يَمضي لبنان في مرحلةِ «انعدام الوزن»، في ظلّ حكومةِ تصريفِ أعمالٍ تحاصرها ملفاتٌ «مفخّخة» بـ «فتائل» متعدّدة، وحكومةٍ «قيد الاستيلاد» محكومةٍ بمعادلةٍ «الجميع ينتظر الجميع» في لحظةٍ يصعب معها تَصوُّر الفصل بين المحلّي والخارجي في الواقع اللبناني الذي تتشابك مساراته كـ «خيوط العنكبوت» مع الوقائع الإقليمية وتَحوُّلاتها.
وإذ لن تحمل الأيام الفاصلة عن عيد الفطر أي «مفاجآت سعيدة» على صعيد تشكيل الحكومة وسط انشداد الأنظار إلى زيارة الحريري لروسيا للمشاركة في افتتاح مونديال 2018 يوم الخميس (بمباراة بين منتخبيْ روسيا والسعودية) إلى جانب ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في ظل تقديراتٍ بأن يتوجّه الأخيران معاً بعدها الى الرياض حيث يُمْضي الرئيس المكلف عطلة العيد مع عائلته، فإن مسار التأليف يبدو مفتوحاً في الوقت الفاصل عن حلول موعد «المفاوضات المفصليّة» على صيغٍ للتشكيلة الحكومية يتم تداوُلها والتعاطي معها على أنها لـ «جس النبض» أو ملء «الوقت الضائع» على وقع كلام رئيس البرلمان نبيه بري عن أن «لا حركة جديّة في الملف الحكومي»، وإعطاء «حزب الله» إشاراتٍ متدرّجة لانزعاجه من التأخّر في إنجاز هذا الملف وتصويبه المتدحْرج على السعودية واتهامها بالتدخّل فيه.
وفي ظل مراوحة تشكيل الحكومة في «غرفة الانتظار»، خرق المشهد السياسي معاودة الزعيم الدرزي وليد جنبلاط وضْع علاقته مع السعودية في إطارها الاستراتيجي والتاريخي بعد مرحلة من التوتر والبرودة وذلك من خلال زيارته البارزة للمملكة ولقاءاته مع كبار المسؤولين بمشاركة نجله النائب تيمور جنبلاط الذي دخل غمار الحياة السياسية رسمياً بتسلُّمه «دفة» النيابة عن والده.
وفيما نشَر جنبلاط أمس صورة للقائه مع الأمير محمد بن سلمان مرفقاً إياها بتعليق: «لقاء ودّي وحميم في جو من الصراحة التامة والتأكيد على أهمية العلاقات التاريخية السعودية اللبنانية»، أفادت تقارير في بيروت ان هذا اللقاء تخلله وعد بأن الصيف سيكون حافلاً بالسيّاح السعوديين.
وحسب جريدة «الأنباء» الالكترونية الصادرة عن «الحزب التقدمي الاشتراكي» (يترأسه جنبلاط) فإن زيارة جنبلاط للرياض «كانت إيجابية جداً وتأتي كتأكيد وترسيخ لعلاقة جنبلاط مع المملكة، ونجحت في طي صفحة التباين السابقة»، موضحة «أن الزيارة كانت إيجابية تجاه الوضع اللبناني الداخلي، حيث لمس جنبلاط من المسؤولين السعوديين إهتماماً كبيراً من المملكة بلبنان سياسياً وإقتصادياً»، ولافتة الى ان جنبلاط إستُقبل بحفاوة بالغة «الأمر الذي تجلّى ليس فقط بالشكليات إنما من خلال مروحة لقاءات واسعة جمعته مع المسؤولين السعوديين» وبينهم الموفد السعودي إلى لبنان نزار العلولا.
في موازاة ذلك، لم تهدأ في بيروت «عاصفة» المرسوم الرئاسي الذي قضى بتجنيس أكثر من 400 شخص غالبيتهم من السوريين والفلسطينيين، في ظل سباقٍ محتدم بين عملية التدقيق التي يُجْريها «الأمن العام» اللبناني في الأسماء التي تضمّنها وبين كشف وسائل الإعلام المزيد من «الصندوق الفضائحي» لبعضها الذي تحوم حوله شبهات مالية وتجارية ووردت في فضائح أوراق باناما للتهرب الضريبي ناهيك عن ارتباط قسم منها بالرئيس السوري بشار الأسد والكلام عن لجوء عدد من المجنسين إلى تزوير معاملات الحصول على الجنسية.
ولم يكن عابراً ما يشبه «الحرم الكنسي» الذي ألقاه البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي على المرسوم معلناً في افتتاح أعمال السينودس المقدّس، بمشاركة مطارنة الطائفة في لبنان وبلدان الانتشار «إننا نطالب المسؤولين عندنا بسحْب مرسوم التجنيس لأنه زعزع الثقة بهم، ولأنه مرسوم يصدر على حين غفلة وبأسماء مشبوهة لا تشرّف الجنسية اللبنانية، فيما المراجعة دائمة بتطبيق ما أبطل مجلس شورى الدولة من مرسوم التجنيس الصادر سنة 1994 الذي أوقع خللاً ديموغرافياً كبيراً في البلاد… وفيما يتواجد على أرض لبنان أكثر من نصف سكانه الغرباء والأجانب».
وترافق «فيتو» الكنيسة مع موقف شيعي معترضٍ عبّر عنه إعطاء الرئيس بري إشارة إلى الدفْع نحو وجوب تجنيس عرب وادي خالد وعائلات القرى السبع في الجنوب عبر ملحق خاص بالمرسوم، وصولاً الى سؤال النائب أنور الخليل (من كتلة بري) «لماذا لم تتم استشارة الثنائي الشيعي (بري وحزب الله)؟ هل هو حرف ناقص في البلد؟»، وهو الأمر الذي يعني عملياً وضْع رئيس الجمهورية أمام خياريْن أحلاهما مُرّ: سحْب المرسوم ما قد يؤثّر سلباً على صورته ويُظْهِرُه متراجعاً تحت وطأة الاعتراضات، أو الاكتفاء بـ «تنظيف» المرسوم من الأسماء المشبوهة وفتْح الباب في الوقت نفسه أمام موجة تجنيس… لن تنتهي.
(الراي)