رضوان زيادة:
شعور المرء بالخجل أو الارتباك بعد ارتكاب فعل خاطئ أو العار الذي جلبه على نفسه وأسرته أو وطنه هو شعور طبيعي، ويترافق عادة مع ما يسمى الإحساس بالمسؤولية أو الشرعية الأخلاقية وبالتالي عند فقدانها نتيجة ارتكابه خطأ ما، يشعر المرء أنه غدرَ بالمسؤولية وأنه فقد الشرعية التي أعطيت له على أمل أن يفعل ما كان يتوقع منه وهو الأفضل لنفسه وللناس، كل هذه المفاهيم تقريباً أصبحت جزء رئيساً مما يسمى اليوم تأثير الرأي العام ومحاسبة المسؤولين السياسيين الذين يتبوأون مقاعد رئيسية في الحياة العامة وبالتالي هم عرضة للنقد أكثر من غيرهم كما أن المسؤولية السياسية والأخلاقية التي تتوقع منهم وتنتظر منهم غالباً ما تكون أعلى وأكبر.
ولذلك نسمع باستمرار عن استقالة هذا المسؤول أو الوزير في الديموقراطيات الغربية بعد تصريحه بعبارة ما يشتم منها رائحة العنصرية أو أنه قام بفعل ما مناف لحقوق الإنسان أو حتى الأخلاق العامة أو ما دون التوقعات العامة مما يجب على هذا المسؤول القيام به. لقد تطورت هذه الثقافة وأصبحت جزءاً رئيساً من حملات الشفافية العامة والمحاسبة للمسؤوليين بخاصة مع نمو وثورة وسائل التواصل الاجتماعي التي مكنت المواطنين من أن يُبدوا رأيهم في كل صغيرة وكبيرة وأن يوثقوا المواقف والتصريحات ويعلقون عليها، وبالتالي أصبحت مسألة المحاسبة العلنية أكثر سهولة وهي طوّرت في المقابل الشعور بالمسؤولية. والتقدم بالاستقالة أكثر شيوعاً ودورية كما وجدنا في بريطانيا مؤخراً وإسبانيا وحتى داخل بعض الدول العربية على مستوى الوزراء لكن ليس على مستوى قادة الدول.
أعتقد أن هذه الطريقة من أكثر الوسائل تأثيراً في الرأي العام وتشجيعاً لبناء ثقافة المحاسبة والمسؤولية ويجب تنميتها باطراد وتعزيزها في الحياة العامة، لأنها تلعب دور برلمان الشارع. وفي الديموقراطيات الغربية أصبحت وسيلة مهمة لقياس الشعبية وبالتالي مؤشر إلى الانتخابات المقبلة لاسيما أن فايسبوك وتويتر أصبحا جزءاً لا يتجزأ من الثقافة الشعبية للمواطنين وترتفع مع ارتفاع نسبة التعليم في كل البلدان.
إذا أخذنا كل ذلك وقمنا بتطبيقه على سورية اليوم، بكل تأكيد سورية لم تكن منذ استلام حزب البعث السلطة عام 1963 بلداً ديموقراطياً وتحولت مع الأسد الأب والابن إلى دكتاتورية شمولية شبيهة إلى حد ما بنموذج كوريا الشمالية اقتصادياً وسياسياً، ولذلك لن نتوقع أبداً أن يكون رد فعل السياسيين السوريين على غرار ما نجد في الديموقراطيات العريقة.
ولكن، مع بدء الثورة السورية بدأت الفيديوات من سورية تتزايد وبعضها يحكي قصصاً إنسانية ليست مسيسة بأي حال من الأحوال لكن بغاية التأثير في كل سوري مهما كان موقفه السياسي مؤيداً للنظام أم معارضاً له، بخاصة إذا كانت هذه الفيديوات تتعرض لقصص أطفال سوريين يدفعون ثمن حرب لم يكن لهم قرار في اتخاذها أو إعلانها.
