في مؤتمر «سيدر» الذي سيعقد يوم الجمعة في باريس برعاية الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، تقدم الحكومة اللبنانية رؤيتها لـ«الاستقرار والنمو وفرص العمل» إلى جانب مستندات أخرى ستعرضها «المستقبل» تباعاً. هذه الوثيقة التي تقع في 17 صفحة، تعرض للركائز التي يجب أن تستند إليها رؤية الحكومة للنهوض بالاقتصاد، وتنشر «المستقبل» في ما يلي أبرز ما جاء فيها:
مقدمة الوثيقة تشير إلى أنه أثناء مؤتمر بروكسل حول دعم مستقبل سوريا والمنطقة الذي عقد في نيسان 2017، حدّدت الحكومة اللبنانية رؤيتها لتحقيق الاستقرار والتنمية في لبنان ونهجها في تخفيف آثار الأزمة السورية، بدعم من المجتمع الدولي، وذلك من خلال توسيع آفاق التوظيف وتحقيق الانتعاش الاقتصادي ووضع الأسس للنمو المستدام على المدى المتوسط إلى الطويل. وأشارت الحكومة في حينه إلى أنها تقوم بإعداد برنامج طويل الأجل للاستثمار الرأسمالي (CIP) تسعى من خلاله إلى الحصول على تمويل من المقرضين والمانحين لمشاريع جديدة، بما في ذلك المقرضين غير التقليديين والمانحين بشروط ميسرة، فضلاً عن الضمانات وأدوات التأمين المتاحة التي يمكن أن توفرها المؤسسات الدولية والثنائية والتي تعزز مشاركة القطاع الخاص في الاستثمار في البنية التحتية.
وفي المقدمة أيضاً، فإن الحكومة أعربت عن امتنانها لأن حكومة فرنسا وافقت على عقد مؤتمر «سيدر» في 6 نيسان 2018، والذي تقدم فيه حكومة لبنان ليس فقط برنامج الاستثمار الرأسمالي (CIP) الخاص بها، ولكن أيضاً رؤيتها للاستقرار والنمو المستدام وخلق فرص العمل. تستند رؤية الحكومة إلى ما هو أبعد من زيادة الاستثمارات في البنية التحتية، ضمن إطار مالي شامل وإطار لمعالجة الدين، مع دور متنامي للقطاع الخاص، من خلال إصلاحات قطاعية للمساعدة في ضمان تحقيق فوائد الاستثمارات بالكامل، وإصلاحات هيكلية كأساس للحوكمة الرشيدة وتوسيع نشاط القطاع الخاص مما يؤدي إلى نمو اقتصادي مطرد، ووضع استراتيجية لتنويع القطاعات الإنتاجية والخدمية اللبنانية وتحقيق إمكاناتها التصديرية.
الأزمة السورية وتأثيراتها
ويتحدث التقرير عن انعكاسات الأزمة السورية على الوضع الاقتصادي في لبنان وما خلّفته من مخاطر على استقرار لبنان. فالنمو تراجع بشكل حاد من متوسط 8 في المئة في السنوات الثلاث التي سبقت الأزمة التي بدأت في العام 2011، إلى ما نسبته 1 في المئة في 2016 و2017. كما تراجعت الصادرات بنحو الثلث، وبات أكثر من 200 ألف لبناني في حالة فقر، وهي أرقام تضاف إلى المستويات المسجلة السابقة، ونحو 250 الفاً إلى 300 ألف عاطلين عن العمل وخصوصاً في فئة الشباب، ما أدى إلى تضاعف نسب البطالة وبلوغها نحو 20 في المئة. أما نسب البطالة بين الشباب فوصلت إلى 30 في المئة.
