لم يعد يفصل لبنان سوى 46 يوماً عن الانتخابات النيابية المحدَّدة في 6 مايو المقبل، الشهر الذي ينْطبع محلياً باستحقاقٍ تَأخّر موعده خمسة أعوام فيما يُنْذِر إقليمياً ودولياً بتطوراتٍ يمكن أن تضع المنطقة «المُحْتَرِقة» أمام منعطفات جديدة.
وفي حين يَمضي لبنان باستعداداته لملاقاة الانتخابات التي تطلّ على المشهد المتفجّر في المنطقة والتي لن يكون ممْكناً قراءة نتائجها إلا «على مقياس» حرب النفوذ فيها، فإن «المسرح» الاقليمي – الدولي لاستحقاق 6 مايو يشي بتطوراتٍ قد تكون مفصلية في سياق رسْم مساراتٍ جديدة للأزمات المشتعلة، سواء في سورية أو اليمن، كما لـ «صراع الجبابرة» الذي يدور على «ملاعب النار» المترامية.
وإذ يَغْرَق اللبنانيون في النصف المَحلي من «الكوب الانتخابي»، فإن نصفه الخارجي يبدو مفتوحاً على تحوّلات «يحبل» بها «الربيع الساخن» وتحديداً مايو الذي تَتزايد التقارير الغربية حول ما تحمله أجندته وصولاً إلى وصْفه بأنه شهر «الغضب الآتي»، سواء من بوابة احتمال أن يعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني أو تداعيات الإعلان المرتقب عن نقل السفارة الأميركية من تل أبيب الى القدس، ناهيك عن ترقُّب نتائج القمة التاريخية بين ترامب وزعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون، وأيضاً الإنتخابات العراقية، وكل ذلك على وهج وضْع خيار الضربة العسكرية سواء لمواقع حكومية في دمشق أو للقوات الموالية لإيران في سورية وربما لبنان على الطاولة.
ومن هذه الزاوية التي تَعْكس أن المواجهة الأميركية مع إيران ونفوذها في المنطقة، والتي تشكّل نقطة تَقاطُع رئيسية بين واشنطن والرياض ودول أخرى، يمكن تفسير بعض الأبعاد التي تكتسبها الانتخابات النيابية في لبنان ولا سيما بالنسبة إلى «حزب الله» الذي يُعتبر «الذراع الرئيسية» العسكرية والأمنية الأبرز للمشروع الإيراني في المنطقة.
ولعلّ دائرة بعلبك – الهرمل البقاعية تختصر البُعد الأهمّ لاستحقاق 6 مايو الذي يكاد أن «يخلو» من طابع «الانقسام العمودي» سياسياً ما خلا في هذه المنطقة التي تُعتبر «قلعة» حزب الله الذي يواجه فيها تحدياً مزدوجاً يتمثّل في حماية هذه «الخاصرة الرخوة» الانتخابية التي تشهد حالة اعتراضية من بيئة الحزب ضدّ بعض الترشيحات وبوجه ما اعتُبر «تقصيراً» من النواب في تلبية احتياجاتها، في موازاة «حشْد» خصوم الحزب لمحاولة تسديد ضربة «موجعة» له فيها تقاس نتائجُها سياسياً على قاعدة «أن إسقاط مرشح شيعي في دائرة بعلبك الهرمل يساوي 127 نائباً» كما نُقل قبل أيام عن الامين العام لـ «تيار المستقبل» أحمد الحريري.
وفي حين يُنتظر أن يكمل الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصر الله في كلمةٍ له اليوم تظهير البُعد الاستراتيجي للاستحقاق الانتخابي وعملية استنهاض القواعد تحت سقف ما كان أعلنه في الأيام الماضية حول معركة بعلبك – الهرمل وصولاً الى اعلانه «مستعد للتوجه شخصياً إلى البقاع»، لإنجاح لائحة الثنائي الشيعي مهما كانت الأثمان ولو تعرّضتُ للخطر… ولن نسمح بأن يمثل حلفاء«النصرة»و«داعش»أهالي بعلبك – الهرمل، فإن نجاح خصوم الحزب ولا سيما «تيار المستقبل» (يقوده الرئيس سعد الحريري) وحزب «القوات اللبنانية» في التوافق على تحالفهما في هذه الدائرة وتحييدها عن «اشتباكهما» حول دوائر أخرى ثبّت المعنى السياسي الكبير للمواجهة التي سيشهدها «عرين حزب الله».
وجاء تأكيد تَحالُف «المستقبل» – «القوات» في بعلبك – الهرمل، كما إعلان انضمام مرشح «القوات» وهبي قاطيشا الى لائحة الأول في عكار (الشمال) التي سجلت أمس تطوراً بارزاً بإعلان النائب خالد الضاهر عزوفه عن الترشح فيها لمصلحة «المستقبل»، على وقع مفارقة إصرار «القوات» على إعلان أن المفاوضات الانتخابية مع «المستقبل» انتهت وتوقفتْ حول الدوائر الأخرى محمّلة الأخير مسؤولية هذا الأمر «بعدما أبلغت المراجع الرسمية في «المستقبل» الوزير ملحم رياشي ان التحالف في دائرة صيدا ـ جزين غير وارد، وبعدما اقترح «المستقبل» على «القوات» ترشيح شخصية ارثوذكسية في البقاع الغربي بدل مرشحها إيلي لحود عن المقعد الماروني، وبعدما حسم «المستقبل» عدم إمكان التحالف في بيروت وزحلة بسبب تحالفه مع «التيار الوطني الحر» (حزب الرئيس ميشال عون) وحزب «الطشناق»، وبعدما حسم «المستقبل» قرار ترشيح نقولا غصن في دائرة الشمال المسيحية على لائحة الوزير جبران باسيل».
(الراي)