فور عودته من مصيلح، «عاصمة» النصر الانتخابي في الجنوب، استأنف الرئيس نبيه بري «التمشاية» المسائية التي اشتاق اليها، في القاعة الفسيحة في عين التينة، بمشاركة القريبين الذين لاقوه جميعاً بكلمة واحدة: «مبروك». لكنّ رحلة العودة الى مقر الرئاسة الثانية لم تكن سهلة هذه المرة، بعدما «حاصر» محبّو «الاستاذ» مقر إقامته في مصيلح ليومين متتاليين، بغية تقديم التهاني له بالفوز الكاسح الذي حققته لائحة «الامل والوفاء».
كان بري يمضي ساعات طويلة في مصيلح وقوفاً يستقبل المهنئين المتدفقين من كل الأعمار والأمزجة، الى درجة انه كان يستعصي عليه التكلّم مع الزوار الرسميين. ليل امس الاول، قرر بري العودة الى بيروت.
طلب من فريقه الامني واللوجستي الاستعداد للمغادرة، إلّا انه سرعان ما تبلّغ من المعنيين أنّ المغادرة غير ممكنة في هذا الوقت لأنّ سيارات المواطنين المصطفة في كل مكان تقفل الممر الى الخارج، وبالتالي يتعذّر التحرّك الآن. وعليه، لم يكن امام بري سوى الانتظار بضع ساعات اضافية، الى حين فرغت الباحة ومحيطها من المواطنين، فانتهز الفرصة و«انسَلّ» الى عين التينة، ترافقه على الطريق صوَر أبناء الجنوب الذين عبّروا بكثير من العفوية والطيبة عن عاطفتهم حيال رئيس المجلس.
ولكن، كيف يفسّر بري الفوز الباهر الذي حققته لائحتا «الامل والوفاء» في الدائرتين الجنوبيتين، الثانية والثالثة، وبفارق شاسع عن اللوائح الأخرى؟
يقول بري لـ«الجمهورية»، كاشفاً عن «سر المهنة»: «لقد تعاطيتُ مع الانتخابات وكأنها تجري على اساس القانون الاكثري، لا النسبي، ووضعت هدفاً لنفسي وللائحة وهو منع ايّ مرشح منافس من الاستحواذ على حاصل انتخابي، وهكذا كان.
وماذا عن جلسة انتخاب رئيس المجلس النيابي؟
يوضح بري انه اتصل برئيس السن النائب ميشال المر وتشاوَر معه في الامر، مشيراً الى أنّ تحديد تاريخ انعقاد جلسة الانتخاب هو من اختصاص رئيس السن الذي سيتسلّم مهماته في 21 ايار الحالي بالتنسيق مع الامين العام لمجلس النواب عدنان ضاهر. ويضيف مبتسماً: «النائب المر سيكون رئيس المجلس في الفترة الفاصلة بين 21 ايار وتاريخ انعقاد جلسة الانتخاب، وعلى البعض من خصومه ان يستعدوا نفسياً منذ الآن لهذا الامر».
ويشيد بري بالمرّ «الذي لم أختلف معه منذ عام 1991، حيث كنّا ولا نزال على الموجة ذاتها، تجمعنا مقاربة مشتركة للاستحقاقات السياسية والوطنية»، مضيفاً: «اقول على راس السطح إنني منحتُ ميشال المر اكثر من 1600 صوت شيعي في انتخابات المتن، لأنه يستحق ذلك».
ويؤكد بري «انّ من حق أيّ نائب ان يترشّح الى رئاسة مجلس النواب، حتى لو كان مسيحياً»، لافتاً الانتباه الى «انّ الترشيح يمكن ان يحصل قبل جلسة الانتخاب او خلالها».
ومن تفضّل أن يكون في موقع نائب الرئيس؟
يشير بري الى «انّ هناك اسماء عدة متداولة على هذا الصعيد، انما وبمعزل عمّن أفضّل شخصياً، فإنّ الواقعية السياسية تقتضي منّي القول انّ «التيار الوطني الحر» يملك الارجحية في اختيار اسم نائب الرئيس الارثوذكسي، كونه يمثّل ثاني اكبر كتلة نيابية بـ 18 نائباً، بعد كتلة تيار «المستقبل».