وفقاً لتحديث عن تقييم الأثر الاقتصادي والاجتماعي الذي وضعه البنك الدولي في عام 2017، بلغت التكلفة التراكمية على لبنان منذ بداية النزاع السوري، من حيث خفض معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي، 18.15 مليار دولار أميركي حتى عام 2015. وﻗدّر اﻟﺑﻧك اﻟدوﻟﻲ أثرها ﻣن ﺣﯾث اﻧﺧﻔﺎض اﻹﯾرادات اﻟﻣرﺗﺑطﺔ ﺑﻧﻣو ﻣﻌدل ﻧﻣو إﺟﻣﺎﻟﻲ اﻟﻧﺎﺗﺞ اﻟﻣﺣﻟﻲ اﻹﺟﻣﺎﻟﻲ ﺑﻣﺑﻟﻎ 4.2 ﻣﻟﯾﺎرات دوﻻر أﻣيرﮐﻲ ﺧﻼل اﻟﻔﺗرة 2012 – 2015.
ويعود الانعكاس الرئيسي على موازنة الحكومة من حيث النفقات الإضافية والتي تجلت بالتحويلات المتزايدة من الحكومة إلى مؤسسة كهرباء لبنان من أجل توفير الكهرباء للنازحين، والتي بلغ مجموعها حوالي مليار دولار أميركي خلال 2012 – 2016 وفقاً لتقديرات برنامج الأمم المتحدة الإنمائي. وقد تم تمويل العجز المالي المتزايد خلال الفترة 2012-2017 الناتجة عن الأزمة عبر الفوائد المرتفعة والاستحقاقات قصيرة الأجل وأسواق الدين (بالأساس سندات اليوروبوندز). وبلغت الزيادة في الدين العام الناتجة عن تمويل العجز الإضافي المتصل بالأزمة والفوائد المترتبة عليها بين نهاية عام 2011 وعام 2016، نحو 6 مليارات دولار.
ومع انخفاض نمو الناتج المحلي الإجمالي والعجز المالي المتزايد الناجم عن الأزمة السورية الممولة عن طريق الاقتراض بشروط السوق، ارتفعت نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي مرة أخرى إلى حوالي 150 في المئة بحلول نهاية عام 2017، وارتفعت خدمة الدين إلى حوالي 10 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2017 واستحصلت على أكثر من نصف الإيرادات الحكومية.
ويلفت التقرير في هذه النقطة أيضاً إلى تنامي المخاوف من انعكاسات النزوح السوري. فوفق استطلاع اجراه كل من «اليونيسيف» وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، فإن 90 في المئة من الشباب اللبناني ينظرون إلى تهديد اقتصادي أو رمزي من النازحين السوريين الموجودين في لبنان. فزيادة الفقر والبطالة بين اللبنانيين ووجود السوريين العاطلين عن العمل، ولا سيما الشباب منهم، هو وضع يمكن أن يؤدي إلى تزايد الاضطرابات الاجتماعية والعنف ويهدد الاستقرار السياسي والأمني للبلد، وستكون عواقبه محسوسة خارج حدود لبنان.
رد الحكومة
ويقول التقرير إن التحدي الذي تواجهه الحكومة اليوم يتمثل في عكس الاتجاهات الأخيرة في معدلات النمو والفقر والبطالة، بدعم من المجتمع الدولي. وهذ يكون عبر الحصول على المنح والتمويل بشروط ميسرة، تجنباً للمزيد من تصاعد مستويات الديون وخفض عبء خدمة الدين. ويحذر التقرير أنه من دون عكس المؤشرات، فمن المرجح أن تنفجر القنبلة الموقوتة، لافتاً إلى أن الحكومة تحتاج إلى القيام بدور رائد في عكس اتجاه الاتجاهات الاجتماعية والاقتصادية المتدهورة، ولكنها لا تستطيع أن تفعل ذلك دون دعم المجتمع الدولي.
وستساعد الزيادة الحادة في الاستثمار العام على الإسراع في تدعيم الاقتصاد المنخفض، وتعزيز الثقة بالقطاع الخاص في لبنان. وسيتم تعزيز هذه الثقة بشكل أكبر من خلال إشارة واضحة إلى دعم المانحين لبرنامج الاستثمار الرأسمالي بمناسبة مؤتمر «سيدر»، كما جاء في التقرير.
