خلال التحضير للانتخابات، إستفَزّ باسيل رئيس المجلس النيابي بشريط «الفيديو» الذي جرى تسريبه، بعد لقائه مع الناس في بلدة «محمرش» البترونية. ولم يرغب باسيل لا في التراجع ولا الاعتذار، على رغم أنّ الأزمة بلغت من الخطورة حدّ الانفجار في الشارع.
سارَع رئيس الجمهورية العماد مشال عون إلى استقبال بري، وتمنّى عليه المساعدة على تطويق الأزمة وتداعياتها. وعلى رغم من أنه لم يقدّم اعتذاراً بإسم باسيل عمّا جرى، فقد أسِف لوَصف رئيس المجلس بـ»البَلطجي»، وأبدى له أسفاً للملابسات التي رافقت هذه القضية.
ظنّ الجميع أنّ لقاء عون – بري يمثّل تبريداً للأجواء مع باسيل أيضاً. لكنّ وزير الخارجية تعمَّد، بعد ساعات، التأكيد أنه لم يعتذر عن مضمون الفيديو… ثم عمَد لاحقاً إلى الدفاع تدريجاً عن هذا المضمون وتأكيده. والهدف كان شَدّ العصب المسيحي إلى الحدّ الأقصى عشيّة الانتخابات.
اليوم، خلال التحضير لتأليف حكومة جديدة، يعتمد باسيل السيناريو نفسه مع «القوات»، والهدف هو السيطرة على التمثيل المسيحي في الحكومة العتيدة.
هدف باسيل هو رفع مستوى الضغط السياسي على «القوات» إلى الحد الأقصى وإحباط محاولاتها لرفع مستوى تمثيلها في الحكومة، بناء على نتائج الانتخابات. ولذلك، يعتقد القريبون من «القوات» أنّ تصعيد بعض وزراء «التيار» وكوادره ضدها، ونَبشهم الماضي واستعادة الانفعالات والأحقاد القديمة كانت أمراً مدروساً.
والدليل هو أنّ جعجع زار بعبدا، حيث تفاهَم مع عون على ترميم العلاقة بين الطرفين والتمسّك بـ»اتفاق معراب». وقد أكد الوزير ملحم الرياشي هذه الأجواء، بعد لقائه باسيل. ولكن، فوجئ الجميع بالخطاب الحادّ الذي تميّزت به إطلالة باسيل التلفزيونية، بعد ساعات قليلة، والتي رفعت إلى حدود عالية جداً درجة التوتر بين الطرفين.
لقد بَدا باسيل وكأنه غير مَعنيّ بالتبريد الذي خرج به اجتماع عون وجعجع، وكرَّر مع جعجع السيناريو الذي استخدمه سابقاً مع بري. وفي الحالتين، عون يبرِّد ليردّ باسيل بإعادة التسخين فوراً.
يقول البعض إنّ هناك مناورة سياسية يخوضها عون وباسيل. فالأول ينفّذ عمليات الاستيعاب ويحافظ على صورته بصفته «راعياً للجميع»، فيما يُطلق الثاني النار مباشرة على الهدف. ثم يقطف الرجلان معاً الثمار السياسية فريقاً واحداً.
لكنّ المطّلعين يعتقدون أنّ الكلام على مناورة ليس في محلّه، ويُسيء إلى حيادية موقع الرئاسة. فليس من مصلحة رئيس الجمهورية أن يدخل في مناورات سياسية تُفقده الحياد. لكنه واقعياً أقرب إلى تأييد باسيل، ويرغب في أن يحقّق «التيار» أكبر المكاسب في عهده، بحيث يكون الأقوى في المراحل اللاحقة أيضاً.
وانحياز عون، بنسبة معينة، إلى «التيار» ليس مُستغرباً. فالرئيس سعد الحريري يدعم تيار «المستقبل» دائماً وإن يَكن رئيساً للحكومة، وبري يدعم حركة «أمل» وإن يَكن رئيساً للمجلس.
ولكن يبقى السؤال: ما الهدف السياسي الذي يريد باسيل تحقيقه اليوم، من خلال إضعاف تمثيل «القوات» في الحكومة؟ وفي عبارة أخرى: مَن هم المستفيدون من حملة باسيل على «القوات»؟.
يقول المتابعون: «عُمق الأزمة بين «القوات» و»التيار» يكمن هنا. فباسيل يخوض معركة «التيار» لتكريس السيطرة على أكبر مقدار من التمثيل المسيحي، وهذا أمر معروف. ولكنه أيضاً يخوض المعركة لمصلحة قوى أخرى، على الأرجح، وفي شكل غير مباشر.
فـ«القوات» هي اليوم الطرف الداخلي الأكثر ارتباطاً بالمملكة العربية السعودية. والمملكة تريد من الحريري وسائر حلفائها أن يحدّوا من سيطرة «حزب الله» والمحور الإيراني على القرار. و»القوات» هي الأكثر حماسة للمواجهة.
ولذلك، يجد «حزب الله» أنّ الحَدّ من جموح «القوات» يشكّل دفاعاً عن نفوذه، ونفوذ حلفائه، في الحكومة العتيدة. ومن الأفضل أن يقوم «التيار» بهذه المهمة، من ضمن النزاع على الحصة المسيحية، فلا يبدو «الحزب» وكأنه يتدخّل في مسألة التمثيل المسيحي في الحكومة.
أصحاب هذه المقولة يعتقدون أيضاً أنّ «حزب الله» لا يريد الاحتكاك مباشرة مع «القوات» في عملية التأليف. لكنّ اللافت أنّ حملة باسيل ترافقت مع حملات إعلامية شَنّتها أوساط 8 آذار على «القوات» من زاوية أدائها في الحكومة الحالية (تصريف الأعمال)، علماً أن لا مواجهات دارت بين «الحزب» و«القوات»، حول الملفات، في هذه الحكومة.
البعض يعتقد أكثر أنّ الحدّ من جموح «القوات» لن يشكل إزعاجاً حتى للحريري، الذي عانى أيضاً «رقابة» وزراء «القوات» في الحكومة الحالية على كل التوافقات والصفقات التي كان يعقدها وزراؤه مع وزراء «التيار الوطني الحر». ومعروف أنّ الحريري بقيَ حليف باسيل لا حليف جعجع في كل الملفات التي تعاطَت بها الحكومة.
وأمّا تمسّك الحريري العلني بتمثيل «القوات» بـ4 وزراء، بينهم نائب رئيس الحكومة، أو أن تكون لها حقيبة سيادية أو «أساسية»، فالأرجح أنّ الأمر يتعلّق بمسايرة الحريري للمطلب السعودي الوقوف مع «القوات»، لا أكثر.
إذاً، باسيل يقود الحملة بالأصالة عن نفسه وبالنيابة عن آخرين: بالتأكيد «حزب الله»، وعلى الأرجح الحريري. ولذلك، يبدو الضغط كبيراً على «القوات» خلال تأليف الحكومة العتيدة، كما أنه سيكون كبيراً خلال ممارسة الحكومة العتيدة عملها، على غرار ما كان في الحكومة الحالية. وبنَحو مُبكر، يُحضِّر عدد من القوى «الضوابط» للمشاكسة «القواتية» في مجلس وزراء سيَتحكّم بالعهد كله.
عن الجمهورية – طوني عيسى: