نجح الرئيس المكلف تأليف الحكومة سعد الحريري أول من أمس في خفض التوتر في العلاقة بين «التيار الوطني الحر» وحزب «القوات اللبنانية»، بعدما بلغ التراشق بين الفريقين ذروة عالية بسبب الخلاف على حجم التمثيل في الحكومة العتيدة على خلفية التباين بين الفريقين في العديد من الملفات السياسية والاقتصادية في الحكومة المستقيلة، والتي انعكست سلباً على علاقتهما، سواء في الحملات التي سبقت الانتخابات النيابية أو بعدها.
وعلمت «الحياة» أن اللقاء الذي جمع الحريري ورئيس حزب «القوات» سمير جعجع ليل أول من أمس، في حضور الوزيرين ملحم رياشي وغطاس خوري ركز على أهمية خفض منسوب التوتر بين الفريقين لأنه يؤدي إلى إعاقة جهود التأليف وينعكس سلباً على جهود تذليل العقد التي تحول دون ولادة الحكومة. وذكرت مصادر مطلعة أن الحريري طلب من جعجع وقف التراشق الكلامي الذي تصاعد في الآونة الأخيرة لأن التهدئة تتيح استئناف المداولات في أجواء صحية أكثر.
وكان جعجع أكد بعد زيارته الحريري أنه «بعد تمني الرئيس الحريري، فإن الأجواء في البلد لا تساعد على تشكيل الحكومة، ومن جهتنا سنوقف أي سجالات سياسية، إن كان ما يتعلق منها بتشكيل الحكومة أو أي سجالات أخرى ذات طابع حزبي ضيق… حتى لو تعرضنا لنوع من تهجمات أو اتهامات أو ما إلى هنالك، رغبة منا بمساعدة الرئيس الحريري على تشكيل الحكومة». وأضاف: «من هذا المنطلق، أعلن الآن أنني لن أرد على أي اتهامات أو إساءات تطاولنا، ومن جهة أخرى، سنبقى نسعى لحلحلة العقد الممكنة. أمر واحد لا يمكننا حله، وهو أننا بكل صراحة لا نستطيع أن نصغر حجمنا بيدنا».
وأوضحت مصادر مطلعة على جهود الحريري لحلحلة العقد التي تعترض التأليف أنه ينطلق من أن الخلاف على الأحجام يجب ألا يؤدي إلى سجال يوحي بأن هناك فريقاً سيدخل الحكومة وهو مصمم سلفاً على أخذ موقع معارضة الرئيس عون أو الفريق الذي يواليه في التركيبة الحكومية، لمجرد أن لديه وجهة نظر في مسألة الحصص في هذه التركيبة. وفي رأي هذه المصادر أن جعجع استجاب على ما يبدو لطلب الحريري الذهاب أبعد من وقف الحملات، حين حرص على التأكيد في تصريحه بعد زيارته الرئيس المكلف أن «التسوية التي أدت إلى انتخاب العماد عون رئيساً، هي تسوية نحن مقتنعون بها، ولذلك شاركنا بها منذ اللحظة الأولى، إن كان كتيار مستقبل أو كقوات لبنانية، وما زلنا متمسكين بهذه التسوية وسنبقى حتى النهاية». وتابع جعجع: «بخلاف ما حاول البعض أن يسوق في الأيام الأخيرة، فإن دعمنا للعهد كامل، وليس له أي علاقة لا بالحساسيات ولا بالحزازيات الحزبية، وأي أمر ممكن أن نقوم به لكي يكون هذا العهد ناجحاً فلن نتأخر أي لحظة عن القيام به». وشدد على تمسكه بتفاهم معراب «حتى النهاية، ولن أدخل بأي سجالات»، رداً على مواقف بعض قادة «التيار الحر» التي تنعي هذا التفاهم. وكان لافتاً قول جعجع إن «الجميع يعطي رأيه في الحكومة، ومن الأفضل أن تبقى هذه الآراء ضمن غرف مغلقة»، ما يعني ترك المجال للحريري كي يتحرك بصمت مع الرئيس عون.
