طيلة الأشهر الماضية، راجت تحليلات وتوقعات في ما عنى التحالفات الانتخابية، لم تصحّ بينها واحدة.
مع إقفال موعد التسجيل النهائي للوائح، تبيّن بشكل في منتهى الوضوح ان “تفاهم مار مخايل” بين “حزب الله” والتيار “الوطني الحر” لم يثمر تحالفاً انتخابياً على الصعيد الوطني العام، بل فقط في دائرتين من 15، وإن كانتا دائرتين مفصليتين للغاية، بعبدا وبيروت الثانية، وحيث تطلّب توحيد المعركة الانتخابية ضد لائحة تيار “المستقبل” في الدائرة الاخيرة، تدخّل “حزب اللهي” لإزاحة المرشح “السوري القومي” في اللحظة الاخيرة.
أما كل الزخم الذي أُعطي لإعلان النوايا وتفاهم معراب بين “القوات اللبنانية” والتيار “الوطني الحر”، والذي أُريد له في الانتخابات البلدية قبل عامين ان يجري “بروفا” تمهيدية للانتخابات التشريعية، فلم يظهر منه شيء يذكر في الانتخابات الحالية. واذا كان الطرفان يؤجلان حتى الآن الحديث عن مصير التفاهم “غير التسونامي” على ما ظهر، مع اتجاه للخشونة الخطابية ظهر في الساعات الاخيرة، فإن اشتداد الاستقطاب كفيل لوحده بتأجيج الحماوة، فهل يبقى إطارها “تحت السيطرة”، أم تذهب أبعد من المتوقع؟
كذلك، بين “المستقبل” و”الوطني الحر”، إذا كان تيار “المستقبل” يخوض الانتخابات على اساس مسعى الحصول على الثقة الشعبية اللازمة للسير قدماً في مسار التسويتين الرئاسية والحكومية، ومن أجل تحسين شروط هاتين التسويتين، وتطوير مفهوم النأي بالنفس وجعله مستداماً، فإن كل الكلام حول التحالف بين “المستقبل” و”الوطني الحر” الذي كان اكثره من باب الحملة على “المستقبل”، ظهر بالنتيجة أن الواقع الانتخابي “اللوائحي” بعيد عنه، وأن المنازلة الديموقراطية قائمة في عدد من ألدّ الدوائر، فيما التحالف قائم في دائرة زحلة، في حين تحالف التيار البرتقالي مع “الجماعة الاسلامية” في صيدا وجزين بوجه “المستقبل”.
إذاً، ثلاثة ارباع السيناريوهات المتخيّلة في نصف السنة الاخيرة نحيت تماماً من السباق الانتخابي عشية تدشين مدة الاربعين يوماً الفاصلة بين تسجيل اللوائح، وانسحاب “البلا لوائح” من السباق، وبين فتح الصناديق للاقتراع.
وفي مقابل عدم تحقق هذه التوقعات، وبعضها سوق في دائرة الكيد والمزايدة السياسية، فإن تنويعة طريفة من التحالفات “المزركشة” سياسياً لوحظت هنا وهناك، وهذه لم تكابر على حيثيتها “الآنية” و”الاضطرارية” و”الظرفية”، بل وجد المنخرطون فيها ان تباعدهم السياسي، وخصوصاً اذا ما كانوا من اقضية مختلفة، الامر الذي يجعل “رحلة جمع الاصوات التفضيلية” غير تفاضلية في ما بينهم. في نفس الوقت، ليس سهلاً بالنسبة إلى كثير من الناخبين الذين يميلون الى اسم في لائحة، وهو مرشح مع اخصامه السياسيين والعقائديين، حسم خيارهم: من ناحية سيعطون الاسم المفضل الصوت التفضيلي، لكن من ناحية اخرى هم مجبرون على انتخاب اللائحة المقفلة ككل، بما لهم فيها وبمن لا يعجبهم من اسمائها، ومن دون ان يكون ثمة جامع برنامجي سياسي بين هذه الاسماء، الا “الظرف”، او “قانون الانتخاب”.
لكن بالنتيجة، هذه التحالفات المزركشة هنا وهناك لا تختزل كل الاستحقاق، ذلك ان الصورة الاجمالية للوائح هي ان القوى السياسية الكبرى في البلد تخوض الانتخابات بشكل منفصل الى حد كبير عن بعضها البعض.
في الوقت نفسه، “التوازي” بين هذه اللوائح المتنافسة ما زال يتحكم بالصورة، لكن ايام قليلة وينقلب المشهد الى ما هو اكثر صخباً، حيث سترتفع حدّة التسييس والسجال في عدد من الدوائر.
ولعل مسار الامور في مناطق المنافسة الانتخابية بين “القوات” و”الوطني الحر”، وبشكل أكثر إجمالاً، انتخابات دوائر جبل لبنان، هو ما ينبغي ان يحظى بالمتابعة في الايام المقبلة، لانه الى حد كبير مؤشر مؤثر على نكهة الاستحقاق ككل.
أما المعركة الانتخابية في الدوائر التي يخوض فيها “تيار المستقبل” السباق فصارت تبدو أكثر فأكثر معركة تحفيز نسبة الاقتراع. كلما كانت نسبة الاقتراع اكبر كلما كان واضحاً ان هذا في صالح “المستقبل” بالدرجة الاولى.
وبالنسبة إلى تحالف “حزب الله” وحركة “أمل”، فقد لوحظ في الايام الاخيرة عدول عن مقولة “صفر اختراق” لصالح تقبل استباقي لخرقين في بعلبك ـ الهرمل، ولخرق ممكن في الجنوب. أما إيثار الحزب تشكيل لائحة له في جبيل كسروان، وبما يحجب الصوت الشيعي الى حد كبير عن لائحة التيار الوطني الحر التي يترأسها العميد شامل روكز، فيما تختلف التقديرات حول امكانية ان تؤمن لائحة الحزب الحاصل الانتخابي، فهذه لا تزال “أحجية” الانتخابات بامتياز، ولعلها لن تجتلى الا يوم اعلان النتائج.
(المستقبل)