أحمد الغز:
أشعر مثل كثيرين في لبنان بالهامشية وعدم الأهمية، فلا احد يخاطبنا في الموضوعات السياسية والثقافية والاقتصادية, الاجتماعية، ولا احد يحاول ان يفهم هواجسنا وتطلعاتنا، وحتى المرشّحين لا يعتبروننا من الناخبين، ولا أحد يحاول اقناعنا او استقطابنا، وكتّاب المقالات لا يعتبروننا من القرّاء، والحديث يطول عن البرامج التلفزيونية وصناعة الوهم لدى عموم الناس. ولا اعرف كيف أصبحنا هامشيّين وغير جديرين بالتخاطب او التواصل كما يفترض بين البشر العقلاء الأسوياء.
لا اعرف لماذا اهل السلطة يهزأون عندما نحدّثهم عن التاريخ والثورات والانجازات والتجارب والتحولات والصراعات، وعن نجاحات وعثرات التجربة اللبنانية، وعن العصبيّات الطائفية والمذهبيّة والعائليّة التي منعتنا من الانصهار في مجتمع وطني واحد قادر على انتاج دولة المواطنية الحديثة؟ ولا اعرف لماذا يفضلون التجمعات الآنية والدولة المؤقتة والصداقة المؤقتة والحب المؤقّت والشراكة المؤقتة، ولا اعرف لماذا يخافون التماسك المجتمعي والدولة القوية؟
الغريب ان دعاة الحرية في لبنان يكرهون الأحرار، ودعاة التقدم والازدهار لا يحبّون اصحاب الافكار والأحلام، ورعاة الثقافة يحتقرون المواهب والابداع، ورجالات الدولة ومنذ مئة عام يعِدون الناس بالعبور الى الدولة المستحيلة وكأنّها هدف صعب المنال، والأشد غرابة هو ان دعاة الاعتدال هم الاكثر عدائية مع المودة والتسامح والوصال. والغريب ايضا ان قادة لبنان يحتفلون بموت المفكرين والشعراء والأدباء والعلماء الى حدّ المشاركة في الجنازات ويتنكّرون للمفكّرين والمبدعين الاحياء.
اخجل من نفسي لانني اعرف الكثير ولم أضع حتى الآن النقاط على الحروف وان اسمّي الأشخاص بأسمائهم، وكيف شاهدتهم عن قُرْب من على ذلك الهامش الطويل الذي سلكته بين الخطأ والصواب، والحلال والحرام، واحترام الرأي والرأي الآخر، واحلام دولة القانون والعدالة والمساواة، حيث يستقر الافراد وتنتظم المجتمعات وتتكون الدول والمؤسسات، ولكن في لبنان ومع الأسف الشديد فإن الدولة اللبنانية المؤقتة هي الاساس وبدون قواعد، فالمواطنة مؤقتة، والصداقة مؤقتة، والحب مؤقت، والدائم في لبنان هو ان تسرق وتنهب المال العام، وأن تكره كي تبقى، وأن تكذب ليل نهار، وأن تسحق الطوائف الاخرى كي تبقى طائفتك بخير وسلام ولو على حساب كل الاطفال في لبنان.
لا اعرف لماذا يعتقدون اننا هامشيون اموات فلا يخافون من اصغائنا الى تفاهاتهم وادعائهم وارتجالهم ووقاحتهم في الحديث والخطاب، ولا من مشاهدتنا لارتكاباتهم امام اعين الجميع وفي وضح النهار، ولا اعرف كيف يتوهمون ان كلّ لبناني فاسد وكل لبناني لا يميّز بين الخطأ والصواب، ولا اعرف كيف يستطيع هؤلاء المؤقتين العيش خارج المكان والزمان ويعتقدون بأنهم كل شيء ومن بعدهم الطوفان، ولا يعرفون ان الانسان هو الانسان في الصين وباريس واليابان وايضا في لبنان، وان الدولة اللبنانية المؤقتة غير قابلة للحياة، والارض لا تكفّ عن الدوران.
ahmadghoz@hotmail.com