عقدت عند الساعة الثانية من بعد الظهر بتوقيت باريس الجلسة الثانية لمؤتمر “سيدر” برئاسة وزير الاقتصاد والمال الفرنسي برونو لو مير تحت عنوان” التطور والنمو والعمالة” الذي استهلها بالحديث عن العلاقات الوثيقة التي تربط فرنسا بلبنان و قال: ان استقرار لبنان بالنسبة لفرنسا امر حيوي وان هذا الحشد الدولي هو لمساعدة لبنان على مواجهة التحديات الكبيرة التي يواجهها. ونامل أن نتمكن على المستوى الاقتصادي من تعزيز الروابط فيما بيننا في الايام المقبلة.
إن انعقاد هذا المؤتمر اليوم في باريس يشهد على إرادة فرنسا ورئيسها في حشد وتعبئة كل المجتمع الدولي من أجل لبنان. جميعنا يعرف الظروف العصيبة والتحديات التي تتربص بلبنان اليوم، وأود أن أعبر عن احترامي وإعجابي بالشعب اللبناني الذي يواجه، بقيادة الرئيس الحريري، هذه التحديات. وأنا أفكر بشكل خاص بآثار الأزمة السورية وتبعاتها على اقتصاد لبنان وشعبه.
وأضاف: “إن الدعم الذي تقدمه فرنسا في هذه الظروف الصعبة ليس سياسيا ومعنويا فقط بل أنه يترجم بطريقة ملموسة عبر المشاريع الاقتصادية. ففرنسا هي في طليعة الدول المانحة ، على المستوى الثنائي كما على مستوى الاتحاد الأوروبي. ونحن سعداء اليوم برؤية كل شركاء لبنان الرئيسيين على المستوى الثنائي والمتعدد الأطراف، مجتمعين من أجل دعم اعادة نهوض الاقتصادي اللبناني”.
واعتبر الوزير الفرنسي أنه وعلى الرغم من ان خطة السلطات اللبنانية بسيطة الا انها طموحة ومبتكرة، وقال: “ندخل مؤتمر “سيدر” باستراتيجية أكثر فاعلية تقوم على خطة استثمار وإصلاحات هيكلية يدعمها عدد من الدول والمنظمات الدولية. أن مشاركة المنظمات التمويلية أمر جيد بالنسبة إلى لبنان والاقتصاد اللبناني والمجتمع الدولي الملتزم بمساعدة لبنان. ويجب أن تتقدم الاستثمارات والإصلاحات بشكل متواز، لأنها الطريقة الوحيدة التي ستسمح بانتعاش لبنان. وهنا أحيي برنامج الإنفاق الاستثماري الذي عرضته الحكومة اللبنانية والذي أعتقد أنه يستجيب لاحتياجات الاقتصاد اللبناني في مواجهة التحديات. وقد حظي هذا البرنامج بدعم صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وقد تم تحديد القطاعات والمشاريع الرئيسية التي سوف تعزز النمو وخاصة، تعزيز البنى التحتية في الكهرباء والنقل، وهذه هي المحركات الرئيسية للتنمية الاقتصادية في لبنان وخاصة في مجال الصناعة التي تخلق فرص العمل المباشرة وغير المباشرة في قطاع الخدمات”.
ولفت لو مير إلى أن الحكومة اللبنانية تعرف، وفرنسا تؤيد هذا التشخيص وبأن الوضع القائم لا يطاق، وهو يؤدي إلى تدهور البنى التحتية والخدمات العامة ومستوى التنمية الاقتصادية في البلاد. لذلك لا بد من الإصلاحات الهيكلية للنمو الاقتصادي وتصحيح المالية العامة وتعزيز قدرة البلاد على استقطاب عدد أكبر من المستثمرين والشركات الخاصة. هذه هي استراتيجية لبنان وهي تتناسب تماما مع ما نفعله اليوم في فرنسا. هذا الأمر سيسمح بتحسين مناخ الأعمال، وهذا مطلب لا بد منه: الشفافية في استدراج العروض، مكافحة الفساد والتحكيم الدولي، وهذا كفيل بأن يسمح بإطلاق عجلة الاقتصاد. ومع هذه الإصلاحات وتحديث إجراءات تنفيذ المشاريع سيتم تنفيذ أهداف البرنامج الاستثماري. وهذه الإصلاحات ضرورية لكي يتمكن القطاع الخاص من أن يكون مشاركا في هذه الاستثمارات”.
وأضاف: “الحكومة اللبنانية مدركة تماما أن هذا ضروري لإقامة عهد من الثقة بين لبنان والمجتمع الدولي، وكل هذه الأمور هي شرط لا بد منه لنجاح برنامج الإنفاق الاستثماري. لهذا السبب، لبنان بحاجة إلى دعم المجتمع الدولي، والسلطات اللبنانية قد أرسلت الى المجتمع الدولي إشارات إيجابية جدا عن إرادتها في مواجهة هذا التحدي. وأود أن أشكر الرئيس الحريري على ذلك”.
