كتب الصحافي بيير غانم في موقع “العربية” المقال التالي: “هناك لغة جديدة يستعملها المسؤولون الأميركيون عند التحدّث عن الشرق الاوسط وإيران، وتشمل هذه اللغة القول “أن الولايات المتحدة في منافسة مع ايران” وأيضاً القول “لتنتصر في المعركة لا يمكن أن تترك الميدان”.
كان واضحاً ايضاً في شهادة الجنرال جوزيف فوتيل قائد المنطقة المركزية أمام الكونغرس انه استعمل تعبير “الدفع إلى الخلف” وتعبير “اعادة العجلة” وهي لغة لم تستعملها الإدارة الأميركية منذ سنوات طويلة، بل بدأت تظهر بعدما أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب استراتيجيته تجاه ايران في الخريف الماضي.
حزب الله مشكلة اقليمية
توفّرت لـ”العربية” تفاصيل حول ما تحاول الإدارة الأميركية تنفيذه في الساحة اللبنانية، وتبدو واشنطن الآن عازمة على عدم اخلاء الساحة لحزب الله وايران، بل تريد ايجاد شركاء لبنانيين وتسعى للتضييق على حزب الله بخطوات صغيرة ولكن أكيدة، على أمل أن تؤتي هذه الإستراتيجية ثمارها.
من الواضح أن الأميركيين غيّروا مقاربتهم بشكل أساسي من مشكلة حزب الله، وباتوا الآن يعتبرون أن اللبنانيين غير قادرين على مواجهة التنظيم المسلّح وبالتالي يجب عدم لوم اللبنانيين على تصرفات حزب الله أو الطلب منهم أخذ الأمور بيدهم ومواجهة حزب الله والقضاء على نفوذه، بل يعتبر الأميركيون الآن أن مشكلة حزب الله هي مشكلة المنطقة ويجب التعاطي معها على مستوى اقليمي.
لا عقوبات اضافية
هذا التغيير في الموقف حتّم على الإدارة الأميركية اجراء تعديلات كبيرة في معالجتها موضوع لبنان لدى التحدّث مع الكونغرس الأميركي ومع اسرائيل.
فالإدارة الأميركية باتت تسعى مع اعضاء الكونغرس للتخلّي عن سياسة العصا الغليظة وتدعوهم للتراجع عن فرض العقوبات الشاملة والكبيرة، وتريد الادارة من الكونغرس ان يتفهّم “حقيقة” ان العقوبات وصلت الى أقصى فاعليتها وان المطلوب الآن هو خنق موارد حزب الله.
هذا “التجفيف” لموارد حزب الله هو عمل تقوم به الولايات المتحدة الاميركية مع حلفائها حول العالم من خلال محاصرة استثمارات حزب الله، ومكافحة غسل الاموال والتهريب ومنع عملاء الحزب من نقل الاموال عبر التحويلات الدولية. وتعتبر الادارة الى حدّ كبير ان لبنان لا يستطيع ان يقوم بالكثير في هذا المجال.
لا حرب أخرى
أما بالنسبة إلى اسرائيل، فباتت الإدارة الأميركية على قناعة أن اسرائيل تركّز جهودها على التهديد العسكري لحزب الله، فهو يقتني الصواريخ ويوجيها الى الاراضي الاسرائيلية. وترى واشنطن الآن ان هذا تركيز اسرائيلي على جزء من المشكلة فيما المشكلة واطار الحلّ أكبر من ذلك.
تريد الإدارة الأميركية أن تقنع اسرائيل اولاً أن مشكلة حزب الله هي مشكلة إيران، ويجب التعاطي مع أصل المشكلة، وان التعاطي مع مشكلة حزب الله عن طريق الحرب فشلت في السابق. ثانياً اضطرّت اسرائيل للاستعانة بالولايات المتحدة وسط المعارك السابقة والولايات المتحدة لا تريد ان ترى حرباً أخرى، بل تريد معالجة مشكلة حزب الله وعلى المدى الطويل من خلال خطوات صغيرة وتراكمية.