الركائز
وتستند رؤية الحكومة لتحقيق الاستقرار والنمو والعمالة من أجل مواجهة هذا التحدي إلى أربع ركائز:
1 – زيادة كبيرة لمستوى الاستثمار العام على المدى القصير، من خلال تسريع تنفيذ المشاريع التي تم تخصيص قروض أجنبية لها من أجل استيلاد العمالة بسرعة، والشروع في برنامج رئيسي للمشاريع الجديدة للاستثمار في البنية التحتية لإرساء الأساس للنمو على المدى الطويل، مع زيادة دور القطاع الخاص الذي سيخلق فرص عمل أثناء التنفيذ، ويقلل الفجوات الكبيرة الموجودة بين الطلب والحاجة لخدمات البنية التحتية وبين العرض، وزيادة إنتاجية الاقتصاد اللبناني بشكل جزئي بخفض التكلفة على الاقتصاد بسبب الافتقار إلى البنية التحتية الكافية.
2- ضمان الاستقرار الاقتصادي والمالي من خلال التكيف المالي الذي سيتيح التوسع المتوخى للاستثمارات العامة في إطار اقتصادي كلي قابل للتطبيق مع سيناريو دين مستدام.
3- اجراء إصلاحات قطاعية لضمان استدامة استثمارات البنية التحتية، وإصلاحات هيكلية وشاملة لعدة قطاعات لضمان الحوكمة الرشيدة وتأمين تحقيق إمكانات النمو الذي يقوده القطاع الخاص إلى أقصى حد ومستدام. وتشمل هذه الجهود مكافحة الفساد، والحوكمة المالية والإصلاحات، وتحديث وإعادة هيكلة القطاع العام، وتحديث الجمارك، وإصلاحات أسواق رأس المال، وتهيئة الظروف لاستعادة القطاع الخاص في لبنان الذي عادة ما يشكل العمود الفقري للاقتصاد اللبناني الذي تأثر بعدم الاستقرار السياسي وبالأزمة السورية.
4- وضع استراتيجية لتنويع القطاعات الإنتاجية والخدماتية في لبنان وتحقيق إمكانات لبنان التصديرية، مدعومة ببيئة أعمال تمكينية بما في ذلك إزالة الاختناقات أمام استثمارات القطاع الخاص، واستقرار الاقتصاد الكلي والمالي.
* الركيزة الأولى: يشير التقرير إلى أن البنية التحتية في لبنان دُمِّرت بنهاية الحرب بين عامي 1975 و1990. بعد إنجاز برنامج إعادة الإعمار بعد الحرب، انخفض مستوى الاستثمار العام بشكل مطرد إلى حوالي 3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي خلال الفترة 2001-2005 و2 في المئة خلال عامي 2006 و2010. ونتيجة لذلك، كان هناك فعلاً فجوات كبيرة بين الحاجات والعرض قبل بداية الأزمة السورية، لا سيما في قطاعي إمدادات المياه والصرف الصحي. إذ كان هناك نحو ربع الأسر يعانون من شح في المياه وربعهم من غياب شبكات الصرف الصحي ومن انقطاع الكهرباء، مع وجود فجوة تبلغ نحو الثلث بين الطلب والعرض من قبل مؤسسة كهرباء لبنان.
مع تزايد القيود المالية خلال الأزمة السورية، انخفض الاستثمار العام خلال الفترة 2011 – 2017. وبلغت النفقات الرأسمالية 1.4 في المئة فقط عامي 2016 و2017. وفي الوقت نفسه، انخفض معدل الاستثمار الخاص أيضاً من نحو 30 في المئة خلال الفترة 2007-2010 إلى ما يزيد قليلاً عن 20 في المئة خلال الفترة 2011-2015 بسبب الأزمة السورية والأزمة السياسية الداخلية اﻟﺘﻲ حلت محلها اﻵن ﺑﻌﺪ ﺗﺸﻜﻴﻞ ﺣﻜﻮﻣﺔ وﺣدة وطنية ﻓﻲ ﻧﻬﺎﻳﺔ ﻋﺎم ٢٠١٦.
