لا يمكن لمؤتمر سيدر لدعم لبنان ان يحقق النجاح طالما ان مشروع موازنة العام 2018 جاءت «منفوخة» من حيث الانفاق وزيادة في عجز الخزينة وعدم وجود اصلاحات يمكن المباشرة بها قبل انعقاد المؤتمر في 6 نيسان المقبل وخصوصاً على صعيد معالجة العجز في مؤسسة كهرباء لبنان، اضافة الى عدم وجود رؤية اقتصادية او اجتماعية وعدم ادراج قوانين برامج جديدة في هذا الاطار.
واذا كانت اجتماعات اللجنة الوزارية في واد والاصلاحات في واد آخر، فان هذه الاجتماعات لم تتطرق الى موضوع الاصلاحات، بل انها سعت الى زيادة الانفاق من خلال اعطاء القضاء درجتين، وهذا حقهم، مثل سائر موظفي المؤسسات العامة الذين يستفيدون من قالنون 46 وما زالوا يصارعون حتى اليوم للحصول على السلسلة، والاعفاءات من غرامات التحقق والتحصيل بنسبة 100 في المئة مما يخل التوازن في العدالة الضريبية، وتخفيض العطاءات التي تعطى للموظفين، وبالتالي لم يكن هناك اي اصلاحات تطال الموازنة لضبط العجز فتوقف تنامي الدين العام نسبة الى الناتج المحلي، ولا تضبط العجز في مؤسسة كهرباء لبنان سوى ما تسرب عن امكانية زيادة التعرفة الكهربائية شرط ان تؤمن مؤسسة كهرباء لبنان 24 ساعة تغذية او اقل تقدير 22 ساعة حسب الوزراء الذين شاركوا في اجتماعات اللجنة.
والسؤال كيف يمكن زيادة التعرفة وفي الوقت نفسه زيادة ساعات التغذية، لا يمكن بناء معامل التي تحتاج الى سنة او اكثر لتشييدها ولا يمكن زيادة ساعات التغذية من خلال الموجود وقد استنفدت المعامل كل الطاقة الانتاجية، لا بل ان بعض المعامل مثل معمل الذوق الحراري اصبح اليوم بحاجة الى التقاعد بعد خدمة استمرت اكثر من 25 سنة، وبالتالي لا يبقى سوى البواخر العاذمة التي تواجه بمعارضة سياسية قوية لان استئجار باخرتين لمدة سنتين بـ1800 مليار دولار يمكن بهذا المبلغ تشييد معملين، كما يمكن شراء اكثر من باخرة عائمة تولد الطاقة.
الجدير ذكره ان صندوق النقد الدولي في تقريره الاخير ركز على ثلاث نقاط اساسية ومنها موضوع العجز في الكهرباء وخسارة 48 في المئة من الهدر في الطاقة عبر السرقات على الشبكة وخسارات تقنية وتراجع عمليات الفوترة، اضافة الى موضوع العجز في الموازنة وتنامي الدين العام الذي وصل الى 8 مليار دولار زيادة العجز للعام الحالي المقدر باكثر من 6 مليارات دولار فهذا يعني ان الدين سيصل الى 86 مليار دولار مشكلا 153 في المئة من الناتج المحلي.
وفي ظل صدور قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص، فقد طرح عدد من الاقتصاديين ورجال الاعمال امكانية تخصيص قطاع الكهرباء في ظل استمرار العجز وعدم قدرة مؤسسة كهرباء لبنان على معالجة هذا الموضوع واتخاذ قرار برفع التعرفة الكهربائية الذي هو قرار سياسي حيث يتساءل هؤلاء عن امكانية اتخاذه قبيل الانتخابات النيابية وهو قرار غير شعبي ولكن اذا تم رفع التعرفة بشكل تدريجي وزيادة ساعات التغذية الى معدل 22 ساعة او اكثر مع الغاء امتيازات اصحاب المولدات الخاصة فان هذا القرار لا يعود قراراً غير شعبي، بل المطلوب الغاء المولدات الخاصة وزيادة الانتاج قبل اي شيء اخر، لان ما يدفعه المواطن لاصحاب المولدات الخاصة يبقى اكثر بكثير ما سيتم دفعه الى مؤسسة كهرباء لبنان.