واشنطن البراغماتية
يحذّر الاميركيون عند التحدّث عن المعالجات على أمرين، الاول هو تحاشي التحركات الحادة لانها تتسبب بانفجارات، ثانياً ايجاد تحالفات عل الارض.
من الواضح ان وزارة الدفاع الأميركية وقيادة المنطقة المركزية ووزارة الخارجية ترى في الجيش اللبناني “افضل استثمار” على الاطلاق، وكلما تحدث مسؤول اميركي تسمعون الاقوال ذاتها، مثل ان “الولايات المتحدة ترى في الجيش اللبناني شريكاً استراتيجياً”، و”افضل نتيجة حصلنا عليها منذ عادت المساعدات في العام 2006 ” كما يتحدّثون عن انجازات الجيش في معركة عرسال العام الماضي عندما واجه التنظيمات الارهابية في محيط البلدة الحدودية المتاخمة لسوريا.
من اللافت ان الاميركيين باتوا يتحدثون ايضاً بلغة عملية وبعيداً عن النظريات والمواقف العقائدية، فهم يقولون انهم على علم بوجود عملاء لحزب الله في الجيش اللبناني، لكنهم يؤكدون ان هذا لن يمنعهم من العمل مع القوات المسلحة في لبنان، ويعبّرون عن ثقة بقائد الجيش الحالي جوزيف عون، كما باتوا يعتبرون ان باستطاعتهم استغلال علاقة رئيس الجمهورية الحالي ميشيل عون بحزب الله لنيل نتائج ايجابية.
فالاميركيون تحدّثوا الى ميشال عون أكثر من مرة لمنع حزب الله من استقدام تصنيع الصواريخ الى الاراضي اللبنانية، لان هذا سيجلب ردّات فعل عنيفة على لبنان وهذا ما لا يريده عون بل يستطيع ان يحقق نجاحاً في تفاديه.
سطوة حزب الله
في مؤشّر جديد على اعادة تقييم واشنطن لعلاقات السياسيين اللبنانيين بحزب الله، يعبّر الاميركيون عن ثقتهم بوجود تباعد بين ميشيل عون وحزب الله وقد ظهر ذلك عندما أجرى تعيينات لضباط في مناصب قيادية ولم يكن حزب الله راض عنها.
كما يشير الاميركيون الى ان رئيس الحكومة الحالي سعدالدين الحريري ادلى بتصريحات سياسية تنمّ عن بعده عن حزب الله ويرى الاميركيون هذه التصريحات والمواقف مؤشّراً ايجابياً على مقاومة اللبنانيين لسطوة حزب الله.
الى كل هذا، يعبّر الاميركون عن ثقتهم بأن الدولة اللبنانية لن تسقط في يد حزب الله لدى اجراء الانتخابات النيابية، فقد أكد مسؤولون اميركيون منذ اشهر في تصريحات للعربية.نت عن رغبة الادارة الحالية باجراء هذه الانتخابات من ضمن “العملية الديموقراطية”، والآن يؤكد الاميركيون ان حزب الله لن يتمكّن من جمع أكثر من 27 نائب، هم مجموع المقاعد المخصصة للطائفة الشيعية في مجلس النواب، اما ما تبقّى، وعلى رغم التحالفات السياسية، سيبقى خارج سيطرة حزب الله.
الى كل هذا، يدعو الاميركيون القوى السياسية العربية الى اعادة دعمها للبنان، والعمل مع الولايات المتحدة والمجموعة الدولية لدعم الدولة اللبنانية، خصوصاً ان مقاطعة الدولة اللبنانية لن تجدي نفعاً في منافسة ايران على لبنان.
إن ما نراه الآن، هو تحوّل في الموقف والاداء الأميركي تجاه لبنان ويعكس تحوّلاً في السياسة الاميركية من تصرفات ايران في منطقة الشرق الاوسط.
(العربية)