خطوات الحريري التنظيمية لاستعادة الثقة وتصحيح المسار
عمر البردان:
لم يكن مفاجئاً، برأي المتابعين للنتائج التي أفضت إليها الانتخابات النيابية، ما أقدم عليه رئيس تيار «المستقبل» سعد الحريري من خطوات أعفى بموجبها عدداً من الذين يعتبرهم مسؤولين عن النتائج المتواضعة إذا صحّ التعبير التي حصل عليها «التيار الأزرق» في الانتخابات النيابية الأخيرة، خلافاً لما كان يتم تصويره للرئيس الحريري، إضافةً إلى الشوائب والثغرات التي اعترت العملية الانتخابية من جانب بعض المسؤولين عن الماكينة الانتخابية لـ«المستقبل». وبالتالي فإن الخطوات التي قام بها الحريري والتي ستتبعها خطوات تصحيحية أخرى في الأيام المقبلة، إنما تأتي وبحسب مصادر نيابية في تيار «المستقبل»، كإجراء متوقع بعد الانتخابات النيابية التي جاءت في نتائجها مغايرةً لحسابات الحقل، ما طرح علامات استفهام حول أداء بعض المسؤولين في الماكينة الانتخابية الذين يتحملون في مكانٍ ما مسؤولية مباشرة عن الإخفاقات التي تم تسجيلها في هذه الانتخابات، مشيرةً إلى أن المساءلة والمحاسبة بعد الذي جرى يمكن النظر إليهما على أنهما أمر طبيعي وضروري لوضع النقاط على الحروف وإعادة الأمور إلى السكة الصحيحة، خاصةً وأن الرئيس الحريري يدرك جيداً أهمية هذه الخطوة لإعادة تفعيل الحضور السياسي للتيار وتصويب الاعوجاج الذي حصل، وبما يساعد على معالجة مكامن الخلل بالشكل الذي يلائم مصلحة جمهوره على طول مساحة الوطن.
ولا تريد المصادر التوقف عند التحليلات والسيناريوهات التي تم الترويج لها على خلفية القرارات التي اتخذها رئيس الحكومة داخل تياره السياسي، معتبرةً أنها تأتي في السياق المطلوب، وفي إطار إجراء مراجعة نقدية للمرحلة الماضية، للوقوف على الأخطاء ومحاسبة المسؤولين عنها، بهدف وضع تصور جديد للمرحلة المقبلة، في ضوء الاستحقاقات الداهمة التي تنتظر لبنان واللبنانيين، ما يحتّم على «المستقبل» كغيره من القوى السياسية، أن يكون حاضراً ومستعداً لمواجهة هذه الاستحقاقات ضمن خطة جديدة تأخذ بعين الاعتبار ظروف البلد وما تمر به المنطقة من تطورات لا بد وأن تترك انعكاساتها على الساحة الداخلية.
وتؤكد المصادر أن استقالة مدير مكتب الرئيس الحريري السابق نادر الحريري، كانت قراراً شخصياً للأخير لا علاقة له بأي تطور داخلي أو إقليمي، كما يحاول البعض الترويج له، مشددةً على أن ما ذُكر عن طلب سعودي للحريري بإبعاد إبن عمته، خارج السياق تماماً ولا يعبّر عن الواقع بشيء، باعتبار أن الجميع داخل «التيار الأزرق» وخارجه يشهدون لنادر الحريري كفاءته ومناقبيته، كحافظ لأسرار الرئيس الحريري، والذي كان يتعامل مع المهمات التي يتولى تنفيذها بكثير من الكتمان، كونه شخصية لا تحب الظهور الإعلامي وهذا ما أثبته خلال المدة الطويلة التي قضاها مديراً لمكتب رئيس «المستقبل».
وفي الوقت الذي يُتوقع أن تسحب الخطوة الإصلاحية التي قام بها الرئيس الحريري في «المستقبل»، نفسها على أحزاب وتيارات سياسية أخرى بعد الاستحقاق النيابي، فإن هذه الخطوة الجريئة لرئيس الحكومة ستعزز الثقة أكثر فأكثر بين قيادة «التيار الأزرق» وجمهوره، بعدما كشفت نتائج الانتخابات عن وجود هوة بينه وبين القيادة، تفترض القيام بإعادة تقويم للمرحلة الماضية، من أجل العمل على ردم هذه الهوة وتقريب المسافات مع هذا الجمهور الذي عبّر عن صوت اعتراضي عن الأداء القائم في صناديق الاقتراع وبعث برسالة إلى المعنيين، بضرورة الدفع باتجاه تصحيح المسار قبل فوات الأوان، من أجل إعادة الاعتبار لـ«التيار الأزرق» في كافة المناطق اللبنانية، وبما يمكّنه من استجماع قواه على أساس برنامج عمل سياسي جديد يأخذ بالاعتبار واقع البلد، في إطار احترام التوازنات الوطنية الدقيقة التي لا تسمح لأي طرف باستثمار نتائج الانتخابات النيابية لمصلحته، والسعي إلى فرض شروط جديدة على اللبنانيين لا يمكن أن يقبلوا بها.