بعدما بَلَغَ «العصْفُ» ذروتَه على جبهة التعقيدات التي «تقبض» على مسار تأليف الحكومة الجديدة في لبنان، ارتسمتْ في الساعات الماضية ملامحُ مساعٍ لمعاودة تحريك عجلةِ التشكيل وسط سباقٍ بين محاولات تفكيك «الألغام» المتعددة المِحور وبين «متاعِب» إضافية تلوح مؤشراتها من قلب عملية ضغطٍ سياسي أطلقها الثنائي الشيعي، رئيس البرلمان نبيه بري و«حزب الله»، لاستعجال التأليف وصولاً الى التلويح مجدّداً بأوراق من «خارج الدستور» بوجه الرئيس المكلف سعد الحريري مثل الدعوة الى جلسة مناقشة عامة لمجلس النواب حول تأخير ولادة الحكومة.
وبدت بيروت أمس، وكأنّها استعادت حيويّتها السياسية مع انتهاء الإجازات العائلية لكلّ من بري والحريري ورئيس «التيار الوطني الحر» وزير الخارجية جبران باسيل، وبروز إشاراتٍ الى مساعٍ للملمة شظايا ما شهدتْه الأيام الأخيرة من «انفجار» العلاقة بين «التيار الحر» (حزب الرئيس ميشال عون) وحزب «القوات اللبنانية» وترنُّح «تفاهُم معراب» الذي جمعهما ومهّد لانتخاب عون وذلك على خلفية حجم تمثيل «القوات» في الحكومة، وهي العقدة التي طغت على ما عداها من مصاعب ترتبط بالتمثيل الدرزي وبتوزير النواب السنّة الموالين لـ «حزب الله».
وفيما يتزايد الاقتناعُ بأن ما يشهده الملف الحكومي أبعد من مجرّد خلاف على الحصص ويطاول ما ستعبّر عنه تركيبة الحكومة وتوازناتها في «الميزان» الإقليمي مع أي «حصْر إرثٍ» لمراكز النفوذ في المنطقة المشدودة الى قمة هلسنكي المرتقبة بين الرئيسين دونالد ترمب وفلاديمير بوتين، فإن الانظار شخصتْ أمس على 3 محاور ذات صلة بالمسار السياسي الذي يحوط عملية التأليف:
* الأول الحريري الذي اكتفى بالقول تعليقاً على المناخ المأزوم، «نتمنى ان نركز على الأمور المهمة بدل الأمور الصغيرة كالمحاصصة في الحكومة»، معلناً في ما خص عملية التأليف «متفائلٌ دائماً ولكن«no comment»(لا تعليق)، ومؤكداً رداً على سؤال عن تسريب مضمون «تفاهم معراب»: «يتشاجر الاخوة دائما ومن ثم يتصالحون».
وفي موازاة ذلك نُقل عن مصادر الحريري، ان المشكلة أصبحت معروفة وهي عند الآخرين وأنه مع اعادة تحريك خطوط التهدئة لان البلد بحاجة الى حكومة «وهم مسؤولون عن ايجاد مخرج واعادة الأمور الى نصاب الحوار السياسي الذي يصب في خانة التشكيل».
* والثاني بري الذي رفع منسوب الاعتراض على تأخُّر ولادة الحكومة، منطلقاً من الوضع الاقتصادي «السيئ والأكثر من سيئ»، ليدعو الى التشكيل السريع محدداً مهلة 48 ساعة لبروز إشارات إيجابية وإلا سيدعو البرلمان الى جلسة عامة لانتخاب اللجان النيابية بما يكمل هيكلية المجلس الجديد (انتُخب في 6 مايو الماضي)، وملوّحاً أيضاً بجلسة مناقشة عامة لكل الوضع في ضوء عدم تشكيل الحكومة.
وفي حين اعتُبر «تهديد» بري بدخول البرلمان على خط التأليف الحكومي استكمالاً لمناخٍ «من خارج النظام» لوّح بفرض مهل على الرئيس المكلف للتأليف او التدخل لسحب التفويض النيابي منه، فإن «حزب الله» بلسان نائبه علي فياض رمى كرة إيجاد حلّ للعقد الحكومية في مرمى الحريري «استناداً الى نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة» في ما بدا في سياق زيادة الضغط على الرئيس المكلف.
* أما المحور الثالث فهو العلاقة بين «التيار الحر» و«القوات»، وسط معلومات عن ان باسيل طلب من النائب في تكتله ابرهيم كنعان معاودة التواصل مع الوزير القواتي ملحم الرياشي علماً ان الأخيرين هما «عرّابي» تفاهُم معراب الذي تعرّض في الأيام الأخيرة لانتكاسة بدا أنه قد لا ينجو منها.
وتزَامنت هذه المعلومات مع إشارات متزايدة الى نية الكنيسة المارونية الدخول على خط وصْل ما انقطع بين «القوات» و«التيار» صوناً للمصالحة المسيحية التي عبّر عنها تفاهُم معراب، وأيضاً مع كلام رئيس «القوات» الدكتور سمير جعجع رداً على إمكان ترميم التفاهم «اننا بصراحة نجرّب كل يوم من جديد لأننا متمسكون بهذا الاتفاق ومستعدون للنقاش في كل نقطة»، لافتًا الى «ورود بعض المؤشرات الإيجابية من الوزير باسيل وان شاء الله تترجم عملياً».
وفيما شخصت الأنظار الى ما اذا كان الحريري سيقوم بزيارة لعون لمعاودة بحث الملف الحكومي، كان هذا الملف محور متابعة من وزيرة التجارة الخارجية والتعاون التنموي في هولندا سيغريد كاغ التي تبلّغت من رئيس الجمهورية «ان الحكومة المقبلة ستولي عناية خاصة بالشأن الاقتصادي واستكمال عملية مكافحة الفساد».
في المقابل، أبدت كاغ الاستعداد لاستضافة بلادها مؤتمراً لمتابعة ما توصل اليه المشاركون في مؤتمر «سيدر» الذي انعقد في باريس (في ابريل الماضي) وأقرّ قروضاً ميسرة ومساعدات للبنان تجاوزت 11 مليار دولار. وهنّأت عون على نجاح الانتخابات النيابية وقرب تشكيل حكومة جديدة، مؤكدة ان لبنان قادر على لعب دور ريادي في المنطقة لاسيما عند بدء عملية إعادة إعمار سورية.
(الراي الكويتية)