العميد الركن خالد حماده:
يطلق رؤوساء الكتل السياسية مسميّات وعناوين شتّى لحملاتهم الإنتخابية تيمّناً بالنماذج الغربيّة وتحديداً الحملات الرئاسية الأميركية، العناوين المستخدمة لشحذ الهمم تنطلق من فرضية الذاكرة القصيرة للمواطنين. يقدّم كلّ من رؤساء الكتل فريقه وكأنّه المخلّص القادم من رحم المعارضة ، ومن معاناة الجماهير وأنّه على أهبّة الإستعداد لتغيير المعادلات القائمة على المستويات كافة. يتساءل المواطنون «الطبيعيون» بكلّ استغراب، كيف يستطيع كلّ من هؤلاء أن يصيغ أو أن يتلو خطاباً تغييرياً وهو القادم من صلب السلطة ومن المشاركين في صياغة كلّ هذا الإخفاق الذي يُغرق لبنان في الظلمة والنفايات والفساد والديون والبطالة؟؟
ما الفارق الذي يمكن أن يحققه قادمون من صلب السلطة ومرشحون للعودة إليها في كلّ تلك الملفات، سواء كانوا من أصحاب حق النقض في مجلس الوزراء أو ممن يستطيعون نقل الخلاف السياسي الى الشارع، أو من أولئك الصامتين عن الحق أو العاجزين عن الخروج عن رغبة تحالف سياسي. إذا كان رؤساء الكتل ومطلقو الشعارات مقتنعين أنهم سيقدّمون للبنانيين حياة أفضل، فهذا بحدّ ذاته يشكّل اقراراً بفشل سابق عليهم الإعتراف به أولاً، وتحديد أسبابه، وطبعاً لا يمكن إلصاق مسؤولية الفشل بمن خرجوا أو أُخرجوا من الترشيحات، فالجميع يُدرك وزن هؤلاء في اتّخاذ القرار.
ندرك جميعاً أنّ هناك إنقساماًَ سياسياً وحيداً في لبنان يدور حول سلاح حزب الله ودور هذا السلاح ، والجميع يُدرك أنّ نموذج الجيش الرديف أصبح معمّماً على العراق وسوريا واليمن وتجاهر إيران بالإمعان في ذلك. قضية النفوذ الإيراني أضحت أزمة دوليّة لا تقع على الحكومات اللبنانية حلّها ولا يطالبها المجتمع الدولي بذلك. اللبنانيون مسخدمو السلاح ومعارضوه أدخلوه في اللعبة السياسية، فأقام أكثر من فريق منهم مرافقه الإقتصادية وإقتطع له مناطق نفوذ داخل إقطاعه الطائفي، تحت عنوان الإستقواء أو تحت عنوان حماية لبنان وصون الإستقرار. وما بين عنوانيّ الإستقواء والحرص على الإستقرار، نُسجت التسويات السياسية وصيغت معادلات المصالح، بما يعكس تعايشاً هجيناً بين استراتيجيتين غير قابلتين للتعايش: إستراتيجية تستظلّ قوى الطوائف ومنتحلي صفة تمثيلها مع ما تحتويه من هواجس الأمن الذاتي والأمن بالتراضي وتكوين دويلات إحتياطية في حال نشوب نزاع واستراتيجية تستظلّ دولة القانون. وكما أظهر السلوك السياسي أنّ الدولة وممثّلي القوى التقليدية تعمل على برمجة الفرد في طائفته.
لا يحلمنّ عاقل أنّ الإنتخابات ستفضي الى تطبيق أفضل للدستور أو الى مناقشة الموازنة أو إنتخابٍ رئيس ضمن المُهل الدستورية أو حلّ أي من المسائل الحياتيّة، كلّ ما يمكن أن تفعله الكتل والاحزاب والتيارات السياسية صاحبة العناوين الواعدة والتي تدّعي أنّها ستقدّم بمرشحيها الجدد أداءً مختلفاً،هو أن تستبدل جلدها القديم بآخر، على قاعدة توازن مناطقي أو توريث عائلي، وليس على قاعدة إدخال متخصصين في إدارة الشأن العام، لرفد الإدارة المتعثّرة بطاقات ذات صدقيّة . لا تستطيع الطبقة السياسية الخروج من فوبيا دوريّ العائلة والطائفة، بل ربما تعتبرهما عاملاً إيجابياً في التوازن الداخلي. صحيح أنّ إرتباط الإرتقاء السياسي بالزعامتين العائلية والطائفية يُقفل باب الوصول الى السلطة أو يحصره، لكن تجاهلهما وإيصال شخصيات مجهولة الى الحكم يشكًل بنظر الطبقة السياسية إنقلاباً بنيويّاً قد يطيح بكلّ التشوهات والأعراف التي أرستها الممارسات السياسية المتراكمة بحق المواطن والدستور والسيادة.