التأليف بالتوافق لا الأعداد
وينتظر أن يرصد فريق الحريري مدى انعكاس التهدئة من جهة «القوات» على الوضع السياسي ليستأنف اتصالاته وفقاً لما تتركه من أجواء تساعد على تفكيك العقد.
وفي مجال منفصل عن اجتماع الحريري مع جعجع، قالت مصادر مواكبة لاتصالات تشكيل الحكومة اللبنانية إن الرئيس المكلف قدم تصوره في شأنها آخذاً في الاعتبار نتائج الانتخابات النيابية، لا سيما على الصعيد المسيحي. وأوضحت أن الحصة التي اقترحها الحريري لحزب «القوات» في التصور الذي قدمه للرئيس عون راعت هذه النتائج ولم يكن بإمكانه أن يتجاهل التقدم الذي حققه حزب «القوات» على صعيد تزايد عدد أعضاء كتلته النيابية.
وأضافت المصادر: «بصرف النظر عما اقترحه الرئيس المكلف في شأن حصة «القوات» الوزارية نتيجة الانتخابات والتي يعترض عليها «التيار الوطني الحر»، فإن المسألة في تأليف الحكومة ليست مسألة أعداد الوزراء فقط. إنها مسألة توافق وطني يوجب تمثيل الكتل الرئيسة في البلد التي يجب أن يسمح وجودها بإقلاع العمل الحكومي واستقراره على المدى الأبعد. فمنذ متى تأليف الحكومات يقوم على الأعداد ولماذا علينا أن نتخلى عن مبدأ التوافق في تشكيلها؟ هذا فضلاً عن أن حجم «القوات» لا يجب الاستهانة به.
وتعليقاً على قول قيادي في «التيار الحر» لـ «الحياة» أول من أمس، ما علاقة الرئيس المكلف باتفاق معراب الذي يتحجج به «القوات» للمطالبة بمساواة حصته الوزارية بحصة «التيار»، أوضحت المصادر أن التسريبات عما اقترحه الحريري في تصوره لأحجام الفرقاء الوزارية، لا تدل إلى أنه أخذ بما يطالب به «القوات». وأشارت إلى أن الحريري، إذا صحت هذه التسريبات، اقترح إما خمس وزراء لـ «القوات» يتولى أحدهم حقيبة سيادية، أو أربعة مع نيابة رئاسة الحكومة، وبالتالي لم يأخذ بما يرغب به الحزب من مساواة يقول إنه متوافق مع الرئيس عون و «التيار الحر» عليه في اتفاق معراب قبل انتخاب العماد عون للرئاسة. كما أنه لم يأخذ بالمطالب الأخرى التي طرحها.
في حين بلغت أزمة التأليف ذروتها، قالت مصادر مواكبة لها لـ«الجمهورية»: «ما حصل ليس نهاية العالم وارتفاع السقوف في التخاطب والبيانات ليس سوى وَضع للنقاط على الحروف قبل البدء فعلياً بالمخاض الأخير لولادة الحكومة، فكل القوى السياسية أدركت خلال الساعات الماضية انه لم تعد هناك تفاهمات ولا اتفاقات تحكم عملية التأليف وخصوصاً «تفاهم معراب»، الذي ولّى الى غير رجعة».
وتوقعت المصادر «ألّا يذهب رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع بعيداً في ردّة فعله على إعلان سقوط «تفاهم معراب»، فليس لديه خيارات أخرى، كذلك ليست لديه نقاط قوة يواجه بها العهد. وبالتالي، فإنه في النهاية سيقبل العرض المقَدّم له ليبقى موجوداً في ساحة الحكم».
وقالت: «بعدما أدلى كل طرف بدلوه، سيدخل الجميع في استراحة المحارب ولعلّ سفر رئيس مجلس النواب نبيه بري الى الخارج يعطي فرصة لالتقاط الانفاس، ويراجع كل طرف حساباته في هدوء ويعاود ترتيب أوراقه. أمّا ولادة الحكومة فلن يطاولها سوى تأخير لبضعة ايام، من اسبوع الى 10 ايام يتمّ خلالها التفاوض مع كل طرف بحسب حجمه الطبيعي».
(الحياة- الجمهورية)