«آلو مدام، معك طوني، صاحب البيت اللي باعني ياه زوجك، اقنعيه يعطيني المصاري وما باخذ منكن البيت». القصّة بدأت بـ50$، مبلغ اعتبره ايلي «مش حرزان» وقرّر المقامرة به للتسلية، «أكيد ما رح إعلق فيا، كلّها 50$». يتذكّر ايلي أنّ الـ50$ أربحته 100 يومها، والـ100 أربحته 200 لتكون له الطُعم الذي سيعلّقه في هذه الدوامة، دوامة أوهمته أنّ الربحَ فيها سهل، لدرجة لم يعد للخسائر متّسعٌ في حساباته، فاللاعب الذي يدخل للمرة الأولى الى محال ألعاب القمار سيربح بالتأكيد، لكنه ما أن «يعلق» حتى يبدأ بتكبّد الخسائر ومعها ترتفع المبالغ التي يُقامر عليها أملاً بتعويض ما راح.
بين الروليت، البكارا، الفرعون، البوكر المكشوف والبوكر على الإنترنت وغيرها، تتنوّع المغرياتُ وطرقُ اللعب، ليبقى أنّ ما يجمعها هو «تسلّط الحظ فيها على المهارة والفطنة»، وهو تعريف المادة 632 من قانون العقوبات اللبناني لألعاب القمار.
ممنوعاتٌ على أنواعِها
فضلاً عن اعتبار محلات ألعاب القمار أوكاراً تبدأ فيها رحلةُ إدمان لا تنتهي فصولُها بدرّ الدولارات كما بدأت، فهي ملاذ لتجار المخدرات الذين ينشطون في غالبيتها، مستفيدين من الحالات النفسية للاعبين الخاسرين، فضلاً عن احتساء الكحول بكميات كبيرة والترويج للدعارة إلخ.
عام 2011 أوقِف 11 شخصاً في هذا الجرم، وهنا فإنّ المعنيين هم كل مَن تولّوا محلاً أو نظّموا ألعابَ مقامرة ممنوعة، أو مَن يعملون لصالح الأماكن المذكورة، حسب ما تنصّ المادة 633 من قانون العقوبات اللبناني، عام 2012 أوقف 5 أشخاص، 2013: 18 شخصاً، 2014: شخصان، 2015: 21 شخصاً، 2016: 50 شخصاً، و2017: 12 شخصاً.
العقوبة في هذه الحال هي السجن من ثلاثة أشهر الى سنتين، وبالغرامة من مئتي ألف الى مليوني ليرة لبنانية. أما إذا كان الموقوفون من الغرباء فيُطردون من الأراضي اللبنانية، ويمكن إقفالُ المحلات التي تمارَس فيها المقامرة، وتصادَر الأغراض التي نتجت عن الجرم، أو استُعملت أو كانت معدّةً لارتكابه والأثاث وسائر الأشياء المنقولة التي فُرش بها المكان وزيِّن بها، بحسب المادة نفسها من قانون العقوبات.
وفي وقتٍ يمنح فيه القانون الرقم 417 الصادر شركة «كازينو لبنان» حقاً حصريّاً باستثمار ألعاب القمار، رفع الكازينو دعوى أمام مجلس شورى الدولة عام 2012، مطالباً بتعويض يزيد على 100 مليون دولار، أو إعادة التفاوض على العقود الموقّعة مع الدولة، التي تنتهي عام 2026.
مخالفات بالجملة
المخالفات في هذه المحال تبدأ من السماح لمَن هم دون السنّ القانونية بالدخول، ولا تنتهي بانتشار مروِّجي المخدّرات على أنواعها، وصولاً الى عدم التزام الكثير من المحال بساعاتِ الإقفال المحدَّدة عند الساعة الثانية فجراً، وعدم التزامها بإعادة برمجة الماكينات وسحب الألعاب الممنوعة منها، والتي تزيد عن نحو أربعين لعبة، إلّا لفترة قصيرة.
وفي هذا الإطار، سُجّلت عام 2011، 13 مخالفة، 2012: 102 مخالفة، 2013: 154 مخالفة، 2014: 37 مخالفة، 2015: 92 مخالفة، 2016: 101 مخالفة، و2017: 52 مخالفة.
