بعد أسبوعيْن من تكليف زعيم «تيار المستقبل» الرئيس سعد الحريري تشكيل الحكومة الجديدة، دَخَلَ لبنان في مدارِ أسبوعيْن يفترض أن يكونا مفصلييْن في استيلادها ربْطاً بتوقّعاتٍ رجّحتْ إنجاز هذا الاستحقاق بعيد عيد الفطر بما يحول دون تَحوُّله أسيرَ مساراتٍ إقليمية تشي بمناخات عاصِفة ومحتدمة.
وستكون الأيام المقبلة كفيلةً بحسْم مجموعة أمور ذات صلة بالملف الحكومي من شأنها الإضاءة على الوُجهة التي سيسلكها لبنان في ملاقاة التحولات في المنطقة. ومن أبرز هذه الأمور:
● إذا كان ثمة أطراف لبنانية، من بين خصوم «حزب الله»، تفضّل التريّث في ولادة الحكومة ريثما يتّضح الخيط الأبيض من الأسود في بعض الوقائع المستجدة إقليمياً بما يسمح بإحباط محاولة الحزب جعْل الحكومة العتيدة «الوعاء» لتسييل ما يعتبره انتصاراً حققه في الانتخابات النيابية الأخيرة، أم أن «أخْذ الوقت» الذي حصل حتى الآن مردّه إلى الحاجة لـ «عامِل الزمن» لتبريد بعض «الجبهات الساخنة» التي اشتعلتْ إبان الاستحقاق النيابي ولا سيما في البيت المسيحي بين «التيار الوطني الحر» وحزب «القوات اللبنانية»، وسط إشاراتٍ في الساعات الماضية أوحتْ بإمكان معاودة تطبيع هذه العلاقة بما يفتح الباب أمام معالجة مسألة حجم تمثيل «القوات» في الحكومة بما يتلاءم وحجمها الجديد في البرلمان.
* إذا كان «حزب الله» يسعى في الملف الحكومي الى صرْف «انتصاره الانتخابي» سريعاً في الحكومة العتيدة في تطوّر «لن يُقرأ» إلا في الميزان – الاقليمي، وذلك عبر الدفْع نحو تشكيلةٍ تُمْعن في تكريس اختلال التوازنات وتمنحه عبر حلفائه في الطوائف الأخرى الثلث المعطّل الصافي الذي يجعل في جيْبه «مفتاح» التحكم بمصير الحكومة ربْطاً بعناوينَ لـ «معارك» عدة أعلنها تحت شعار «مقاومة الفساد» وبينها إنشاء وزارة تخطيط تُشتمّ منها رغبة في إلغاء مجالس مربوطة برئاسة الحكومة وأبرزها مجلس الإنماء والإعمار.
● إذا كان الرئيس الحريري سيسلّم بضبْط مسار التأليف على «الإيقاع» الذي يوحي «حزب الله» بأنه يفرضه والذي يحاول أن يبدو معه وكأنه، امتداداً لمرحلة ما بعد الانتخابات، يُمْسِك بخيوط رئيسية في تشكيل الحكومة ولو ظهّر الأمر على أنه من باب تسهيل ولادتها سريعاً كما كرّر أيضاً الرئيس نبيه بري الذي أكد ضرورة «تشكيل الحكومة أمس قبل اليوم، واليوم قبل الغد»، مشدِّداً على أنه والأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله يستعجلان تشكيلها في أسرع وقت. أم أن الحريري الذي يملك ورقةَ كونِه رئيس حكومة تصريف أعمال ورئيس مكلّف سيعمل على الاستفادة من استعجال الحزب تأليف الحكومة (لاعتباراتٍ داخلية وخارجية) و«الصمود» على ثوابت في التشكيل تمْنع ولادة حكومة يكون «المستقبل» فيها «مستفرَداً» ويستغلّها «حزب الله» في الوقت نفسه «درع حماية» من موْجات ضغوط خارجية جديدة عليه.