اتسعت الفجوات بين الطلب على البنية التحتية والعرض عليها مع وجود النازحين، لا سيما في قطاع الكهرباء في المقام الأول نتيجة لتوفير الكهرباء للنازحين السوريين بطاقة 480 ميغاواط وفقاً لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، أي ما يعادل ما يقرب من خمس القدرة الحالية. وفي الوقت نفسه، تدهورت البنية التحتية العامة القائمة جزئياً للسبب نفسه، خصوصاً، في قطاع الطرق، مع زيادة حركة التنقل بنسبة 15 في المئة وفقاً لتقديرات البنك الدولي.
وتتمثل الأولوية الأولى الآن في زيادة مستوى الاستثمار العام بشكل حاد من المستويات المنخفضة في السنوات الأخيرة، من خلال التنفيذ السريع للمشاريع التي تم تمديد القروض لها. وتحقيقاً لهذه الغاية، بدأت الحكومة بالفعل في معالجة بعض العوامل الرئيسية التي تسببت في تأخير بدء المشروع.. وصادق مجلس النواب على نحو 400 مليون دولار من القروض خلال العام الماضي. وفي ما يتعلق بالأموال للمشاريع التي قدمت لها القروض الأجنبية بالفعل، فقد قررت الحكومة، وبالتشاور مع مصرف لبنان، إصدار سندات لتمويل الاستملاكات وغيرها بمبلغ 700 مليون دولار أميركي.
ومن أجل تجنب التأخير في بدء مشاريع جديدة نتيجة للتأخير في تصديق مجلس النواب عليها، ولتجنب ضرورة تقديم كل مشروع فردي إلى المجلس النيابي للحصول على موافقة عليه قبل البدء في تنفيذه، تعتزم الحكومة تقديم برنامج الاستثمار العام إلى مجلس النواب في مرحلتيه مع طلب تفويضها بابرام اتفاقيات مع المقرضين الرسميين والمانحين للحصول على قروض بشروط ميسرة. علماً أنه ليس مطلوباً موافقة مجلس النواب على استثمارات القطاع الخاص للبنية التحتية في إطار قانون تنظيم الشراكة بين القطاعين العام والخاص. وستشمل الموازنات لعام 2019 وما بعده مخصصات للأموال المطلوبة لمشاريع البرنامج الاستثماري التي يدعمها المقرضون الرسميون والمانحون.
وسيكون مجلس الإنماء والإعمار مسؤولاً عن تنفيذ عدد كبير من مشاريع البرنامج. كما سيكون مسؤولاً عن تنفيذ المشاريع نيابةً عن الوزارات التي لا تملك سوى قدرات محدودة خاصة بها، بناءً على طلبها. ويصنف البنك الدولي قدرة مجلس الإنماء والإعمار على أنها «جيدة إلى صلبة». وستقوم الحكومة، حسب الحاجة، بالاستعانة بمصادر خارجية لتنفيذ أنشطة المشروع للقطاع الخاص.
ويمثل إعداد برنامج الاستثمار من قبل مجلس الإنماء والإعمار بالتشاور مع جميع الوزارات وموافقة مجلس الوزراء عليها، خطوة مهمة في تحسين تخطيط الاستثمار العام في لبنان. وسيتم استعراض البرنامج وتحديثه على أساس سنوي بحيث يتم تعديله ليعكس أولويات متغيرة من حيث التسلسل وحجم المشروع الناتج عن عمليات التقييم التفصيلية، بما في ذلك تحليل الجدوى المالية وتقييم الأثر البيئي والاجتماعي للمشاريع التي لم يبدأ تنفيذها بعد.
وفي ما يتعلق باستثمار القطاع الخاص في البنية التحتية، فإن اقرار قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص في اب 2017 يضع الأساس لمشاركة القطاع الخاص في تنفيذ برنامج الاستثمار الرأسمالي. وأنشئ للمرة الاولى إطار تشريعي لاعتماد مشاريع الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وهو إطار يتوافق مع المعايير وأفضل الممارسات المعترف بها دولياً.