مقامرة «أونلاين»
كل فترة، تُتخذ قراراتٌ بحجب «عددٍ من مواقع الإنترنت التي تديرها شبكاتٌ وعصاباتٌ لبنانية وتخصَّص للعب البوكر مقابل أموال، تُدفع إما عبر حسابات إلكترونية في الخارج أو عبر مواقع تحويل أموال لبنانية»، ويُطُلب من «اوجيرو» ومزوِّدي خدمات الإنترنت تنفيذ مضمون القرار، لكنّ أصحابَ هذه المواقع سرعان ما يبدّلون أسماء مواقعهم ونطاقاتها في كل مرة، فضلاً عن تخصيص بعضهم برامج تعمل بتقنية VPN لتشغيل هذه المواقع من داخل مقاهي الإنترنت، التي خُصِّصت فقط لممارسة هذه اللعبة من دون حسيب أو رقيب، إذ إنّ الاتّصالَ عن طريق الـVPN يوفّر لمستخدمها التصفّح الآمن، حيث لا يمكن لأحد أن يخترق خصوصيّته أو أن يعرّفَ عن نشاطه أو حساباته المصرفية وغيرها، ويمنع محرّكات البحث كذلك من «فلترة» ما يبحث عنه وتخزينه، ما يمكّنه من فتح المواقع المحظورة داخل نطاقه الجغرافي، لأنّ الـIP الخاص به يكون قد تغيّر إلى دولة أخرى حيث تُفتح له كافة الخدمات الموجودة فيها.
وفي السياق، سُجّل عام 2011 توقيف 12 شخصاً من الذين يسهّلون أعمالَ المقامرة عبر الإنترنت، عام 2012: 5 أشخاص، 2013: 5 أشخاص، 2014: 13 شخصاً، 2015: 4 أشخاص، 2016: 5 أشخاص، و2017: 9 أشخاص.
للمراهقين حصّة…
«ما حدا من أهلك رح يعرف، وأكيد إنك بتربح مصاري كتير»، كلمات قليلة كانت كفيلة بإغراء يوسف (16 عاماً) الذي بدأ بلعب القمار إلكترونياً بغرض التسلية، حيث لا برهان على أنّ المستخدم تجاوز السنّ القانونية، فالتحايلُ سهلٌ جداً، لتتحوّل لاحقاً وسيلة لكسب المال السريع، وتنتهي به مدمناً لم يعد يبالي لا بالمدرسة ولا بألعاب المراهقين، بل دخل أرواقَ لعبة مظلمة أغرته في بداياتها لتقضي عليه في نهاياتها.
وضمن إطار ألعاب القمار الإلكترونية، تدخل المراهنات على كرة القدم، فثمّة مواقع إلكترونية تقدّم لمستخدميها فرصة المراهنة على فوز فريق معيّن في مباراة ما بالمبلغ الذي يريدونه، وهو ما يتخوّف كثيرون من تداعياته مع اقتراب كأس العالم في كرة القدم، والتي تستغلّها العصابات لجني الأموال على حساب الضحايا.
في هذا السياق، اوقف 5 أشخاص ممَّن يسهّلون عمليات المراهنة على كرة القدم عام 2011، أما عام 2012 فأوقف 9 أشخاص، 2013: 10 أشخاص، 2014: 25 شخصاً، 2015: 58 شخصاً، 2016: 41 شخصاً، و2017: 52 شخصاً.
مثل المخدّر…
لا تختلف أعراضُ إدمان ألعاب القمار عن إدمان المخدرات، فالمعني هنا يصاب أيضاً بالأرق وصولاً إلى الهياج العصبي وتقلّب المزاج، حيث تسيطر مسألة المقامرة بأكملها على تفكيره بصورة عامة.
أما العارض الأساسي فهو الهوس بتعويض الخسائر وزيادة مبالغ المقامرة باستمرار من أجل هذه الغاية. والمضحك المبكي هو أنّ مدمني القمار لا يتوانون عن إقناع أنفسهم بأنهم مسيطرون على الوضع، وهذا ما يستحيل فعلُه في هذه اللعبة.
أما الآثار المالية لإدمان القمار فغالباً ما تكون كارثية، حيث يوقع المدمنون أنفسَهم في ديون قد تصل الى بيع أغلى ما يملكون، فانقلاب الدفّة لصالحهم احتمال لا يغيب عن بالهم.
(الجمهورية)