وكان الحريري أعطى يوم الثلاثاء إشارة بهذا الاتجاه حين أكد أنه يعمل على حكومة من 30 وزيراً وليس 32 كما يفضّل «حزب الله» وآخرون لتمثيل العلويين (والسريان) وهو ما من شأنه تعميق كسْر التوازنات في الحكومة التي أكد الرئيس المكلف أيضاً أنه «داعس بنزين على اقصى سرعة» لتأليفها، مع حرْصه على توجيه رسالة بالغة الدلالات حيال «عمق العلاقات» التي تربط بين لبنان والسعودية معلناً «إنّ عمق العلاقات بين البلدين وفضل المملكة بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي العهد الأمير محمد بن سلمان على لبنان يحتّمان علينا جميعاً بذل كل الجهود للارتقاء بهذه العلاقات إلى المستوى الذي يستحقه الشعبان اللبناني والسعودي»، مضيفاً: «الجميع يعلم مدى الدعم الذي يبديه سمو الأمير محمد بن سلمان لي شخصياً وفي الواقع فإنه يقوم بدور محوري أيضاً لدعْم استقرار لبنان السياسي والأمني والاجتماعي والاقتصادي»، ولافتاً إلى «الجهود التي قادها سموّه لإنجاح مؤتمر»سيدر»في باريس ومؤتمر روما لدعم الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي».
وفي موازاة ذلك، ترى أوساط سياسية ان هناك ملفين يفترض أن «يضبطا» المدى الزمني لـ «لعبة التأليف» وسقوف التفاوض. الأول مالي – اقتصادي في ظل التحذيرات من مخاطر التأخّر في توفير مستلزمات الاستفادة مما قدّمه مؤتمر «سيدر 1» للبنان من مساعدات وقروض ميسرة. والثاني النزاع الحدودي بين لبنان وإسرائيل والذي قفز بقوة الى الواجهة بعد كشْف تل أبيب عن «أفكار جديدة طُرحت عبر قناة سرية أميركية للوساطة في النزاع البحري مع لبنان» بشأن التنقيب عن النفط والغاز شرق البحر المتوسط مرجّحاً التوصل إلى اتفاق خلال هذا العام.
وفي هذا السياق، كشف بري، الذي كان شارك في الاجتماع الذي شهده القصر الجمهوري مطلع الاسبوع مع كل من الرئيسين ميشال عون وسعد الحريري لمناقشة هذا الملف، أنّ التطوّرَ المستجد في قضية الترسيم يكمن في العرض الإسرائيلي الذي حمله الى بيروت عضو الكونغرس الأميركي داريل عيسى والوفد المرافق خلال زيارته الأخيرة للبنان، موضحاً أنّ العرض يتضمّن اقتراحاً بترسيم شامل، دفعة واحدة، للحدود البحرية والبرية ولمزارع شبعا، لافتاً الى «ان من مصلحة لبنان إجراء ترسيم شامل يحمي حقوقه في مياهه وأرضه وصولاً الى مزارع شبعا المحتلة»، مشيراً الى أنه «شخصياً مِن الداعين، وعلى رأس السطح، الى إنجاز الترسيم المتزامن لكل الحدود مع فلسطين المحتلة على قاعدة عدم التنازل عن ذرّة من ترابنا أو كوب مياه من بحرنا، وهذا هو مطلبنا في الأساس».
وأكدت «وكالة الأنباء المركزية» نقلاً عن مصادر ديبلوماسية مسألة «السلّة المتكاملة» التي تشمل الحدود البرية والبحرية بين لبنان واسرائيل، ومن ضمنها مزارع شبعا المحتلة، موضحةً انه بما أن هوية «المزارع» ملتبسة ومحط «تجاذب» بين بيروت ودمشق، فإن واشنطن، وفق المصادر، تطرح أيضاً، أن تترافق مساعي حل النزاع بين لبنان واسرائيل، مع ترسيم للحدود بين لبنان وسورية، شرقاً وشمالاً.
ووفق المصادر نفسها فإن الولايات المتحدة تستعجل حل النزاع الحدودي وان ديفيد شينكر الذي خلَف ديفيد ساترفيلد كمساعد لوزير الخارجية الاميركي لشؤون الشرق الاوسط، سيزور لبنان في الأيام او الاسابيع المقبلة للاطلاع عن كثب على تفاصيل الوساطة ومسارها.
(الراي)