الأجواء الضبابية التي تحكم مسار تأليف الحكومة، لم تخرقها أيّ بشائر إيجابية، وها هو الأسبوع الحالي يقترب من نهايته من دون أن تلوح في الأفق أيّ مبادرة في هذا الاتجاه، بل تتبدّى في العلن حماسة كلامية للتأليف، وأمّا على أرض الواقع فتتبدّى مراوحة سلبية وتجميدٌ لكلّ المبادرات والاتصالات لإنضاج الطبخة الحكومية، بحجّة أنّ وقت أهلِ التأليف لم ينفد بعد، وما زالوا في فترة السماح الطبيعية للتشكيل.
المفارقة الكبرى في هذه الأجواء، تتبدّى في تحايلِ بعض منصّات أهل التأليف على الناس ومحاولة إيهامهم بتوجّه طبّاخي الحكومة نحو تأليف ما يسمّونها حكومة إنقاذ حقيقي للبلد، وهي عملية يتبدّى عدم صدقيّتها في اعتراف هؤلاء الطباخين ومعهم كلّ الطقم السياسي، بأنّ الحكومة المقبلة، سواء ولِدت غداً أو بعد أشهر، ما هي إلّا تكرار مستنسَخ عن الحكومات السابقة، التي قدّمت للمواطن أمثلة ونماذج لا تعدّ ولا تُحصى من الارتكابات والمحاصصات ومحاولات صرفِ النفوذ في التعيينات والمشاريع والصفقات، والتقصير الفاضح في التصدّي للضرورات والاولويات والعجز عن مواجهة الأزمات التي ضرَبت كلّ مفاصل الدولة.
ليس في هذا التوصيف نعيٌ مسبَق للحكومة التي لم تولد بعد، بل إنّ النعي الرسمي لأيّ أوصاف تطلق عليها سواء أكانت إنقاذية او غير ذلك، يؤكده دخول القوى السياسية على اختلافها، الى البازار الحكومي بذهنية عرجاء اولويتها المقايضة والبيع والشراء والاستئثار بالعدد الاكبر من المقاعد، وتقاسم جبنة الحكومة وحقائبها ومغانمها. أمّا اولويات البلد الاساسية والملحّة، فلا مكان لها في مربّع الاهتمام.
يؤكّد هذا التنافس على قرص الجبنة، أنّ الرهان على حكومة فاعلة وقادرة ومالكة لجرأة القرار، هو رهان خاسر سلفاً، بل يؤكد أنّ المُراد فقط، هو هيكل حكومي بوظيفة محدّدة، أي إدارة دولاب الحكم بنفس الأداء والروحية والعقلية التي حكمت الحكومات السابقة، فيما الحد الأدنى من المسؤولية يتطلّب نظرةً مغايرة لمنطق الفجَع السائد على الحقائب، واستنفاراً سياسياً ورسمياً وحكومياً ورئاسياً لمواكبة الاولويات، والبحث في:
• كيفية محاولة إنعاش الدولة، وجعلِها دولة لها احترامها كاملة المواصفات تتمتّع بأعلى المعنويات ولها كلمتها وحضورُها في شتّى المجالات.
• كيفية معالجة الوضع الاقتصادي والنقدي، الذي يقف على حافة هاوية خطيرة، باعتراف كلّ المعنيين بهذا القطاع، وبعيداً من مؤتمرات التكاذب والوعود التي لا قيمة لها، وقبل كل ذلك، بعيداً من إبَر المسكّن التي يتعمّد بعض المعنيين حقنَ الناس بها، وحجبَ حقيقةِ الوضع الخطير الذي يهدّد الاقتصاد اللبناني. ولا يجب ان نغفلَ هنا ماردَ الدَين الذي يكبر اكثر فأكثر الى حدّ قد لا يعود في إمكان المالية العامة تحمّله.
• كيفية وضعِ الخطط الاستباقية الاحتوائية والإنعاشية لموسم السياحة المعطل في فصل الصيف الذي يبدأ اليوم، وينذِر بأيام صيفية عجاف.
– كيفية التصدي لفوضى الإدارة والهدر وسرقة المال العام، وتطويق منظومة الفساد المستفحلة في كلّ مفاصل الدولة، ووقف مزراب الوعود الفارغة التي ترِد على ألسنة سياسيين، بعضهم في موضع الشبهة والشراكة الموصوفة والكاملة في كلّ هذه الموبقات.
• كيفيةِ إشاعة الامن الحقيقي في البلد وتغليب منطق القانون وجعلِه فوق الجميع، وبالتالي وضع حدّ للفوضى الامنية والأخلاقية واللصوصية التي لا تنجو منها منطقة لبنانية، وتحديداً في البقاع الذي صار عنواناً للفلتان على كلّ المستويات، بحيث لا يمضي يوم من دون حدوث سرقة، او قتل، او ثأر، او خطف، او تجارة مخدّرات، او تجارة فدية، من دون ان تحرّكَ الدولة بأجهزتها المعنية ساكناً.
والمضحك المبكي في هذا الوضع، أنّ بنات أفكار بعض المسؤولين تمخّضت عن فكرة حلّ تقول إنّ ضبط الوضع في مناطق الفوضى وتحديداً في البقاع، يكون بالمبادرة الى تثقيف الناس وإرشادهم الى اهمّية الالتزام بالقانون!!، فيما أنّ أيّ نوع من الثقافة والتثقيف لم يعد ينفع، بل ما ينفع هو المبادرة ولو لمرّة واحدة في اتّخاذ قرار جريء والضرب بقساوة على أيدي المخِلّين والاقتصاص منهم.
• كيفية إيجاد فرص عمل لجيش العاطلين عن العمل من جيل الشباب، وخصوصاً حمَلة الشهادات وخرّيجو الجامعات، الذين تخرَّج منهم الآلاف هذه السنة.
• كيفية إنقاذ البلد من سرطان النفايات المتراكمة في كلّ نواحي البلد، ووضع حدّ لحفلةِ المزايدات التي يتسابق عليها هذا وذاك من السياسيين فقط بهدف الكسب السياسي وليس العلاج الجدّي لمصدر الأمراض والأوبئة التي تهدّد كلّ اللبنانيين.
• كيفية التصدّي الجدّي لاسترخاص بعض التجّار لحياة اللبنانيين، بمواد تموينية وحياتية فاسدة، وليس عبر النوبات الموسمية التي تترجَم بمحاولات إعلامية استعراضية، سرعان ما تنتهي ويتبيّن أنّها بلا فعالية ولا قيمة لها، ويبقى المفسدون أحراراً طليقين بلا رقيب أو حسيب، أو محاسبة حتى ولو رمزية.
• كيفية العمل جدّياً على معالجة ملف النازحين، وإخراجه من حلبة المزايدات السياسية، والاعتراف بسلبياته على المجتمع اللبناني، وبالأعباء الخطيرة التي تكبَّدها لبنان جرّاء هذا الملف والتي تزيد كِلفتها عن عشرة مليارات دولار، وهذه الخسارة مرشّحة لأن تزيد اكثر ما دام هذا الملف في مدار التجاهل والمزايدة.
(الجمهورية)