رأى رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع أن ملابسات مرسوم التجنيس الأخير «شكلت ضربة لعهد الرئيس ميشال عون»، لكنه استبعد بشدة أية مسؤولية مباشرة له عن الأسماء التي احتواها المرسوم. وفصل جعجع في حوار مع «الشرق الأوسط» بين علاقته الجيدة مع الرئيس عون، وعلاقة حزبه مع صهره وزير الخارجية جبران باسيل، معتبرا أن المشكلة مع الأخير هي في «مفهوم الشراكة».
وحذر جعجع «حزب الله» من الانجرار في أية حرب قد تنشب في المنطقة إلى جانب إيران، رغم استبعاده حصولها، معتبرا أن في هذا «خرابا للبنان»، وأكد أن «القوات» لن تقبل في الحكومة المقبلة إلا أن يكون القرار الاستراتيجي بالكامل بيد الدولة، في إشارة إلى موضوع سلاح «حزب الله في البيان الوزاري».
وفيما يأتي نص الحوار:
– ما هو تقييمكم للتجربة التي خضتموها في الانتخابات؟
– نحن خضناها وحدنا بكل لبنان باستثناء 3 مناطق خضناها مع حزب الكتائب. خضناها بعنوان سياسي واضح ولم يكن هناك اشتباه بالعنوان السياسي ولا تحالفات انتخابية على أساس التحالف في الانتخابات فقط، أي من دون معنى سياسي. وخضناها بوجوه مقبولة وجديدة وتعبر عن حقيقتنا والصورة التي نحب أن نراها في السلطة والحكم بلبنان. وهذه كانت العوامل الأساسية والرئيسية إلى جانب قواعد القوات المترامية من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب وطريقتنا المنظمة بالعمل.
– هل تعتبرونها انطلاقة جديدة للقوات؟ وكيف ستتعاملون مع المرحلة المقبلة من منطلق القوى التي أصبحت لديكم؟
– سنتعامل من خلال الثقة التي قدمها الناس لنا، وانطلاقا من هذه القوة. إذا كان لديك 8 نواب تعمل على أساس 8 نواب، وإذا لديك 15 نائبا فعليك أن تتصرف انطلاقا من أن لديك 15. العملية ليست عملية رقمية. لأن الحسابات السياسية تختلف عن الحسابات التجارية، فهنا أنت أصبحت بالكتل النيابية الكبيرة وسنعمل بمسؤولية كبيرة جدا.
وبرهنت الانتخابات وبخلاف الكثير من الانتقادات التي نسمعها، أن بعض اللبنانيين يتصرفون على أساس «أن الكلام ليس عليه جمرك»، بمعنى أنهم يسمحون لنفسهم أن يطرحوا أي شيء. الانتخابات أثبتت أن هذا القانون جيد ولم يبق أحد لم يتمثل فيه. وإذا لديك حد أدنى من القوى التمثيلية، في أي منطقة، مثلا بعلبك الهرمل تأخذ مقعدك، وإذا لديك قوة كبيرة تأخذ مقاعدك، بالتالي برأيي أنه قانون جيد. بالطبع لا يوجد قانون إلا وله سلبياته وحسناته، لذلك عليك أن تختار القانون الذي يحظى بأكثرية الأوجه الجميلة وأقل أوجه غير جميلة.
– أخذتم مقعداً مارونياً في دائرة بعلبك الهرمل، لكن النتائج عموماً فيها كانت أقل من المتوقع.
– تيار المستقبل أخذ مقعداً أيضاً، لكن كان يمكن له أن يأخذ مقعداً ثانياً، أكلمك عن واقع أعرفه جيداً.
– الترجمة الأولية لكونكم كتلة كبيرة سوف تكون بالحكومة… ما مطالبكم بالتشكيل الجديد للحكومة؟
– مطلبنا أن نتمثل في الحكومة على قدر حجمنا الشعبي والسياسي والنيابي. أثبتت الانتخابات أن هناك قوتين كبيرتين عند المسيحيين. أثبتت أن هناك قوتين متساويتين – وهنا لا نقصد معنويا بل ماديا – لذلك عليهم أن يروا كيف يرتبوا التمثيل المسيحي الوزاري بينهما. التمثيل المسيحي في الحكومة يجب أن نتفاهم عليه نحن والتيار الوطني الحر ورئيس الجمهورية.
