*لينا الخطيب :
منذ أن أرسل الرئيس دونالد ترمب تلك التغريدة المصيرية عن هجوم يَلوح في الأفق على سوريا كعقوبة على استخدام الأسلحة الكيماوية من قِبَل نظام الأسد، والعالم يترقب الخطوة التالية. قبل تغريدة ترمب، لم يكن العمل العسكري من قِبَل الغرب، بالضرورة، جزءاً من حل النزاع في سوريا. ولكن بالتأكيد كانت هناك حاجة إلى إرادة سياسية من جانب الولايات المتحدة على وجه الخصوص -باعتبارها القوة العظمى الوحيدة القادرة على ممارسة ضغط شديد على الوسيط الرئيسي في سوريا، روسيا- لإحضار الأطراف المتحاربة إلى طاولة المفاوضات.
ولكن بمجرد أن أعلن ترمب أنه سيعاقب بشار الأسد عسكرياً، كان عليه أن يتابع في ذلك المسار، لأنه لو لم يفعل فإن ذلك كان سيشكل ضربة كبيرة لمصداقية الولايات المتحدة. وأظهر استخدام الأسلحة الكيماوية في دوما أن صواريخ ترمب التي أُطلقت على أهداف للنظام العام الماضي رداً على استخدام الأسلحة الكيماوية في خان شيخون لم تمنع الأسد من تكرار الفعل. والهجوم المحدود المماثل من قبل الولايات المتحدة وحلفائها في حالة الغوطة، أي لمرة واحدة، لن يحقق الكثير.
والحقيقة هي أن العقوبة العسكرية بمفردها، بغض النظر عن حجمها، لن تُنهي النزاع في سوريا. فبقاء القوات الموالية للأسد وقوات المعارضة (على الرغم من التغييرات في تكوين المعسكرين) بعد سبع سنوات من الصراع، يُظهر أنه لا يمكن لأي كيان الفوز في الحرب السورية عسكرياً.
لكنّ هذا لا يعني أنه فات الأوان لفعل أي شيء لإنهاء الصراع السوري، كما أصبح من المغري على نحو متزايد أن يدعو البعض في الغرب إلى بقاء نظام الأسد، خصوصاً في ما يبدو أن هذا النظام يستعيد مناطق من المعارضة في شتى أنحاء سوريا. حجة «لا تفعل شيئاً» تستند إلى أن ترك النظام في مكانه ليس مثالياً، لكنه على الأقل سيجلب الاستقرار إلى سوريا. مثل هذه الحجة ليست مضللة فحسب ولكنها أيضاً خطيرة. لم يصل أي صراع في التاريخ إلى وقت «متأخر جداً لفعل أي شيء». وعدم القيام بأي شيء في حالة سوريا يعني ببساطة السماح بإنهاء مرحلة واحدة من الصراع بينما تمهد الطريق لشيء أكثر دموية في المستقبل.
ومع ذلك، فإن ما يمكن عمله بشأن سوريا قد تغير خلال السنوات السبع الماضية. في البداية، قبل أن تتحول الأزمة إلى حرب، كان من الممكن استخدام الدبلوماسية الدولية للضغط على النظام السوري وإقناعه لتقديم بعض التنازلات للمحتجين. لكن لم تكن هناك إرادة سياسية بين الدول الغربية للقيام بذلك.
عندما تحول النزاع إلى صراع دموي وأصبح من الواضح أن الأسد يسير في مسار الزعيم الليبي معمر القذافي –أي، استخدام رد الفعل العنيف على الاحتجاجات المناهضة للنظام- كان من الممكن إزالته من خلال العمل العسكري، وبخاصة أن دور روسيا وإيران في دعم الأسد في ذلك الوقت كان لا يزال محدوداً. لكن تجربة ليبيا في عام 2011 وقبلها العراق عام 2003 كانت تعني عدم وجود نية في الغرب للتدخل العسكري في سوريا، رغم أن السياقات الثلاثة لم تكن متطابقة. أدى ذلك إلى رفض الأسد الدعوات له بالتنحي واعتبارها مجرد خطابة.