ان وضع الحكومة لا يحسد عليه، فان اغلبية اعضائها هم مرشحون للانتخابات النيابية ومن صالحهم ان يستمروا في الانفاق حتى ولو وصل الى 25503 مليار ليرة مقابل 17934 مليار ليرة ايرادات وهذا يعني ان العجز سيتجاوز الـ8 الاف مليار ليرة يضاف اليه العجز في الكهرباء المقدر بـ2100 مليار ليرة وهذا يعني ان العجز الاجمالي تخطى الـ10 الاف مليار ليرة اي يتجاوز الـ11 في المئة من الناتج المحلي، وهذا يعني ان الدين العام سيتجاوز الـ86 مليار دولار في نهاية العام 2018 واذا احتسبنا ان مؤتمر سيدر -1 سيوافق على اعطاء قروض بقيمة 16 مليار دولار فهذا يعني ان الدين سيتجاوز الـ100 مليار دولار مع العلم ان سيدر -1 لن يتمكن من اعطاء اكثر من مليارين او اربعة مليارات دولار في ظل التقديمات العجزية في الموازنة وعدم رغبة بعض الدول في المساعدة ضمن هذا الاطار.
وعلى الرغم من سعي رئيس الحكومة سعد الحريري الى تخفيض الانفاق بنسبة 20 في المئة، فان مشروع الموازنة قد اظهر زيادة في الانفاق بدلاً من تخفيضها، حيث تبين ان النفقات العامة قدرت بـ25500 مليار ليرة مقابل 23900 مليار ليرة في موازنة العام 2017 اي بزيادة 1597 مليار ليرة.
ازاء هذه المعطيات والارقام السؤال الذي يطرح نفسه ماذا ستفعل الحكومة امام مؤتمر سيدر هذا اذا انعقد ولم يتم تأجيله الى ما بعد الانتخابات النيابية، لان هناك من يتساءل كيف يمكن لحكومة ان تذهب الى مؤتمر للحصول على قروض وهي في نهاية عمرها، اذ ان الالتزامات ستكون على عاتق الحكومة الجديدة التي سيتم تشكيلها بعيد الانتخابات وبالتالي قد يكون لهذه الحكومة رؤية جديدة خصوصاً ان رئيس الجمهورية كرر اكثر من مرة ان عهده سيبدأ بعد اجراء الانتخابات.
كيف يمكن لحكومة ان تتقدم بطلب قروض جديدة وأمام المؤتمرين موازنة «منفوخة» وانفاق متزايد من جراء التوظيفات رغم القرار بمنع التوظيف، وامامهم عجز يتراكم في مؤسسة كهرباء لبنان دون ان تتمكن من اتخاذ قرارات جريئة وجذرية.
سفيرة الاتحاد الاوروبي كريستينا لاسن ذكرت ان نجاح المؤتمر يرتكز على التعجيل في برنامج الاصلاحات للحكومة، اذ من الضروري المبادرة فوراً الى اجراء اصلاحات اقتصادية واتخاذ خطوات ملموسة لتنفيذ لبنان سياسة النأي بالنفس.
وأكدت ان نجاح المؤتمر يتوقف على مشروع لبنان في مسار تنمية مستدامة واستقرار ودعت الى خطة واضحة من الحكومة لتنفيذ الاصلاحات بما في ذلك تدابير لارساء الاستقرار الضريبي وتحقيق التوازن في الدين وتقوية اطار ادارة الاستثمارات العامة بنا في ذلك من خلال التشريعات المتعلقة بمكافحة الفساد، واملت في اقرار الموازنة العامة قبل انعقاد المؤتمر.
فأين لبنان من هذه الطروحات الاوروبية والدولية، ما يستشف من الاجتماعات التي تعقد ان هناك سعياً لتخفيف الانفاق في الموازنة ومعالجة العجز في الكهرباء، فهل هذا مقدمة لاقناع المؤتمرين بأن لبنان قد بدأ سلوك درب الاصلاحات.
(الديار)