… ليس للانتخابات وحدها يكترث لبنان، فثمة غيوم سود تحوم فوق رأسه بمعزلٍ عما ينتظره من صناديق الاقتراع في السادس من مايو المقبل. ها هو النظام السوري (وحلفاؤه)، الذي ربما لم يأخذ على محمل الجد الخطوط الحمر الدولية، لا سيما الأميركية – الفرنسية، يُمْطِر بعض نواحي الغوطة الشرقية بـ «الفوسفور الأبيض»، في الوقت الذي يمضي دونالد ترامب في «عسْكرة» خياراته عبر تعيين أحد أشهر «الصقور» عدائيةً لايران، جون بولتون (الحائز درع «ثورة الأرز» في 2006) مستشاراً للأمن القومي بعد الاتيان بمدير الـ C.I.A مايك بومبيو وزيراً للخارجية.
فلبنان، الذي جَعَله «حزب الله» منصةً متقدمة لمشروع إيران الإقليمي، يفْرك يديه الآن، مع تَعاظُم خطر مواجهةٍ كبرى في المنطقة. فالولايات المتحدة التي تلوّح بإمكان الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران في مايو في سياق هجومٍ لمحاصرة نفوذ طهران في المنطقة، باتت على تَناغُم مع الأولويات السعودية خلال زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لواشنطن، والتي خلصت الى تعاون مشترك على قاعدة تفاهمات كان لإيران «حصة الأسد» فيها.
ويزداد «سوء الحظ» اللبناني من جراء قرقعة الحرب من حوله، عبر الخشية من سقوط المساكنة الاقليمية فيه، في اللحظة التي تعاند بيروت خطر الانهيار المالي ولو بعد حين. فلم يكن تفصيلاً اعلان البطريرك الماروني الكاردينال مار بشاره بطرس الراعي امس ان رئيس الجمهورية ميشال عون قال له ان «البلد مفلس»، في اشارة الى المصاعب الفعلية الناجمة عن الاختلال المالي والاقتصادي.
هذا الواقع «المأسوي» ضاعف في بيروت الإهتمام بمؤتمرات الدعم الدولية للبنان وكأنها «الخرطوشة الأخيرة». فبعد مؤتمر روما لدعم الجيش يجري التحضيرات على قدم وساق لمؤتمر «سيدر -1» في باريس في 6 ابريل المقبل، وهو دعمٌ يستند في جانبٍ منه الى ضمانات يريدها المجتمع الدولي من الحكومة اللبنانية كـ «النأي بالنفس» والالتزام بمناقشة الاستراتيجية الدفاعية، أي مصير سلاح «حزب الله».
وكان لافتاً تكرار الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصر الله «ربْط النزاع» مع مؤتمرات الدعم ولا سيما باريس محذّراً «من تركيب 17 ملياراً من الديون الجديدة على لبنان والتي ستأتي إلينا بشروط البنك الدولي»، ومهاجماً الرياض وواشنطن ومتّهماً إياهما بالوقوف وراء ترتيب التحالف بين «تيار المستقبل» و«القوات اللبنانية» في دائرة بعلبك – الهرمل لمواجهته، وموضحاً ان ما قاله عن استعداده للذهاب شخصياً إلى البقاع لدعم لائحة المقاومة «كلام جدي»، ولافتاً إلى أنه أبلغ المسؤولين عن حمايته بهذا الأمر، ليأخذوا في حسبانهم استعداده للمخاطرة الأمنية.
وفي مقابل كلام نصر الله كان الرئيس اللبناني العماد ميشال عون يؤكد أن «العلاقات اللبنانية – السعودية عادت الى ما كانت عليه ايجابية وطبيعية جداً»، مُطَمْئناً أعضاء مجلس الأعمال اللبناني – السعودي الى أن «ما من أمر يمكن ان يكدِّر العلاقات بين البلدين»، ومعرباً عن سروره لأن «الأمور باتت إيجابية مع المملكة»، ومضيفاً: «صحيح ان حدَثاً معيناً حصل لكننا تخطيناه معا، والعلاقات الثنائية عادت الى ما كانت عليه بشكل طبيعي جداً جداً، ولطالما كانت كذلك منذ القدم، وهو أمرٌ ينطبق كذلك على الأشقاء الخليجيين بشكل عام. ونحن منفتحون على كافة أشكال التعاون المشترك، سواء كان اقتصادياً أم تنموياً أم غير ذلك»، مذكّرا «بأن أول زيارة قمتُ بها كرئيس للجمهورية، كانت زيارة تقدير ومحبة الى المملكة».
وجاءت مواقف عون غداة تأكيد رئيس البعثة الديبلوماسية السعودية في لبنان الوزير المفوّض وليد بخاري أن «العلاقات الاقتصادية السعودية – اللبنانية ستشهد في الفترة القريبة تطورات إيجابية مهمة من شأنها أن تمهّد لعودة العلاقات بين البلدين إلى عصرها الذهبي»، مشدداً على «حرص المملكة الدائم على سيادة لبنان واستقراره السياسي والأمني وعلى ازدهاره الاقتصادي، والمملكة كانت ولا تزال وستبقى على مسافة متساوية من جميع الأطراف في لبنان».
ولم تحجب هذه المواقف الاهتمام بإعلان اللوائح التي ستخاض من خلالها الانتخابات النيابية (قبل ساعات من انتهاء مهلة تسجيلها منتصف ليل الاثنين – الثلاثاء) والتي «تكرّ سبحتها» تباعاً. وكان الأبرز على هذا الصعيد أمس إطلاق رئيس الحكومة سعد الحريري لائحة «تيار المستقبل» التي يترأسها في دائرة بيروت الثانية، على ان يليها اليوم إعلانه شخصياً لائحة التيار عن دائرة عكار، ليختتم نهاية الأسبوع بعد ظهر غد بإعلانه وبحضوره لائحة «المستقبل» عن دائرة طرابلس – المنية – الضنية.
(الراي)