ويلفت التقرير إلى أن الحكومة اللبنانية طلبت من البنك الدولي وضع تقييم لبرنامج الاستثمار الرأسمالي. في تقييمه، أكد البنك الدولي أن البرنامج يمكن أن يكون أداة فعالة للمساعدة في تعزيز البنية التحتية المستنفدة للبنان، وبالتالي دعم النمو الاقتصادي. وبشكل أكثر تحديداً، خلص التقييم إلى أنه، إذا ما تم تنفيذ البرنامج بشكل جيد، يمكن أن يزيد من إمكانات النمو المستهدفة في لبنان، ويخلق فرص عمل، ويجعل الاقتصاد اللبناني أكثر قدرة على المنافسة. كما أكد التقييم أن اختيار القطاعات ملائم للبرنامج، وان مشاركة القطاع الخاص أمر ضروري.
كما طلبت الحكومة من صندوق النقد الدولي إجراء تقييم لإدارة الاستثمارات العامة لتحديد الخطوات اللازمة لتحسين الإطار المؤسسي قبل تنفيذ مشاريع استثمارية كبيرة، وتقييم المخاطر والتكاليف المالية المحتملة الناشئة عن أي مشاريع شراكة مع القطاع الخاص.
اما حجم التمويل للبرنامج في مرحلتيه الأولى والثانية وكيفية وتوزيعه على القطاعات، فتم تحديدها وفق الجدول المرفق أعلاه (أنظر الجدول في الصور)
إشارة إلى أن المرحلة الاولى محددة بين سنوات 2018 و2021 والثانية بين 2022 و2025، وهي تمثّل مراحل التمويل فقط، بينما من المتوقع أن يستغرق التنفيذ فترة أطول. وﺑﻧﺎء ﻋليه، فان الإنفاق ﻣن اﻟﻘروض اﻟﺟدﯾدة ﻟن يتم ﺣﺗﯽ اﻟﻧﺻف اﻟﺛﺎﻧﻲ ﻣن ﻋﺎم 2019. ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﯽ ذﻟك، ﻣن ﻏﯾر اﻟﻣﺗوﻗﻊ أن ﺗﺗﺟﺎوز الدفعات اﻟﻔﻌﻟﯾﺔ ﻋﻟﯽ المشاريع مبلغ 1.6 ﻣﻟﯾﺎر دوﻻر أميركي ﻓﻲ اﻟﻣﺗوﺳط ﺳﻧوﯾﺎً.
وتتوقع الحكومة أن يتأمن ما نسبته بين 30 في المئة إلى 40 في المئة من حاجات التمويل من القطاع الخاص، منها حوالي 3 مليارات دولار أميركي للمرحلة الأولى، مع مساهمات من تسهيلات القطاع الخاص الاستثمارية للمقرضين الرسميين والمانحين والمؤسسات.
وتقدّر المشاريع الإجمالية التي تلبي متطلبات قانون الشراكة بنحو 7 مليارات دولار أميركي. ورغم ذلك، وفي ضوء المخاطر السياسية أو غيرها من المخاطر التي قد ينظر إليها المستثمرون من القطاع الخاص على أساس التطورات السياسية الماضية في لبنان، فإن الاستثمارات الخاصة يتوقع أن تبلغ نحو 5 مليارات دولار للمرحلتين الأولى والثانية من برنامج الاستثمار العام. وتستند تقديرات الحكومة اللبنانية لاحتياجات التمويل من الجهات المانحة ومن المقرضين الرسميين إلى هذه التوقعات. ويستثنى من ذلك تكلفة استملاك الأراضي التي على الحكومة أن تقوم بها والتي تعتبر كبيرة، لا سيما في قطاع النقل. ولهذا، يقول التقرير، فإن وصول المستثمرين من القطاع الخاص إلى الأدوات المانحة للضمانات والتأمين أو تخفيف المخاطر من شأنه أن يساعد الحكومة على تحقيق هدفها المتمثل في مشاركة القطاع الخاص في البرنامج بحجم التمويل المتوقع.
