لكن ماذا لو علمنا وبحسب أبحاث جديدة أن هذا المجال معرض لضعف هائل، وهي مسألة قد تستمر إلى ألف سنة ليكون لها تأثيرها المباشر والواضح؟

وإذا ما حصل ذلك ذات يوم، فسوف ينعكس اتجاه الشمال والجنوب، ما يعني فوضى في أشياء كثيرة، أبرزها أن البوصلة لن تعود قادرة على تحديد الشمال والجنوب كما اعتادت من ذي قبل، بالإضافة إلى انتشار أمراض السرطان.

وهذه الظاهرة لن تكون الأولى، فقد سبق أن حصلت قبل 780 ألف سنة، ومرة أخرى قبل 40 ألف سنة، ونحن على موعد معها بحسب الباحثين خلال ألف سنة من اليوم.

وهي عندما تحدث لا تحصل فجأة بل ببطء وبطريقة غير ملحوظة تستغرق دورة من آلاف السنين، تنتهي بانعكاس اتجاه القطبين.

ورغم إفادات العلماء الأخيرة فليس بمقدور أحد التدليل الكافي على مصداقية توقعاتهم، لأن الأدلة العلمية الكافية غير متوفرة تماماً.

المنطقة الضعيفة حالياً

يهتم العلماء بالمنطقة الواقعة جنوب المحيط الأطلسي الممتدة بمساحة شاسعة تمتد من تشيلي بأميركا الجنوبية إلى زيمبابوي بالقارة الإفريقية، التي تعتبر ضعيفة مغناطيسياً وخطرة على الأقمار الاصطناعية بسبب الإشعاع الإضافي فيها، الذي يمكن أن يعطل الأجهزة الإلكترونية الحساسة.

ويقول الفيزيائي فنست هير من جامعة روتشستر بنيويورك: “نعرف منذ فترة طويلة أن هناك تغييراً يجري في المجال المغناطيسي للأرض، لكن لم نكن نعرف حقاً أنه كان غير عادي لهذه المنطقة ولنطاق زمني طويل.. ولا ندري احتمالاته المستقبلية”.

وأحد الأسباب التي تجعل العلماء لا يعرفون الكثير عن التاريخ المغناطيسي لهذه المنطقة من الأرض، هو أنه يفتقر إلى ما يسمى البيانات الأركوماجنيتيكية – أي الأدلة المادية المغناطيسية في ماضي الأرض، المحفوظة في الآثار من العصور القديمة.

طقوس وعلم

في إحدى هذه الحقب الضائعة من التاريخ، كانت تعيش مجموعة من الأفارقة القدامى بوادي نهر ليمبوبو، الذي يجري بأقاليم زيمبابوي وجنوب إفريقيا وبوتسوانا، وهي تقريباً مناطق تقع في المنطقة ذاتها ذات الشكوك المغناطيسية جنوب الأطلسي اليوم.

ومنذ نحو ألف سنة فقد مارست هذه الشعوب المعروفة بالبانتو، في هذه المناطق، طقوساً غريبة باتجاه السيطرة على الطبيعة، لا سيما في أوقات الكوارث البيئية، في إطار معتقداتهم وأساطيرهم.

فمثلاً أثناء فترات الجفاف، كانوا يحرقون أكواخهم الطينية وحاويات الحبوب، في طقس تطهيري مقدس لهم، يجعل الأمطار تأتي مرة أخرى، حسب معتقدهم.

ولم يكن هؤلاء الناس بفعلهم هذا منذ قرون بعيدة، يعرفون أنهم يقدمون خدمة للعلماء حالياً، إذ يوفرون أدلة للعمل الميداني التحضيري العلمي للباحثين، يساعد في فهم مسألة الاختلال في المجال المغناطيسي بهذه المنطقة.

يقول أحد خبراء الجيوفيزيائي جون تاردونو: “عندما تحرق الطين عند درجات حرارة عالية جداً، فإنك تقوم فعلياً بالعمل على استقرار المعادن المغنطيسية، لكن عندما يبرد الطين من درجات الحرارة المرتفعة جداً، فإن الوضع سيعود لسابقه”.

وعلى هذا النحو، فإن تحليل القطع الأثرية القديمة التي نجت من هذه الحرائق، يكشف أكثر بكثير من مجرد الممارسات الثقافية لأسلاف سكان جنوب إفريقيا اليوم.

يقول تاردونو: “وجدنا أن هذا السلوك المتكرر كان يحدث في الماضي، وقد كان له أثره بشكل ما لما عليه الوضع اليوم، من اختلال في المجال المغناطيسي”.

تاريخ التقلبات المغناطيسية

وقد حدثت التقلبات المغناطيسية على فترات متباعدة منها أوقات حديثة، إلى 1550م وهذا يوفر دليلاً للعلماء أن ثمة ما يجري في هذه المنطقة منذ القدم، ويستحق الدراسة.

ويعتقد أن الضعف الحالي في المجال المغناطيسي للأرض، الذي بدأ منذ 160 عاماً أو نحو ذلك، سببه حوض ضخم من الصخر الكثيف، يقع حوالي 2900 كيلومتر (1800 ميل) تحت القارة الإفريقية.

ويرى الباحثون أن هذه الظاهرة تعود إلى عشرات الملايين من السنين وأن هذه المنطقة الكثيفة، الموجودة بين الحديد السائل الساخن من سطح الأرض والحديد الصلب أسفله، تتسبب في خلل يؤثر على توليد المجال المغناطيسي. ولكن هناك العديد من الأبحاث التي يجب أن تجرى قبل حسم الوضع.

الانعكاس القطبي الحاصل حالياً

ويرى الباحثون أن الفكرة التقليدية عن انعكاس الأقطاب يمكن أن تبدأ في أي نقطة من نواة الأرض، ولكن أحدث النتائج تشير إلى ما يحدث في المجال المغنطيسي مرتبط بتعقيدات أكثر من ذلك تتعلق ببنية طبقات الأرض.

وعندما يحدث الانقلاب في النواة أو المناطق التحتية، فإن الشمال يصبح جنوباً في البوصلة، ومن خلال الأبحاث ثبت أن هذا يحدث أحياناً في مناطق تحتية من النواة في هذا الحزام الإفريقي.

وقد أثبت العلماء أنه توجد رقعة صغيرة من انعكاس القطبية تحت جنوب إفريقيا عند حافة غطاء اللب، حيثما يلتقي الحديد السائل في اللب الخارجي بالجزء الأقل صلابة في باطن الأرض.

بشكل عام فإن انقلاب المجال المغناطيسي يهدد بأي شكل كان نقل الكهرباء والملاحة الجوية ويرفع معدلات السرطانات لزيادة الإشعاعات الضارة وغيرها من الأمور.

(العربية.نت)