صدر عن النائب السابق بطرس حرب، البيان الآتي: “طالعتنا بعض وسائل الإعلام بخبر تقديم أحد قضاة مجلس شورى الدولة استقالته من القضاء، بعد ثبوت قبوله الرشوة من أحد المتقاضين للحكم لمصلحته، أي بعد ارتكابه جناية قبول الرشوة مقابل عمل غير شرعي، الجرم المنصوص عليه في المادة 352 من قانون العقوبات اللبناني، والتي تنص على “معاقبته بالأشغال الشاقة وبغرامة لا تنقص عن ثلاثة أضعاف قيمة ما أخذ أو قبل به”.
وبعد التدقيق والاستعلام عن الأمر، تبين لي صحة الخبر الذي يشكل بنظري فضيحة لا يجوز السكوت عنها، إذ إن السادة القضاة الشرفاء والمحامين والمتقاضين يشكون حالة الفساد المستشري في مؤسسات الدولة، ويطالبون بمكافحة هذا الفساد وبإنزال أقسى العقوبات بالمرتشين، تطبيقا للآية الكريمة “ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون”، ولكي يكونوا عبرة للآخرين.
أما نحن أهل العدلية، العالمين بخباياها وأسرارها وتاريخها، فلقد سكتنا في ما مضى، وبعد انتهاء الأحداث على مضض، عن سياسة الطلب إلى بعض المشتبه فيهم من القضاة تقديم استقالتهم تفاديا لملاحقتهم والإساءة إلى هيبة الجسم القضائي وصدقية السلطة القضائية، وهو ما سهل عملية التخلص من عشرات القضاة المشبوهين الذين قدموا استقالاتهم للحؤول دون التحقيق في تاريخهم وارتكاباتهم.
ولقد سكتنا لأننا كنا متعطشين إلى التخلص من بعض القضاة الذين اشتهروا بالفساد، وظنا منا أن هذه العملية ستؤدي إلى تطهير الجسم القضائي دفعة واحدة من الفاسدين، وإلى حماية العدد الوفير من قضاتنا الشرفاء الذين نفخر بهم.
إلا أنه يبدو أن هذه السياسة حققت عكس ما هدفت إليه، إذ شجعت من بقي من فاسدين على الاستمرار في فسادهم، لأن ثمن انكشافهم لن يتجاوز الاستقالة، والاستفادة بعدها من كل التقديمات الوظيفية المستحقة، وأنهم لن يتعرضوا للملاحقات القضائية، التي نصت عليها المواد 344 وما يليها من قانون أصول المحاكمات الجزائية.
وهنا أسأل وزير العدل ومجلس القضاء الأعلى والتفتيش القضائي والنيابة العامة التمييزية ووزير مكافحة الفساد، كيف يمكن منح قاض فاسد، حصانة تحول دون ملاحقته قضائيا، بعدما ثبت لنا حسب ما جمعنا من معلومات، ارتكابه جرم الرشوة، وقد ارتكب جرما جزائيا واعترف بذلك؟.
كما أتساءل: كيف يمكن التبجح بمكافحة الفساد، ويتم لفلفة ملف بخطورة هذا الملف، وكيف يمكن للمواطنين والمتقاضين أن يثقوا بقضاء يغض النظر عن جريمة يرتكبها أحد أعضائه، بينما يلاحق كل مواطن آخر يرتكب الجرم نفسه؟.
وأسألهم: هل أصبحت الاستقالة تحول دون ملاحقة جريمة ارتكبها المستقيل أثناء وجوده في الوظيفة؟ وهل سيطبقون المبدأ عينه على السياسيين والوزراء والموظفين الفاسدين، أسوة بالقضاة؟
فكفاكم تبجحا بمكافحة الفساد، وكفاكم متاجرة بالإصلاح، إذ إن بداية الإصلاح تكمن في تطبيق القانون، دون تمييز بين المواطنين ومواقعهم ووظائفهم، وإذا قبلتم بهذه التسوية فعلى الإصلاح، ومكافحة الفساد والقضاء والدولة، السلام، ومسؤوليتكم عظيمة إذا ما انهار البلد بسبب هذا الفساد الذي تشجعون”.