فرص العمل
وعن انعكاسات البرنامج الاستثماري على خلق فرص العمل، يركن التقرير إلى تقديرات البنك الدولي حول خلق فرص العمل من قبل قطاع البنية التحتية في لبنان، والتي تشير إلى أن كل مليار دولار يتم إنفاقه في مشاريع البنى التحتية يوفر 50 ألف فرصة عمل، باعتبار أن العمالة تمثّل نحو 30 في المئة من تكاليف هذه المشاريع. ففي قطاع الطرق وحده، يقدر معدل خلق الوظائف المباشرة وغير المباشرة بما يقارب 100 الف فرصة عمل لكل مليار دولار من الاستثمارات.
وتقوم الحكومة بإعداد برنامج وطني للوظائف بمساعدة من البنك الدولي، وقد طلبت منه قرضاً بقيمة 400 مليون دولار اميركي، في إطار برنامج خاص بالبنك الدولي. ومن شأن هذا البرنامج أن يساعد على إرساء أسس سياسة الوظائف، وتحفيز خلق فرص العمل من خلال التجارة والاستثمار، وربط الشباب والنساء بالوظائف.
* الركيزة الثانية: تلتزم الحكومة ضبط أوضاع المالية العامة بنسبة 5 نقاط مئوية من الناتج المحلي الإجمالي على مدى السنوات الخمس القادمة (أي نقطة مئوية واحدة سنوياً). وسيتم تحقيق ذلك من خلال إجراءات متعلقة بزيادة الإيرادات، وخفض الإنفاق حيثما أمكن، بما في ذلك خفض التحويلات الحكومية إلى مؤسسة كهرباء لبنان التي تجاوزت 4 في المئة من إجمالي الناتج المحلي في السنوات الأخيرة. ويتضمن مشروع موازنة العام 2018 إجراءات لتعزيز الإيرادات وتدابير لخفض النفقات الحالية (ما عدا خدمة الدين) للسنة الأولى من برنامج ضبط أوضاع المالية العامة، وضمان بقاء العجز الحالي عند مستوى 2017، مع انخفاض متواضع في هذا العجز كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي.
وسيكون الحد من العجز المالي الإجمالي محدوداً في المدى القصير مع الزيادة في مستوى النفقات الرأسمالية، وبالتالي لن تنخفض نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي إلا تدريجياً في السنوات القليلة المقبلة. مع الاشارة إلى احتمالات حدوث انخفاض حاد في العجز المالي ونسبة الدين إلى الناتج المحلي وتحسن في ميزان المدفوعات على المدى الطويل، مع إمكانية اكتشاف النفط والغاز والنفط.
* الركيزة الثالثة: تلتزم الحكومة تنفيذ الإصلاحات التي يطلبها لبنان لتحقيق إمكاناته التنموية، علما أنها بدأت في القيام بذلك خلال العام الماضي في خضم الأزمة السورية. ويتطلب العديد من هذه الإصلاحات إعداداً دقيقاً ومشاورات مع المجتمع المدني وأصحاب الشأن وتوافقات، وفي بعض الحالات موافقة مجلس النواب. كل ذلك يضمن أن تكون الإصلاحات مستدامة. كما تلتزم الحكومة بالاتفاق الذي تم اعتماده مع الاتحاد الأوروبي في تشرين الثاني 2016، وهو ويتضمن التزامات في ما يتعلق بالاستقرار (الأمن ومكافحة الإرهاب)، والحوكمة وسيادة القانون، وتعزيز النمو وفرص العمل. كما تعرب عن التزامها بالمبادرات العالمية، ولا سيما مبادرات الأمم المتحدة في ما يتعلق بأهداف التنمية المستدامة ومنع التطرف العنيف.
