… «يتمّ بحثُه مع الرئيس المكلّف». عبارة أبلغها الرئيس اللبناني العماد ميشال عون أمس إلى وزير «القوات اللبنانية» في حكومة تصريف الأعمال ملحم الرياشي الذي زاره أمس عارضاً معه موقف حزبه ورئيسه سمير جعجع، «واستعداده لتسهيل مهمّة الرئيس المكلف سعد الحريري ولكن ضمن الحدّ الأدنى المقبول للحجم الانتخابي والوزن السياسي».
واستوقَف أوساط سياسية أن هذه العبارة جاءت تعليقاً على إمكان منْح حقيبة سيادية لـ «القوات» في الحكومة بعدما نَقَل الرياشي مرونةً من حزبه حيال عدد الوزراء الذين يَعتبر أنه يحق له أن يَتمثّل بهم في الحكومة (5) والاستعداد للتنازل عن نيابة رئاسة الحكومة والاكتفاء بأربعة وزراء مع حقيبة سيادية.
وفي رأي هذه الأوساط أن عون الذي كان نُقل عنه سابقاً في ما خص مطالبة «القوات» بنيابة رئاسة الحكومة ما مفاده أنه إذا كانت مصرّة فـ «الموضوع عندي»، بدا في موقفه من إحالة أمر الحقيبة السيادية إلى الحريري وكأنّه يرمي الكرة في ملعب الرئيس المكلّف الذي وجد نفسه يوم احتفال عيد الجيش، أول من أمس، أمام «خريطة طريق» قديمة – جديدة حدّدها عون للحكومة العتيدة وانطوتْ ضمْناً على تَشدُّدٍ لا يمكن للحريري السير به ولا سيما لجهة غمز رئيس الجمهورية من قناة رفْضه حصْر التمثيل الدرزي بزعيم «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط أو التمثيل السني بتيار «المستقبل» (الحريري).
وكان لافتاً أن زيارة الرياشي لعون جاءتْ غداة لقاء جعجع مع الحريري في «بيت الوسط» (ليل الأربعاء) حيث جرى عرْض آخر تطورات مسار التأليف في ظلّ استشعار بلوغ هذا الملف المأزق وانسداد أفق الحلول، وخصوصاً مع «ارتفاع الجدران» بين الرئيس المكلف ورئيس الجمهورية والانطباع بأن «التيار الوطني الحر» (حزب عون) ورئيسه وزير الخارجية جبران باسيل بات يتعاطى مع عملية التشكيل على قاعدة أنه قال ما لديه لجهة مطالب حزبه وحصة عون، وأن أيّ تَنازُل للآخرين يكون من جيْب الراغبين به وليس على حساب «التيار»، مع مطالبة الحريري بحسْم أمره وإنجاز تشكيلته.
وبدا واضحاً من تطورات الساعات الماضية أن المأزق الحكومي مفتوح على المزيد من جولات «عضّ الأصابع» الذي دَخَل على خطّه عنصر الاشتباك السياسي حول الأزمة السورية والموقف من التطبيع مع نظام الرئيس بشار الأسد، وسط ملامح استعادة الاستقطاب الداخلي على جبهة التموْضع الاقليمي للبنان وفق تمتْرسات مرحلة ما قبل التسوية السياسية التي أنهتْ الفراغ الرئاسي، وهو ما عبّر عنه بوضوح رسْم الحريري خطاً أحمر أمام أي زيارة له لدمشق لا عاجلاً ولا آجِلاً ومهما تبدّلت المعادلات في المنطقة «وإذا اقتضت مصلحة لبنان ذلك فساعتها بتشوفولكم حدا تاني غيري».
وما عزّز حضور هذا العنوان في صلب عملية «لي الأذرع» في الملف الحكومي اندفاعة جنبلاط المتدحْرجة والتي استعاد معها اللهجة الحادة مع النظام السوري بدءاً من اتهامه بالمسؤولية عن مجزرة السويداء وصولاً إلى ردّه على هجوم الوزير طلال ارسلان عليه قائلاً: «شكرا يا مير كلك ذوق متل العادة. بدك الدروز يموتو بإدلب شكراً. ودخيلك منك مجبور لهذه الدرجة هذا المديح لصاحبك بشار الدكتور. أنت ابن أرسلان مبدئياً قبل عصابة هل الأوباش».
وجاء كلام رئيس «التقدمي» على وهج المعركة حول التمثيل الدرزي في الحكومة ورفْض جنبلاط توزير ارسلان وفق ما يصرّ عليه فريق عون، علماً أن كلاً من الرئيس المكلف و«القوات» وحتى رئيس البرلمان نبيه بري يدعمون المطلب الجنبلاطي.
وفيما يتأكّد يوماً بعد آخر أن جوهرَ الصراع في الملف الحكومي يتعلّق بالتوازنات السياسية ورغبة «حزب الله» وحلفائه بتشكيلةٍ تعكس موازين القوى الجديد الذي أَفرزتْه الانتخابات النيابية وتالياً يشكّل فريق «8 آذار» قاطرتَها الفعلية وبحضورٍ «غير مقرِّر» للثلاثي الحريري – جعجع – جنبلاط، فإن المجتمع الدولي يمضي في التذكير بمعاييره للحكومة الجديدة وجدول أعمالها وفق ما عبّرت عنه، أمس، سفيرة الاتحاد الاوروبي كريستينا لاسن بعد زيارتها رئيس الوزراء المكلف، إذ أعربت عن «أملها أن تؤدي جهود المشاورات التي يقوم بها الحريري إلى تشكيل الحكومة الجديدة قريباً».
وأكدت «أن التشكيل السريع للحكومة أمر أساسي لضمان عمل مؤسسات الدولة»، متمنية «أن تكون الحكومة الجديدة شاملة ومتوازنة وحكومة وحدة وطنية وأن يكون فيها تمثيلاً جيداً للمرأة». وأوضحت أنها ناقشت مع رئيس الوزراء المكلف «الجهود المهمة التي يبذلها لبنان لتطوير خطط طويلة الأمد لتعزيز أمن واستقرار وسيادة البلاد، وحضت على مواصلة الالتزام بسياسة النأي بالنفس لحماية لبنان من الصراعات الإقليمية، وأعربت عن أملها حول إمكان إطلاق حوار بقيادة لبنانية حول استراتيجية دفاعية جديدة بعد تشكيل الحكومة»، في إشارة ضمنية الى سلاح «حزب الله».
(الراي)