إن تحذير «الخط الأحمر» الفارغ الذي هدد به باراك أوباما في حال استخدام الأسلحة الكيميائية في عام 2013 أضعف مصداقية الولايات المتحدة بشكل خاص والغرب بشكل عام في ما يتعلق بنظام الأسد. وقد واصل النظام استخدام الأسلحة الكيميائية كوسيلة لإجبار قوات المعارضة والمدنيين على الخروج من المناطق الاستراتيجية التي يريد توليها، دون خوف من المساءلة.
حتى لو وسَّع النظام سيطرته في جميع أنحاء سوريا، فإن قوات المعارضة ستستمر في العمل، مسببة عدم استقرار مماثل لما شهده العراق بشكل متقطع منذ عام 2003. وبالمثل، إذا قامت المعارضة على نحو ما بالرد على القوات الموالية للأسد وبدأت بالاستيلاء على معاقل النظام مثل دمشق والساحل الغربي، فلن تستسلم القوات الموالية للنظام ببساطة.
كل هذا يدل على أن الطريق الوحيدة لنهاية الصراع تبقى عبر عملية سياسية لتحقيق انتقال السلطة، الأمر الذي يتطلب من الولايات المتحدة تطوير استراتيجية سياسية لسوريا. الآن وقد التزمت الولايات المتحدة بالعمل العسكري، فإن الهجمات لا يمكن أن تكون سوى وسيلة للوصول إلى غاية، وبتعبير آخر، الطريق إلى ممارسة ضغط كافٍ على روسيا لإقناعها بالموافقة على مفاوضات جادة.
المفاوضات الجادة تعني إعلان موت عملية آستانة ومحادثات سوتشي والتخلي عن الواجهة التي أصبحت روسيا بارعة في عرضها خلال عملية جنيف. ولكي تتصرف روسيا بجدية في المفاوضات، عليها أن تقتنع بأن الولايات المتحدة جادة. ما يعمل لمصلحة الولايات المتحدة هو أن حلفاءها الرئيسيين -المملكة المتحدة وفرنسا والمملكة العربية السعودية- جميعهم متحدون. وهذا يمنحها فرصة فريدة للانخراط في حملة مستدامة تتمتع بتأييد دولي واسع وموجهة ضد القواعد العسكرية للأسد.
على الرغم من أن هناك اقتراحات بأن هجوم الدول الثلاث (الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا) قد يكون حدثاً لمرة واحدة، فإن مثل هذه الحملة يجب ألا يُعلن عن إيقافها حتى توافق روسيا على إجراء محادثات جادة حول الانتقال السياسي في سوريا. في نهاية المطاف، لا تريد روسيا أن يكون موطئ قدمها العسكري على البحر الأبيض المتوسط مكوناً من الركام.
لا ينبغي أن ننسى أن الأسلحة الكيماوية، في النهاية، ليست هي المشكلة الرئيسية في سوريا. إنها من أعراض المشكلة الحقيقية، التي هي وجود نظام الأسد في السلطة. فهذا النظام هو الذي أذن باستخدام هذه الأسلحة في المقام الأول. ولكن لا جدوى من ردع الأسد عن استخدام الأسلحة الكيماوية مع الاستمرار في السماح له باستخدام الأسلحة التقليدية ضد المدنيين والانخراط في أنشطة مثل السجن غير القانوني والتعذيب.
لا يزال هناك مَخرج من الصراع، ويبقى التحول السياسي القائم على الحل الوسط، مع حكومة انتقالية تضم البراغماتيين من معسكرات النظام وغير النظام. وبينما يحلل العالم التداعيات الفورية للهجوم، ينبغي أن ينصبّ التركيز على ما ينبغي أن يحدث على المدى الطويل، مما يؤكد الحاجة إلى العمل العسكري الممزوج مع الاستراتيجية السياسية.
لا يمكن أن يكون هناك سلام في سوريا في حين أن نظام بشار الأسد في السلطة. وما دام بقي هناك، فإن المظالم الأصلية التي دفعت الناس إلى الاحتجاج ضده سوف تستمر في الوجود، إلى جانب ازدياد الشدة بسبب سلوك النظام على مدى السنوات السبع الماضية. لن تتغير معالم هذا السلوك إذا «فاز» النظام: كما أظهر التاريخ، فإن الديكتاتور لا يتحول إلى إصلاحي بين عشية وضحاها.
*رئيسة برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، «تشاثام هاوس» – لندن