تَرْتسم في بيروت مَلامح عمليةِ «جدْولةٍ» للاستحقاقات السياسية – الاقتصادية – الأمنية التي يبدو معها لبنان وكأنه يسير على «حبْل مشدود» أوّله محلّي يرتبط بالواقع الداخلي و«موروثاتِ» نحو 13 عاماً من صراعٍ على التوازنات لم ينتهِ بعد، وآخِره إقليمي – دولي يتّصل بمواجهةٍ على امتداد «قوس الأزمات» في المنطقة كان لبنان من أوائل «خطوط تماسها» الخفية في فترة 2004-2005 قبل أن تتشكّل «ملاعب النار» من حوله ويجد نفسه «حاضراً» فيها ويصارع الانزلاق بالكامل إليها نتيجة انغماس «حزب الله» فيها.
وفي هذا السياق وعلى مرمى نحو شهرين ونصف من انتخابات 6 مايو النيابية، ينشدّ المَشهد اللبناني الى هذا الاستحقاق الذي بدأتْ «بازل» الترشيحات فيه تكتمل على ان تليها اللوائح التي تنتظر بناءَ التحالفات وفق بُعْديْن:
الأوّل مقتضيات الربح والخسارة و«معركة الأحجام» أكثر منها حسابات التوازنات بالمفهوم السياسي بعدما انتهى اصطفاف «14 و8 آذار»، وإن كان «حزب الله»، ورغم الافتراق مع «التيار الوطني الحر» (حزب الرئيس ميشال عون) في مفاصل عدّة ذات صلة بلعبة السلطة الداخلية التي يقترب فيها التيار من الرئيس سعد الحريري، ما زال يستفيد من الغطاء الاستراتيجي الذي يوفّره له الرئيس عون.
أما البُعد الثاني فهو مراعاة «التفسيرات» السياسية للتحالفات والقراءات التي ستحصل لها من الخارج، لا سيما من دول غربية وعربية ما زالت تعتبر أن «حزب الله»، كما «التيار الحر»، يساهمان في جرّ لبنان إلى المحور الإيراني، بما يعني أن التقاء أي فريق، من معارضي هذا المحور، «تحت سقف انتخابي» واحد مع أي من الحزب أو التيار سيرتّب تداعيات في هذا الاتجاه أو ذاك.
ولأن الثنائي الشيعي حركة «أمل» و«حزب الله» سبق أن حسما تحالفهما في كل الدوائر بهدف حصْد كل المقاعد الشيعية الـ 27 والانطلاق لاقتناص الثلث المعطّل في البرلمان (43 نائباً) مع حلفائهما (بلا التيار الحر) كما حدّدا الـ «لاءات» في ما خص التحالفات والتي تشمل «تيار المستقبل» (الرئيس الحريري) و«القوات اللبنانية» مع التسليم بخصوصية «التيار الحر» في إدارة معاركه «وفق الضرورة» في كل دائرة مع إمكان بناء تحالفاته «على القطعة»، فإن هذا الثنائي كان سبّاقاً الى إعلان ترشيحاته، مع ترْك الكشف عن اللوائح، أي التحالفات ضمن «8 آذار»، الى مرحلة قريبة أخرى.
من هنا، جاءت أمس إطلالة كل من رئيس البرلمان نبيه بري نهاراً معلناً ترشيحات حركة «أمل» وبعده الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصر الله مساءً كاشفاً أسماء مرشحي الحزب، مع تحديد كليهما العناوين التي يخوضان على أساسها الانتخابات.
وقد حدّد بري «البرنامج الانتخابي» على قواعد من 15 بنداً أبرزها «التزام الدستور ووثيقة الوفاق الوطني»، و«استمرار السعي لتشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية التي نص عليها الدستور»، و«التمسك بالمعادلة التي أرساها المثلث الماسي المتمثل بالشعب والجيش والمقاومة…».
وإذ جاءت غالبية الأسماء الـ 16 التي أعلن بري ترشيحها مستعادة، فإن من أبرز المرشحين الجدد الوزيرة عناية عز الدين لتكون المرة الأولى ترشحّ فيها «أمل» امرأة الى الانتخابات النيابية، في حين غاب اسم النائب عبد اللطيف الزين عن الترشيحات وهو «عميد النواب» الذي يشغل المقعد الشيعي عن دائرة النبطية منذ العام 1962، وهو عضو في كتلة بري منذ 1992 وكان عبّر عن عدم رغبته بالترشح.
وبعدما كان «حزب الله» فاجأ الجميع قبل أيام بحسْم اسم المدير العام السابق للامن العام اللواء جميل السيد كأول مرشح رسمي على لائحته في دائرة بعلبك – الهرمل (البقاع الشمالي)، وذلك في رسائل متعددة الاتجاه نظراً الى التعقيدات التي تحوط باسم السيد الذي سبق أن أوقف احترازياً لنحو 4 سنوات (مع 3 ضباط آخرين) من لجنة التحقيق الدولية في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، فإن الترشيحات التي أعلنها نصر الله أمس لم تخلُ من مفاجأة تسمية حزبيّ للمرة الأولى للمقعد الشيعي في جبيل.
في موازاة ذلك، باشرت بيروت ترتيب أوراقها استعداداً لمؤتمرات الدعم الدولية الثلاث التي تبدأ منتصف مارس وصولاً الى اواخر ابريل. وفي هذا السياق جاءت «إدارة المحركات» بأقصى قوة في محاولة لإنجاز مشروع موازنة 2018 في مجلس الوزراء الذي اجتمع أمس وشكّل لجنة للعودة باقتراحات نهائية تحقق خفض الإنفاق وتحسين الواردات مع طرْح الإصلاحات التي يمكن إدراجها بما يسمح بتوجيه رسالة إيجابية والإمساك بـ «جواز مرور» ضروري إلى مؤتمر «سيدر 1» في باريس لدعم الاستثمار في لبنان.
وفيما سيشكّل سفر الرئيس عون اليوم الى العراق في زيارة رسمية بدعوة من الرئيس فؤاد معصوم على أن ينتقل غداً من بغداد إلى أرمينيا فسحةً لاستكمال التحضيرات لبتّ مشروع الموازنة، فإن ملف النزاع البحري بين لبنان واسرائيل لم يغب عن المشهد وسط رصْد لما سيعود به الديبلوماسي الأميركي ديفيد ساترفيلد من تل أبيب في سياق وساطة واشنطن التي تبلغت من لبنان رفْضه التنازل عن أي حصة من منطقة الـ 860 كيلومتراً مربعاً المتنازَع عليها.
(الراي)