كتب جورج شاهين في صحيفة “الجمهورية”: لم يكن أيّ من المسؤولين اللبنانيين يتوقع أن تقود موسكو المبادرة لإعادة النازحين السوريين الى بلادهم. ففي جانبٍ منها تجسّدت أحلام البعض ونظرياتهم دون أيّ توقعات مسبَقة. فكل ما رافق لقاءات كبار المسؤولين مع الموفدين الدوليين حمل شيئاً من المبادرة قبل أن تتجمع عناصرها مكتملة في الخطة الروسية. ما هو الدافع الى هذه المعادلة؟
مخطئ مَن يحاول أن يقرأ المبادرة الروسية من أجل إعادة النازحين السوريين الى بلادهم ليسقطها في موازين القوى الداخلية في لبنان التي أفرطت في مواقفها الديماغوجية وأغرقت البلاد في “جدل بيزنطي” لم يكن من السهل الخروج منه في ظلّ غياب أيّ موقف أو رؤية رسمية موحّدة.
ويخطئ أكثر إن حاول ترجمتها انتصاراً لفريق على آخر ويرتكب جريمة اكبر إن حاول تبنّيها وركوبها من اجل تسجيل النقاط في سعي البعض الى استدراج لبنان الرسمي الى موقف يحيي برامج التطبيع مع النظام السوري.
بهذه المعادلة يلخّص أحد الغربيين حجم ما سمّاه المفاجأة التي أحدثتها المبادرة الروسية تجاه ملف النازحين السوريين وخصوصاً أنها اقترنت في شكلها ومضمونها وتوقيتها بالنتائج الفورية التي أنتجتها القمّة الأميركية – الروسية في هلسنكي واعتبارها نتاج توافق استثنائي تمّ بين الرئيسين الأميركي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين اللذين التقيا على إعطاء الأولوية لهذا الملف ليس من أجل تقديم مقاربة او حلّ للأوضاع الإقتصادية المتردّية في دول الجوار السوري وخصوصاً في لبنان والأردن فحسب بل من أجل تحاشي انفجار إجتماعي عاشته الساحة الأردنية قبل اسابيع قليلة والمخاطر المحدِقة بالساحة اللبنانية على المستويات الإقتصادية والإجتماعية ومختلف مناحي الحياة اليومية.
ففي التقارير التي رفعتها سفارات دول عدة ومراكز امنية ومؤسسات اقتصادية أجرت مقاربة للأوضاع الإقتصادية في لبنان تحدّثت عن مخاطر جمّة تفيض على ما هو متوقع أمنياً، لا يمكن مقاربتها ما لم يتمّ التخفيف من حجم الضغوط التي تَسبَّب بها النزوح السوري الكثيف وانتشاره على مساحة الوطن الصغير بنسبة قاربت في آخر الإحصائيات 43،7% من سكان لبنان، وهم أنشأوا دورة اقتصادية تكاد تكون مستقلّة تجاوزت نسبتها الـ 37% من الحركة الإقتصادية في البلاد، ورفعت من نسبة البطالة والفقر وتقلّص حجم الإنتاجية في البلاد.
ورفع بعضهم حجم الخسائر المترتّبة على لبنان الى اكثر من 19 مليار دولار منها ما هو مرئي ومنها ما زال مغطّى تحت غطاء من التدابير المالية والنقدية الصعبة التي يخفيها المسؤولون اللبنانيون عن مواطنيهم.
والى هذه المستجدات السياسية والإقتصادية والأمنية فقد أدّى التفاهم الأميركي – الروسي على ضرورة تحاشي ما امكن من الأزمات الكبرى الناشئة عن الأزمة السورية قبل بلوغ الحلّ السياسي الى وضع ملف النازحين في أوّل سلّم الأولويات. فـ “الطحشة الدبلوماسية” التي عبّرت عنها موسكو بتجنيد كل قدراتها المنتشرة في العالم لم تكن من فراغ.
فهي استندت الى هذا التفاهم النادر بين موسكو وواشنطن، والى القوة العسكرية الروسية المتحكّمة بمفاصل سوريا الجغرافية والإستراتيجية في أجزاء واسعة من “سوريا المفيدة” حيث ينتشر أكثر من 78% من سكانها.
فوحداتها العسكرية أحكمت السيطرة على معظم مدنها الكبرى والطرقات الإستراتيجية التي تربط في ما بينها والمواقع الإستراتيجية فيها ونشرت وحدات من الشرطة العسكرية لضمان الأمن فيها وردع المخالفين أيّاً كانت هويّتهم ولو كانوا من الجيش السوري النظامي والأدلّة على ذلك لا تحصى.
وبالعودة الى ما شهدته الساحة اللبنانية من معالجات لملف النازحين يتوقف المراقبون أمام المحاولات التي قادها لبنان للإضاءة على حجم المخاطر الناجمة من هذا النزوح فلجأ الى مؤتمرات “سيدر واحد” و”بروكسيل 2″ و”روما 2″ من أجل تحميل المجتمع الدولي مسؤوليّته في ملف لم يتوحّد حوله اللبنانيون وهو ما تفهّمته حكومات العالم قبل أن يستوعب اللبنانيون مخاطره وانعكاساته المحتملة ليس على لبنان فحسب بل على الدول المرشّحة لتشهد موجات نزوح جديدة ما لم تتم معالجة الوضع في لبنان.
لقراءة المقال كاملا اضغط هنا
(الجمهورية)