وحين يقال لبري انّ «التيار الوطني الحر» يعتبر انّ تكتله يساوي 29 نائباً، يبتسم ويرد: «أنا أقصد النواب المنتمين الى التيار وليس أولئك الذين تمّ تبنّيهم او استعارتهم. أما إذا أردنا ان نتكلم عن تكتلات واسعة، فأنا استطيع إنشاء تكتل يضم أكثر من 50 نائباً».
ولدى سؤاله: هل أنت بصدد تكوين مثل هذا التكتل قريباً؟
يتجنّب بري إعطاء رد جازم وحاسم، تاركاً كل الاحتمالات مفتوحة، بقوله: «إذا أرادوا السلم انا له، وإذا ارادوا الحرب (السياسية) أنا لها».
وعندما نسأل رئيس المجلس عمّا إذا كان قد تمّ الاتفاق، خلال تأليف الحكومة الحالية، على اعتماد مبدأ المداورة بنحو دائم في توزيع الحقائب الوزارية؟ يجيب: «ليس هناك ايّ اتفاق سابق من هذا القبيل، وانا أجزم بذلك».
وما ردّك على قول الوزير السابق وئام وهاب انك تتحمّل جزءاً اساسياً من المسؤولية عن خسارته في الانتخابات؟
يستغرب بري بشدة هذا الاتهام «المُجافي للحقيقة»، مؤكداً عدم حصول أي اتصال او صفقة بينه وبين النائب وليد جنبلاط في شأن نتائج انتخابات الشوف، كما رَوّج رئيس حزب «التوحيد العربي». ويتابع ضاحكاً: «أصلاً، إحتجتُ الى نحو عام حتى تمكنتُ من حفظ اسم وئام وهاب، وانا لم أكن أعلم أنه ترشّح حقاً».
ثم لا يلبث ان يستعيد جديته، مشدّداً على انه قرر منذ البداية «أن تَصبّ الاصوات الشيعية التي يَمون عليها في الشوف للمرشّح نعمة طعمة، وهذا ليس سراً، تماماً كما جاهرت بأنّ أصواتنا في المتن ستذهب الى لائحة ميشال المر».
وما قصة منح أصوات حركة «أمل» التفضيلية في البترون لبطرس حرب؟
لا يتردد بري في الإجابة بصراحة ممزوجة بحسّ فكاهي: «نعم… لقد طلبتُ من مناصري الحركة في البترون دعم بطرس حرب نكاية بالبعض ممّن حاول أن يعبث بساحتنا في الجنوب». ويتابع: «لقد ذهب أحدهم الى مغدوشة على رغم من انه ليس لديه أيّ مرشح حقيقي على اللائحة المنافسة لنا في دائرة صور – الزهراني، وتبنّى مرشحاً ينتمي الى المجتمع المدني، فقط للتشويش، فكان لا بد من ان نردّ في البترون ولَو من باب النكاية».
وبينما يعتبر بري انّ عدم فوز نقولا فتوش في زحلة «يشكّل خسارة لمجلس النواب»، يلفت الانتباه الى «انّ حركة «أمل» دعمت بصدق وبقوة المرشح حسين زعيتر في جبيل»، مشيراً الى «انّ أوّل اجتماع انتخابي ترأسته في عين التينة، خَصصته لملف جبيل – كسروان، وقد أبلغت يومها الى المعنيين في الحركة انّ حسين زعيتر يعادل نبيه بري، إلّا انّ الخطاب الطائفي والتحريضي الذي تمّ استخدامه في المنطقة حال دون تَمكّنه من نيل الحاصل الانتخابي».
وعن تعليقه على إعلان الوزير جبران باسيل عن نيته استبدال اسم وزارة «الخارجية والمغتربين» بـ«الخارجية والمنتشرين»، يشير بري الى «انّ تعديلاً من هذا القبيل يحتاج الى قانون»، موضحاً أنه يفضّل «ان تكون هناك وزارة خاصة بالمغتربين»، ولافتاً الانتباه الى «انّ الأصح هو الابقاء على هذه التسمية، لأنّ معنى «المغترب» انه في غربة عن وطنه، بينما «المُنتشر» يعكس دلالة أخرى توحي بأنه يضيع في الجغرافيا الواسعة».
(الجمهورية)