– تتعاطون مع الموضوع بمعنى أن علاقتكم جيدة مع الرئيس لكن المشكلة مع الوزير جبران باسيل، من خلال الكلام الدائم عما تسموه «الباسيلية»، كيف هي مقاربتكم لهذا الموضوع؟
– تعاطينا الحزبي اليومي مع الوزير جبران باسيل، هنا لدينا صعوبات سأقوم باختصارها. ولكن نحن حريصون جدا على الحفاظ على تفاهم معراب لأن فيه خيراً لجميع الناس. المشكلة الرئيسية التي نواجهها هي ليست مشكلة حصص كما يطرح البعض ولا مشكلة حسابات «دكنجية»، هذه تأتي لاحقاً جداً. المشكلة الرئيسية هي أن مفهوم الشراكة عند الوزير باسيل هو أن ندعم أي شيء يفعله. لا، الأمر ليس كهذا. مفهوم الشراكة عندنا هو أن أي شيء نريد أن نقوم به نحن أو هو، يجب أن نتفاهم عليه وندعم بعضنا فيه، وإن لم نتفاهم عليه نتفق ألا ندعم الخطوة التي لم نتفاهم عليها. أما الوزير باسيل فيعتبر أنه هو الذي يمثل العهد، وبالتالي نحن يجب أن نؤيد العهد ونؤيد أي خطوة يقوم بها. هنا نقطة الخلاف الرئيسية والباقي يترتب.
– هل الفصل بين الرئيس عون والوزير باسيل منطقي في هذه الحال؟
– نحاول دائما أن نجنب موقع رئاسة الجمهورية أي حساسيات داخلية. قد يذهب الوزير باسيل آخر النهار ويجلس مع رئيس الجمهورية، هذا أمر يتعلق بهما. لكن نحن نفضل لموقع رئاسة الجمهورية موقعا غير قابل للرمي عليه أو الأخذ والرد كل يوم. أما الأمور الأخرى فنتعاطى بها مع الوزير باسيل وليس مع رئيس الجمهورية. مع الرئيس نتعاطى مع الأمور المتعلقة بالدولة، كاستشارات وسياسات كبرى لها علاقة بالنازحين. أو، مثلا، عند مناقشة قانون الانتخابات كان التنسيق بأشده وانتهى الأمر عند هذا الحد.
– اتفاق معراب الذي قلتم إنكم متمسكون به ماذا بقي منه؟
– برأيي روحه باقية، ولكن علينا أن نترجمه بشكل أفضل.
– هل بدأ الكلام الجدي بموضوع الحكومة؟
– ليس بعد.
– هل تتوقع عملية سريعة لتشكيل لحكومة؟
– أنا لا أرى عقبات في موضوع تشكيل الحكومة. كان هناك الكثير من الناس الذين يعارضون القوات ووجودها بالحكومة وحجمها. بكل صراحة هذه المرة، هذا الكلام منحسر. هناك كثر، لأسباب موضوعية أو غيرها، أصبحوا معترفين بالقوات بحجمها الانتخابي الجديد وبالتالي لم أسمع لغاية الآن – ولم ألمس – أن هناك من يريد أن يضع عصي بالدواليب.
-.. أو أحد ما يريد أن يضعكم خارج الحكومة!
– هناك من يرغب في أن يضعنا خارجاً لكن لا يقدر على ذلك، لذلك هو يحب أن نكون موجودين بشكل غير مؤثر.
– وهل هناك عقد خارجية؟
– أنا صراحة لا أرى ذلك. العقوبات الخارجية على حزب الله ليست جديدة، الأميركيون لا يعترفون بشق سياسي وشق عسكري لحزب الله ويضعون عقوبات عليه منذ 10 سنوات. لكن تتشكل حكومات كان فيها حزب الله، وكانوا يتعاطون مع الحكومات دون التعاطي مع وزراء الحزب، ليس هناك شيء جديد.
– هناك كلام عام بعد الانتخابات أن فريق حزب الله هو الذي فاز بها وأصبح لديهم الأكثرية بمجلس النواب، كيف يمكن أن ينعكس ذلك على مستقبل الوضع السياسي بلبنان؟
– لست مع هذه النظرية. في المجلس الحالي يتمثل فريق 8 آذار، أي حزب الله وحلفائه القريبين هم 46 نائبا، أما قوى 14 آذار فلديها 47، أي القوات والاشتراكي والكتائب والمستقبل، لكن المشكلة هي أنه في الوسط لديك تكتل الرئيس عون وهم 28 والمستقلون السبعة. هؤلاء يميلون الدفة، لكن لا يمكن أن تقول إن المجلس يسيطر عليه حزب الله.
– الاشتراكي ما زال في خط 14 آذار؟
– رأيتم تصرفه في الحكومة السابقة في السنتين الأخيرتين ورأيت تحالفاته بالانتخابات. وليد جنبلاط على المستوى الاستراتيجي لم يتغير كثيرا.
– بم يتعلق بحزب الله، هو يحافظ دائما على موقع قريب للنصف بهذا المكان.
– صحيح، لكن مع نكهة 14 آذارية.
