تزامناً مع جملة مواعيد إقليمية في واشنطن، تظهر خلاصة زيارة وزير الخارجية الاميركي ريكس تيلرسون لبيروت أجواءً غير مطمئنة حيال مستقبل الوضع المحلي، ارتباطاً باستحقاقات المنطقة
يكشف سياسيون على اتصال بالادارة الاميركية أن زيارة وزير الخارجية الاميركي ريكس تيلرسون لبيروت في منتصف شباط الفائت، لم تكن على قدر توقعات الخارجية الاميركية والفريق الذي كان يعوّل عليها. فلبنان على حدّ التعبير المستخدم بات حالة «ميؤوساً منها وقضية خاسرة».
الاستنتاج الاميركي، بحسب المعلومات اللبنانية، يندرج في إطار انعكاس الرؤية التي تتوخاها الادارة الاميركية للبنان، والحالة الحقيقية التي يعيشها وسط التجاذبات الاقليمية الحادة. ثمة انفصام واقعي بين رغبة الادارة الاميركية في تحقيق الاستقرار الامني والسياسي في لبنان، وهو ما يترجم بالاحاطة الدورية لتأمين المساعدات للجيش والقوى الامنية وتعزيز دورها، والحرص على الوضع المصرفي والمالي، والايحاء بالحرص على إجراء الانتخابات النيابية، وبين الرغبة في تقليص نفوذ حزب الله وكسر شوكة إيران في لبنان والمنطقة.
لا يمكن لأي مسؤول أميركي أن يزاوج بين هذين الخطين في السياسة الاميركية، من دون أن يتوقف ملياً عند تبعات كل من المسارين، واستحالة العمل على تطويق حزب الله من دون الاخذ في الاعتبار تبعات ذلك على الاستقرار الداخلي. وعلى هذا الاساس، يكمن الانقسام الاميركي حيال الوضع اللبناني، وما يمكن العمل عليه لإبقاء العين الاميركية ساهرة عليه. فزيارة تيلرسون، ببعدها الاقليمي، لم تكن تحت عنوان نفطي، ولم تتقاطع مع مهمة الموفد الاميركي دايفيد ساترفيلد، إذ إن الاستحقاقات العراقية المقبلة، والموقع الاسرائيلي في المعادلة الاميركية الشرق أوسطية، وتضاعف العوامل المؤثرة في الواقع السوري، وعودة الاميركيين الى ممارسة نفوذهم فيه، عناصر أساسية فرضت أجندة أميركية جديدة، واقتضت إعادة التواصل المباشر مع دول المنطقة الفاعلة.
فواشنطن مقبلة على موعدين أساسيين في أيار المقبل، هما، أولاً نقل السفارة الاميركية الى القدس، بحسب ما يؤكد مسؤولون اميركيون إنفاذاً لتوقيع الرئيس الاميركي دونالد ترامب قرار الاعتراف بالقدس عاصمة لاسرائيل مع ترجيح زيارة ترامب الى القدس في هذا الموعد، وثانياً مراجعة الاتفاق النووي مع ايران وتمديد مهلة تعليق العقوبات في منتصف أيار أيضاً.
ورغم أن الموعدين يرتبطان بمواقف أوروبية نتيجة رفض الدول الاوروبية الامرين، لا سيما المطلب الاميركي بإعادة النظر في عدد من بنود الاتفاق النووي، وقد بدا النقاش الاوروبي حوله مع ايران التي تستقبل وزير الخارجية الفرنسي جان ايف لودريان لهذه الغاية، إلا أن إدارة ترامب لا تزال تصرّ عليهما، ما يزيد من الضغط الاقليمي والدولي على منطقة تغلي بكل أسباب الانفجار.
وعلى إيقاع هذين الاستحقاقين، وفيما تزدحم مواعيد القادة العرب في واشنطن، التي سبقهم اليها رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بعد أسبوعين، الى ولي عهد أبو ظبي الامير محمد بن زايد وأمير قطر تميم بن حمد، يمكن رسم خريطة الانتظارات لما تقبل عليه المنطقة. فكيف يمكن للبنان أن يتجاوز كل هذه المحطات من دون أي تبعات تؤثر على استقراره. وهذا هو جوهر الاسئلة الاميركية والقلق الذي عبّر عنه الوزير الاميركي في خلاصته عن الوضع اللبناني.
فلبنان لا يمكن أن يتحمل ضغطاً دولياً وأميركياً على إيران، واستطراداً على حزب الله، من دون أن يرزح تحت هذا الضغط، لأن قرار واشنطن بشنّ حرب على نفوذ ايران في المنطقة، وليس على ايران، لا رجوع عنه. وعلى هذا الاساس، تُتداول معلومات عن احتمال تغيير جذري في الدور الاميركي في سوريا، علماً بأن ثمة من يذكر بأن المراجعة الأميركية للاتفاق النووي تترافق مع تطور نوعي في سوريا والمنطقة، كما حصل العام الماضي مع شنّ الطائرات الاميركية هجمات على مواقع سورية، وأي تعديل في الاستراتيجية الاميركية الحالية تجاه سوريا، وانقسام الخريطة الجغرافية بين شرق الفرات وغربه وتوزع التحالفات السياسية للولايات المتحدة أو لإيران، لا بد أن يتركا انعكاساً مباشراً على لبنان.
فإذا جُمعت العناصر الامنية والمالية والسياسية التي تملك الولايات المتحدة تأثيرات فيها للتضييق على حزب الله، كما الدول العربية المناهضة لإيران، تصبح الصورة أكثر سوداوية.
المفارقة، أن هذا المسار يتكرر في شكل دوري، مع احتدام الخلاف الاميركي ــ الايراني، والايراني ــ السعودي، فضلاً عن الدور الاسرائيلي المؤثر في المنطقة. وفي كل مرة تصل الامور الى حافة الانهيار، يُسحب فتيل التفجير في الدقيقة الاخيرة، لكن مع بقاء جملة تأثيرات تسهم في مزيد من الانهيار الداخلي واهتزاز الاستقرار. وعلى هذا الإيقاع، يستدل أن الرغبة في تحييد لبنان شيء والعوامل الموضوعية شيء آخر، تماماً كما الإصرار على إجراء الانتخابات في موعدها، بحسب ما يردد الرئيس نبيه بري، رغم أن سياسيين لا يزالون يشكّكون في حصولها، تبعاً لما يتردد في كواليس مسؤولين إقليميين ودوليين عن الملف اللبناني، ممن يملكون حسابات مختلفة عن حسابات المرشحين اللبنانيين، ويضعون كل الاحتمالات على الطاولة، بما في ذلك تطيير الانتخابات، لا سيما أن النظرة الى لبنان لم تعد هي نفسها، وخلاصة زيارة تيلرسون أكبر دلالة.