فيديو حمزة الخطيب وتعذيبه كان صاعقاً لكل إنسان فما بالك بكل سوري، أظهر بوقت مبكر مدى وحشية الأجهزة الأمنية السورية في تعذيبها للأطفال السوريين، بعدها بدأت تتكاثر الفيديوات لكن بالمقابل وجدنا إنكاراً دائماً لها أو تجاهلاً مطبقاً من قبل الأسد، حتى عندما انتشرت فيديوات لمؤيدين له يدفعون ثمن الحرب وبدأت قصصهم غاية في الألم كقصة حسن محي الدين من حي الرمل بطرطوس حيث تقدم بطلب عمل، وتم إخباره أنه حصل على وظيفة عمل في معمل للأعلاف في حماه وعندما توجه للعمل أعطاه النظام رشاش كلاشنيكوف وبدلة عسكرية وتم أخذه إلى المعارك في اليوم الأول حيث قتل وأرسل إلى أهله في اليوم الأول، كان أهله ينتظرونه ليسمعوا أخباره عن اليوم الأول لعمله فاستلمو جثته، بدت قصة مؤلمة للغاية في الحرب العبثية التي يقودها الأسد ضد شعبه ووقودها السوريين حتى من طائفته ومؤيديه، طبعاً لم يعلق الأسد أو يعتذر أم يغير موقفه.
مقابلة الأسد الأخيرة مع قناة «روسيا اليوم» بدا أنه يكرر العبارات ذاتها التي ما فتئ يرددها على مدار السنوات السبع الماضية: «إرهابيون» و «عملاء» و «السيادة الوطنية». كما بدت ملامح وجهه هي ذاتها، مزيج من البلاهة والإنكار وترديد الأكاذيب على رغم معرفته بأنها ليست سوى ذلك، وهو تقريباً يدفعنا إلى سؤال يتعلق بعلم النفس السياسي: لماذا لا يشعر الأسد بالعار من قراراته التي اتخذها والتي أوصلت سورية إلى ما هي عليه اليوم؟
ربما تكون هناك تفسيرات كثيرة في علم النفس الاجتماعي أو السياسي، لكن القدرة على إنكار الحقيقة وإخفائها سنوات طويلة تحتاج إلى مهارة من نوع خاص، ربما أخبره أحد مستشاريه أنه يجب أن يظهر قوة دائمة وأن يتجنب لحظات الضعف البشرية الطبيعية والتي هي جزء من كل إنسان، ربما هذا المظهر يظهره بقوة أكبر أمام أنصاره ومحازبيه، ربما يدفع به إلى أن يكون مثالاً عن النصر المرتجى وما إلى ذلك.
لكن بكل تأكيد الدمعة والألم باتا جزءاً من كل بيت سوري حيث سقط قتيل أو يوجد معتقل أو لاجئ أو فقير أو يتيم إلى ما لا نهاية لذلك، وبالتالي ربما يبدو أن السوريين يرغبون في رؤية الدمعة أو الألم في عيون وكلمات مسؤوليهم، لكن الأسد ربما يفضل الرأي الأول وهو بكل الأحوال متماش أكثر مع شخصيته.
في الحرب السورية حاول الأسد أن يجعل للحقيقة وجهتي نظر، لكن المحاولة هذه لا يمكن لها أن تصمد كثيراً وهو ما حصل بالفعل ولذلك بالنسبة له لا بد من سياسة الإنكار وهو ما يعتبره الكثيرون من علماء النفس على أنها الوسيلة الوحيدة لتجنب اللوم أو الشعور بالعار، وهو ما ساعد الأسد يومياً على قتل ضميره ببطء رويداً رويداً حتى تحول إلى آلة من الحقد، لا تميز بين معارض ومؤيد وربما يختصر الفيديو المسرب أخيراً من أحد شبيحته في حماة الذي أطعم حصاناً عربياً أصيلاً إلى وحوشه المفترسة من نمور وأسود أمام أعين الكاميرا يختصر هذا الفيديو قصة الشعب السوري الأصيل الذي تفترسه الوحوش على مدى السنوات السبع وصاحبها «الأسد» يتابع المنظر بضحكات ومرح.
* كاتب سوري .. نقلا عن جريدة الحياة