وتابع: “إن إقرار موازنة العام 2018 وتبني البرلمان اللبناني لقانون المياه الأسبوع الماضي هي إشارات عملية على تصميم وحزم الحكومة اللبنانية المضي قدما نحو الإصلاحات الهيكلية، ونتمنى لهذه الهيكلية أن تستمر وأن يتم تبني الإجراءات الأخرى سريعا، مثل توقيع المراسيم المتعلقة بالخصخصة والشراكة بين القطاعين العام والخاص. ويجب أن يتأكد لبنان أن فرنسا والمجتمع الدولي يدعمان المزاوجة بين الإصلاحات والاستثمارات. ونحن لن نألو جهدا في مساعدة اللبنانيين على تنفيذ هذه الإصلاحات”.
وكما أكد رئيس الجمهورية في اجتماع مجموعة الدعم للبنان في كانون الأول الماضي، فإن فرنسا تحملت دائما مسؤولياتها في الوقوف الى جانب لبنان، وهي سوف تفعل ذلك مجددا اليوم بمناسبة هذا المؤتمر، وهي ستقدم 550 مليون يورو على فترة 4 سنوات، من 2019 و2022 لمساعدة لبنان، 400 مليون يورو قروض سيادية ميسرة و150 مليون منح لمشروعات ثنائية عن طريق الوكالة الفرنسية للتنمية. وهذه إشارة عملية على دعم لبنان وحكومة الرئيس الحريري في تنفيذ هذه الإصلاحات الهيكلية. ونحن نتمنى أن يتحمل كل شركاء لبنان مسؤولياتهم، لأن لبنان يمكن أن يكون قطبا للاستقرار في المنطقة، وهو لن يكون كذلك إلا إذا نجحت الخطة الاستثمارية وكان المستثمرون حاضرون”.
وختم قائلا: “مؤتمرنا اليوم هو نقطة انطلاق لتنفيذ استراتيجية تختلف عن الاستراتيجية السابقة. لم نعد في منطق المنح بل تحول جذريا لكي ينطلق لبنان على أسس متينة. وللمرة الأولى سوف يتم إدخال آلية لمتابعة التزاماتنا لكي نضمن مساهمة الأطراف في المدى الطويل، وهذا برهان على الجدية وهي ضرورة للنجاح، وتشجيع إضافي للمستثمرين على المشاركة في برنامج الإنفاق الاستثماري والإصلاحات”.
من جهته تحدث الرئيس الحريري فقال:
اود ان اشكر الوزير لو مير على كل ما تقوم به فرنسا من اجلنا ، واشكر السفير بيار دوكان الذي قام بعمل جبار معنا وكان دائما في الطائرة يتوجه الى لبنان ويشجع الجميع على وضع اللمسات الاخيرة على هذا البرنامج.
كما قلت ان لبنان بلد صغير جدا جدا وهو يستقبل 1،5 مليون لاجئ سوري وحوالي 200 الف لاجئ فلسطيني وربما 100 الف لاجئ من جنسيات اخرى، وبالتالي فاننا نتحمل عبئا كبيرا لكننا نتحمل مسؤولياتنا فيما نقوم به لاننا نؤمن بان لبنان له تاريخ، فقد كان في الماضي فريسة للحرب الاهلية ، ونحن كنا في فترة ما لاجئين، لذا فاننا نفهم هذه الامور، ونستقبل هؤلاء الناس لاننا نؤمن بالانسانية وبان هذا واجبنا.
ولكن هذا لا يعني انه يمكننا ان نقوم بذلك الى ما لا نهاية خدمة للمجتمع الدولي ونعتقد ان على هذا المجتمع مسؤولية تجاه لبنان و المنطقة فيما يخص هذه الخدمة المدنية التي نسديها.
اضاف: لقد تكلمنا كثيرا عن الاصلاحات خلال هذا المؤتمر، ونعتقد ان هذه الاصلاحات جيدة للبنان ونريد ان ننفذها لاننا نؤمن بانها جيدة للبنان وانه لا يتعين علينا ان نتكلم عنها فقط، بل يجب ان ننفذها . لقد تبنت هذه الحكومة قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وتمكنت حكومتي بعد تسع سنوات من عدم اجراء انتخابات برلمانية من تبني قانون جديد للانتخابات، وبعد اثني عشر عاما من الانقسام في البلد تمكنت الحكومة من اقرار موازنتي العام 2017 و2018 وحكومتي تعمل اليوم في هذا المؤتمر لتبني برنامجا يكون شاملا.
الفرق بين هذا المؤتمر والمؤتمرات السابقة هو اننا اليوم نركز على مشاريع قابلة للتنفيذ والاستثمار، وهي ستكون كذلك بفضل الاصلاحات والعمل الوثيق الذي قمنا به مع البنك الدولي لنتاكد من ان اي برنامج نتبناه سيكون برنامجا عمليا قابلا للتنفيذ.
وانا اشدد هنا على اهمية ايجاد الية عملية لمتابعة تنفيذ ما سيتم التوصل اليه اليوم في نهاية المؤتمر