– كيف ترى الصورة المرسومة للبنان بعد الانتخابات؟
– كما كنا من قبل.
-على الرغم من كل الوضع الدولي والإقليمي الضاغط علينا؟
– لا أرى أي متغير، لكن هناك أشياء يجب أن نغيرها وهي طريقة إدارتنا للدولة.
– إذا أردنا تعداد التحديات التي تواجهنا بالمرحلة القادمة، كيف يمكن إيجازها؟
– برأيي أكبر تحد يواجهنا هو أن الحكومة الجديدة تكون جديدة بالفعل، وتعتمد طريقة جديدة بإدارة شؤون الدولة وهذه وحدها كافية لتخلص لبنان. وهذه المرة علينا أن نكون واضحين ومتشددين بقضية القرار الاستراتيجي أن يكون داخل الدولة بما أن الكل بالدولة، ولا أحد لديه الحق أن يتخذ أي مبادرة منفرداً ويضع البلد بمكان لا نعرفه.
– كيف ترى مسار الأمور بالمنطقة؟
– لا أرى شيئاً إلا بحالة واحدة فقط لا غير ولكنني لا أراها الآن، وهي في حال وقوع مواجهة كبرى إسرائيلية إيرانية، أميركية – إيرانية، أن يتحرك حزب الله لمصلحة إيران. أنا لا أرى المواجهة وأعتقد أنه في حال هذه المواجهة جماعة حزب الله سيفكرون كثيرا بهذا الأمر فهذه ليست قصة سهلة، ونحن علينا أن نكون لدينا موقف واضح لأن هناك مصلحة البلد. لا يجب على أي أحد يقوم بأي مغامرة لأن الوقت ليس وقت مغامرات. المنطقة ستكون مشتعلة ولا نقبل أن يقوم أحد بتوريط لبنان وتخريبه إلا في حال هجوم مباشر من أي دولة أجنبية على لبنان، فهذا تحصيل حاصل ولا يحتاج لدعوة من أحد وجميعنا يتخذ القرار.
– كيف تنظر إلى مرسوم التجنيس وملابساته لها؟
– أولا أريد أن أضع قصر بعبدا خارج هذه اللعبة، ولو أن رئيس الجمهورية هو الذي وقع عليه، لأنني أتصور أن الرئيس لم يطلع على كل اسم باسمه. أصلاً لبنان ليس كندا ولا أستراليا ولا دولة من الدول التي تحتاج لتجنيس لأن عندها أراض شاسعة وتريد تعبئتها. جرت العادة أنه وقت يكون هناك حاجة معينة للتجنيس لأسباب معينة، فإن التجنيس كان يحصل آخر كل عهد. يجمعون الحالات المطروحة من لم شمل عائلات أو حالات إنسانية، أو شخص ذو قيمة فنية أو قيمة علمية عالية جداً.
المشكلة مع مرسوم التجنيس الحالي أنه أولاً لم يعرف أحد شيئاً عنه، ومجرد أن يكون هنالك شيء لا تعلم به ستضع علامات استفهام عليه. ثانياً نحن في أول العهد وليس بآخره، فلماذا نذهب الآن بمرسوم التجنيس؟
كل شيء تم بالسر، بعيداً عن أهل السياسة أيضاً، وبشكل من الأشكال تسرب الخبر وبعد ذلك تصرف المعنيون بالأمر على طريقة (وكاد المريب أن يقول خذوني). تسربت القصة، أين المشكلة إذا تم نشر المرسوم؟ تقدم (رئيس حزب الكتائب النائب) سامي الجميل بطلب من القصر الجمهوري كي يعطوه نسخة من المرسوم فقالوا ليس لدينا بل في وزارة الداخلية، ذهبنا جميعاً لوزارة الداخلية، فقالوا لا ليست عندنا. ردة الفعل بالشارع اللبناني كله الشيعي والسني والمسيحي والدرزي، كانت سلبية، لأن المعنيين بالأمر يتصرفون بشكل مريب جداً وبالتالي لا يمكننا السكوت عن موضوع مثل هذا بغض النظر حتى لو كان أفضل مرسوم بالكون. أقول مجدداً: لبنان ليس كندا، ولسنا بحاجة لمرسوم تجنيس كل يوم. للأسف لغاية الآن لا يوجد أب.
-هل تشكل ملابسات هذا المرسوم ضربة للعهد؟
– للأسف شكلت. وهذا شيء مؤسف، لأن تقديري الشخصي، أن رئيس الجمهورية لم يطلع على كل الأسماء، وإذا فعل ذلك فلن يعرف كل اسم، وأتصور أن معظم الأسماء لا يعرفها. لكن السؤال من حضّر المرسوم وكيف قدم لرئيس الجمهورية؟
(الشرق الاوسط)