارة الاقتصاد، تمضي بقرارها، بالتنسيق مع وزارتي الداخلية والطاقة لإلزامهم بتطبيق القانون. وقالت مدير عام وزارة الاقتصاد عليا عباس لـ«الشرق الأوسط»، إن الوزارة ألزمتهم بتركيب عدادات، ومنحتهم مهلة لإنجاز تركيبها في 1 أكتوبر المقبل»، مشددة على هذا الحل العادل للمواطنين ولهم، وهو العقد الطبيعي الذي يجب أن يكون بين المستهلك وأصحاب المولد، بحيث يدفع المستهلك حسب مصروفه».
وأكدت عباس أن القرار «سيكون ملزماً، ولا تساهل بتطبيقه»، لافتة إلى أن التطبيق سيكون بالتنسيق مع وزارتي الداخلية والطاقة، مشيرة إلى أن محاولات التمرد عليه «ليس مقبولاً، بل ينطوي على خطورة لأنه يمس بهيبة الدولة». وشددت على أن «الإجراءات اللازمة ستتخذ بحق المخالفين، وستكون هناك عقوبة»، مؤكدة أن «لا تساهل بتطبيق القانون». وعن الأنباء التي تتحدث عن أن بعضهم مدعوم من جهات سياسية معينة، قالت عباس: «إذا كانت هناك جهة ستدعم مخالفين للقانون ينوون التمرد على قرارات الدولة، فعلى البلد السلام».
وأكدت أن الجميع ملزم بتنفيذ القانون، و«سنتخذ كل الإجراءات التي يسمح بها القانون ونحيل المخالفين إلى القضاء الذي سيتخذ الإجراءات اللازمة بحق المخالفين، ولن يكون هناك أي تساهل معهم».
وتتجه الأمور إلى موقع أكثر تعقيداً مما هي عليه، بالنظر إلى استحالة توفير الطاقة الكهربائية من قبل الدولة 24 ساعة بحلول شهر أكتوبر المقبل، ما يعني أنه من الصعب على اللبنانيين الاستغناء عن خدمة «اشتراك الكهرباء»، وهي الخدمة التي توفر في هذه الظروف نحو 1.5 غيغاواط، وهو رقم يقارب ما توفره الدولة اللبنانية من إنتاج المحطات الحرارية والكهرومائية وبواخر توليد الطاقة المستأجرة والراسية قبالة الشواطئ اللبنانية.
وقال الخبير الاقتصادي البروفسور جاسم عجاقة، إن المولدات «جاءت من واقع الحاجة لها»، لافتاً إلى أن إنتاجها يعادل 1500 ميغاواط، وتوفر التيار الكهربائي، كقطاع بديل، إلى جانب كهرباء الدولة، 24 ساعة، ما يعني أن الحاجة لها قائمة، ويستندون إليها كما إلى رأسمالهم الإنتاجي لفرض شروطهم، مشدداً في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» على أن «الحاجة لوجودهم يعطيهم القدرة للتهديد».
وأوضح عجاقة: «سيقاتل أصحاب المولدات بأظافرهم للحفاظ على المكتسبات القائمة الآن، كونهم ينتجون ما قيمته 1.5 مليار دولار من الكهرباء، ويبيعونها بأرقام وأرباح لا أحد يعرفها سواهم، استنادا إلى أن الدولة تقول إن تكلفة إنتاج الميغاواط الواحد تبلغ مليون دولار، وهم ينتجون 1500 ميغاواط». واستبعد عجاقة أن ينصاع هؤلاء لقرار الدولة، قائلا: إنهم يمتلكون ورقة رابحة بيدهم، بالنظر إلى حجم إنتاجهم من الكهرباء، وفي حال قطع التيار، فإن الناس التي وجدت مخرجاً يعوض عن غياب كهرباء الدولة، ستصطدم مع الحكومة على خلفية انقطاع التيار الكهربائي». ورأى أن الحل «لن يكون بقمع أصحاب المولدات، ولا إبقائهم متسلطين على الناس يأخذون المواطنين رهينة، بل سيكون من خلال مفاوضات بين الوزارات المعنية وأصحاب المولدات بما يلزم أصحاب القطاع التقيد بالقانون»، من غير أن يخفي أن هؤلاء «يحققون ثروات جراء عملهم، ولا يكشفون عن عددهم أو عن عدد المشتركين، كي يبقوا بمنأى عن دفع الضرائب، ولا يكشفون عن أرباحهم».
والواقع أن هؤلاء، بتصعيدهم، يبتزون الدولة بين الانصياع لقرارهم بالاستفراد بالمواطن المستهلك لطاقة كهربائية ينتجونها ويحتاجها المواطنون، أو العتمة في حال إجبارهم على تنفيذ القرار.
وقد وصفت مجلة «بلومبيرغ» القطاع في شهر فبراير (شباط) الماضي، بأنه تديره مافيات، قائلة إن قيمة الاستثمار فيه تتراوح بين 1.5 مليار وملياري دولار سنوياً.
لكن هذا الرقم، لا ينظر إليه الخبراء على أنه دقيق، بالنظر إلى غياب كل الإحصاءات عن هذا القطاع، و«لا مصلحة لأصحاب المولدات بالتصريح عن الرقم الحقيقي»، كما قال عجاقة الذي أكد أن كل الأرقام «تنطوي على تخمينات وتقديرات». وقال: «ثمة تقدير آخر يفترض أن مليون عائلة لبنانية تشترك في المولدات، بقيمة 50 دولارا شهرياً كحل وسطي بين المناطق، ما يعني أن ثمة 50 مليون دولار تذهب إلى القطاع شهرياً»، وهو رقم يعادل 40 في المائة من تقديرات «بلومبيرغ»، ذلك أن الطلب على الاشتراك يرتفع في الصيف وينخفض باقي أيام السنة.
ويعتبر ملف الكهرباء من أبرز العقبات التي تواجه الحكومة، في ظل التجاذب فيها على طريقة توفير التيار الكهربائي، حيث عرضت وزارة الطاقة توفير الكهرباء بشكل مؤقت عبر استئجار بواخر لإنتاجها، ريثما تنتهي أعمال تأهيل وتطوير معامل الإنتاج، وهو ما أثار امتعاضا على خلفية شبهات حول الصفقة.
وكان رئيس الجمهورية ميشال عون وضع الحكومة اللبنانية أمام اختبار الحسم الفوري لتوفير التغذية بالتيار الكهربائي، قائلا: إنه يريد تأمين الكهرباء للناس، ولا يكترث للطريقة.
(الشرق الأوسط)