ويعرض التقرير للاصلاحات البنيوية التي تم اتخاذها منذ تسلمت الحكومة مهامها في كانون الاول، وتلك التي هي قيد الانجاز أو التي تخطط الحكومة لاتخاذها في المدى القصير إلى المتوسط كـ: مكافحة الفساد، والحوكمة المالية، والحكومة الالكترونية، وتطوير واعادة هيكلة القطاع العام، ومنع التوظيف في القطاع العام، وإصلاحات قضائية، والحوكمة في قطاع النفط والغاز، وتحسين بيئة الأعمال، وإصلاحات تطال الأسواق المالية.
أما عن الإصلاحات القطاعية، فيشير التقرير إلى أن الحكومة ملتزمة اتخاذ الإصلاحات الكفيلة للنهوض بالقطاعات المعنية، وجعلها أكثر كفاءة ومستدامة بما يتماشى مع تقييم البنك الدولي للبرنامج الاستثماري. ويعرض بالتفصيل لما تم والمنوي اتخاذه من إجراءات في قطاعات الكهرباء والنفايات الصلبة والمياه والاتصالات.
* الركيزة الرابعة: استعداداً لتطوير استراتيجية لتنويع القطاعات الإنتاجية والخدماتية، تعاقدت الحكومة مع شركة «ماكنزي» الاستشارية لتحديد القيود أمام توسيع وتنويع القطاعات الإنتاجية والخدماتية في لبنان، وتحديد القطاعات المحتملة التي تتمتع بميزات تفاضلية مع الأخذ في الاعتبار المهارات الموجودة في البلدان الأخرى. وستسفر الدراسة عن توصيات محددة للإجراءات الحكومية والسياسات المطلوبة لتحقيق الإمكانيات المحددة، التي تكمل إجراءات الحكومة المتخذة والمبادرات الجارية لتحسين البيئة المواتية لاستثمارات القطاع الخاص.
ما المطلوب من المانحين والمقرضين؟
تطلب الحكومة من المانحين والمقرضين الدوليين تخصيص مبلغ 7 مليارات دولار أميركي بشروط ميسرة لدعم المرحلة الأولى من البرنامج. ومن أجل تمكين المقرضين من توفير التمويل بشروط ميسرة وزيادة تعرضهم للبنان إلى ما يتجاوز المستوى الذي سيكون مقبولاً لهم إذا لم تكن هذه الشروط متاحة، فان الحكومة اللبنانية تطلب من المانحين المساهمة بمنحة قدرها مليار دولار أميركي إلى برنامج خاص بالتسهيلات الائتمانية تابع البنك الدولي تكون مخصصة للبنان (وهو ما سيمكّن من الحصول على قروض بشروط ميسرة بقيمة 4 مليارات دولار أميركي بحسب شروط لجنة التنسيق العالمية). وتأمل الحكومة أن يقوم الاتحاد الأوروبي بتخصيص تمويل كبير للبنان في إطار خطته للاستثمارات الخارجية. ومن المتوقع أن يتم تمويل الفجوة المتبقية من قبل أصدقاء لبنان.
ويختم التقرير بالقول: «إن الأزمة السورية الآن في عامها الثامن. إن إمكانية عدم الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي حقيقية، كما إمكانية تطرف الشباب العاطل عن العمل، اللبناني والسوري، وذلك رغم جهود القوى الأمنية التي يدعمها المجتمع الدولي. كما أن احتمال قيام النازحين بالبحث عن ملاذ في مكان آخر، مرتفعة. يجب عكس الاتجاهات الحديثة في النشاط الاقتصادي، والبطالة، ووضع النازحين. إن تنفيذ رؤية الحكومة من أجل تحقيق الاستقرار والنمو وخلق فرص عمل الواردة في هذه الوثيقة هو مفتاح هذا التراجع. إن وجود دلالة واضحة وملموسة على الدعم بشروط ميسرة من المجتمع الدولي بمناسبة مؤتمر سيدر سيعطي الأمل في إمكانية تنفيذ رؤية الحكومة بالفعل. وتشير التجارب السابقة إلى أن التوقعات المستوحاة من إشارات الدعم من جانب المجتمع الدولي، وكذلك التطورات السياسية المحلية الإيجابية، هي الطريق إلى الأمام».
(المستقبل)