تواجه السلاحف البحرية في لبنان انحسارا في مساحة الشواطىء التي تعتبر ملاذها ومحيطها الحيوي للتعشيش ووضع البيوض، وتأمين سبل تكاثرها وإبعادها عن حافة الانقراض، مع استمرار استباحة هذه الموائل لصالح مشاريع سكنية وسياحية تهدد بيئتها الطبيعية، دون أن ننسى أن شواطئنا تستباح اليوم في أكثر من منطقة لصالح مكبات النفايات الشاطئية واستمرار ردم البحر. وفي موازاة ذلك، شهدنا في العام 2017 نفوق عشرات السلاحف، في ظاهرة بدا واضحا أنها ناجمة عن عوامل عدة، منها انتشار النفايات البلاستيكية، فضلا عن استخدام الديناميت، دون إغفال أن ثمة أسبابا أخرى أيضا، فيما لم نشهد إزاء هذه الظاهرة إلا تحركا للإعلام وبعض الجمعيات التي أطلقت مناشدات لحماية هذه الكائنات. والمشكلة أن الحكومة ما تزال متبنية سياسة طمر البحر، مع توسيع المطامر الشاطئية، فيما المواطنون يساهمون في تلويث البحر خلال موسم السياحة الصيفية، وبعض الصيادين لا يتورعون عن النزاع مع سلحفاة وقتلها في ما لو علقت في شباكهم.
وفي هذا السياق، تبلغ موقعنا greenarea.me من أحد المواطنين أنه عثر في بلدة البرغليه في قضاء صور، على ذكر سلحفاة بحرية نافقة ليلا، وأرسل لنا منتصف ليل أمس 16/17 شباط الجاري صورا توثق نفوقها.
كاريتا كاريتا وتمكن من العثور عليها في المنطقة المذكورة، وتبين أنها بدأت تتحلل، ما يعني مرور أيام عدة على نفوقها، ويبدو أنها نفقت في البحر ولفظتها المياه إلى شاطىء البرغلية، وكان من الصعب الدنو منها كثيرا منها، بسبب الرائحة المنبعثة منها، ولم نكن مزودين بكمامات خاصة. لكن ما يهمنا في هذا السياق، هو الوقوف على تدهور الحياة البحرية في لبنان، لأسباب عدة، خصوصا وأننا في الصيف الماضي شهدنا ظواهر غير طبيعية بعضها على صلة بالتلوث، فضلا عن النفايات العالقة في شباك الصيادين في “الكوستابرافا” في منطقة الشويفات – خلدة، وفي منطقة برج حمود والمناطق القريبة، إضافة إلى تسجيل حالات نفوق عشرات السلاحف البحرية. ومن هنا، يبدو أننا دخلنا مرحلة تعتبر أخطر بكثير من نفوق سلحفاة، ذلك أن ما يشهده الشاطئ اللبناني منذ إقرار واعتماد مكبات النفايات الشاطئية وردم البحر، بات مسلسلا مستمرا لا نعرف إلى متى يستمر وما هي كلفته على الحياة البحرية وصحة المواطنين، لذلك نبدي الحرص معرفة أسباب نفوق هذه السلاحف، لذلك يهمنا مناشدة كافة المراكز المعنية من محميات بحرية و”مركز علوم البحار” في البترون ووزارة الزراعة التي أبدت على الدوام تجاوبا ولم تضن بعطاء ونصيحة، وقد لمسنا تعاونا جديا من البعض وتجاهلا من البعض الآخر، ولكن لن يردعنا أحد عن تأدية عملنا الصحفي بمهنية، وواجبنا كجمعية بيئية (Green Area الدولية) بالتوازي مع موقعنا البيئي المتخصص، هدفه نشر العلم والمعرفة وملاحقة كافة القضايا البيئية بجرأة وموضوعية. وتبين لنا أن السلحفاة النافقة من فصيلة “كاريتا كاريتا” Caretta caretta، وهي “سلحفاة ضخمة الرأس” Loggerhead Turtle“.
برسم الجهات المعنية من المعروف أن حالات النفوق تتعدد أسبابها ما بين استخدام الديناميت والقتل العمد أو تعرضها لضربات مباشرة، والتسمم أحيانا، واختناقها نتيجة ابتلاع أكياس النايلون وصنانير الصيد في بعض الحالات. وأشار المواطن محمد دهيني لـ greenarea.me إلى أنه عثر على السلحفاة ليلا، وقال: “على الفور بادرت إلى الاتصال بكم لتكونوا حاضرين في توثيق نفوقها، والتعاون مع الجهات المعنية لرفعها عن الشاطىء ودفنها أو تشريحها من خلال خبراء معنيين”. ونضع حادثة النفوق هذه برسم الجهات المعنية، خصوصا وأنه مع بدء تحللها يصعب التأكيد ما إذا كانت اصطدمت بقارب أو أي جسم صلب، وما إذا كانت هناك أسباب أخرى، مع الإشارة إلى أن استمرار ظاهرة نفوق السلاحف من شأنه أن يؤثر على التنوع الحيوي والنظم الإيكلوجية البحرية.
فاديا جمعة- greenarea.me