بينت زيارة وزير الخارجية الاميركية الى بيروت ولقاءاته، على متانة الاتفاق المبرم بين الرؤساء الثلاث. فبعد واقعة الحدث التي كادت تفجر حربا اهلية على خلفية رئيس التيار الوطني الحر الذي تناول فيه رئيس مجلس النواب، كانت المصالحة بين الرئيسين عون وبري، والتي استتبعت بعد زيارة الاستاذ الثانية الى بعبدا بغداء في عين التينة شهد على مصالحة بين الرئاستين الثانية والثالثة، يجمع بين الصلحتين اسرائيل وتهديداتها التي كان لها الفضل في تحريك مياه التواصل الراكدة.
وإذا كانت المصالحات اللبنانية قد سهلت توحيد المواقف الرئاسية من ملفي الجدار والبلوك التاسع، فإنها لم تدفع في المقابل نحو اي تهدئة في الموضوعين بل مزيدا من التشبث اللبناني، قالت المعلومات انه دفع بوزير الخارجية الاميركية الى الطلب من مساعده لشؤون الشرق الاوسط السفير دافيد ساترفيلد للسفر الى اسرائيل لمتابعة «الوساطة» الاميركية بين بيروت وتل ابيب، خلال الساعات ال 48 القادمة، دون ان تتضح معالم ما سيطرحه على الجانب الاسرائيلي بعدما رفض لبنان الاقتراحين الاميركيين.
وبالعودة الى اتفاق الرئيسين وعون، بدأت تتكشف حقيقة الاتصالات التي جرت خلال الايام الماضية والتي افضت الى ما انتهت اليه الامور، حيث تكشف المعلومات، ان حزب الله ابدى منذ فترة بعيدة عدم ارتياحه لمسار العلاقة بين الرئاستين وسلبية ذلك على المستوى الوطني وتاثيره السلبي على علاقة الحزب بالطرفين، خصوصا مع اقتراب الاستحقاق النيابي، واحساس الحزب بوجود أطراف تسعى الى صب الزيت على نار الخلاف وتذكيته.
من هنا، والكلام لمصادر شيعية معنية، كانت الاتصالات التي اجراها حزب الله عبر «وسطاء» كلفوا بمتابعة ازمة مرسوم الاقدميات، والتي وان لم تنجح يومها في حل معضلته مع رفع السقوف المتبادل الا انها استطاعت «لجم» التصعيد واعادة الامور الى حجمها، الى ان كانت «زلة» الوزير باسيل التي اشعلت غضبا في الشارع خرج عن كل سيطرة، خصوصا انه جاء في سياق تصاعدي خلق احتقانا في القواعد الشيعية، من الموقف الى قناة «الميادين»، مرورا بموقفه من فيلم «The Gost»، لتقسم كلمته البترونية ظهر بعير العلاقة بين امل والتيار الوطني الحر، ومن خلفها بين الرئاستين الأولى والثانية.
وتتابع المصادر بان حارة حريك ومنذ اليوم الاول «لانفلات» الوضع في الشارع ادارت محركاتها في كل الاتجاهات وعلى الارض في مسعى بقي بعيدا عن الاضواء والاعلام ومحصور بفريق ضيق جدا يحيط بالرئيسين، حيث توصلت قبل ليلتين من واقعة «الحدث» من وضع تصور لمبادرة حملها موفد الى بعبدا وابلغها لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون، الذي وعد بدرسها والرد عليها في أقرب وقت ممكن.
الحقيقة تقول المعطيات ان الاجواء في بعبدا لم تكن متحمسة جدا للسير بما عرض، وان جزءا كبيرا من الفريق الاستشاري الرئاسي لم يكن متحمسا لها وهو ما خلق برودة لدى الرئيس عون نفسه ودفعه للتريث، رغم المراجعات حول ما قد يكون قد توصل اليه، دون ان يبلغ الموفدون باي رفض وتأكيد لقبول بالمبادرة، في وقت كان حزب الله يستعجل التوصل الى حل للاشكال و«ضبضبة» الشارع، بعد ما حصل في ميرنا الشالوحي ولجوء عناصر الوطني الحر الى استعمال السلاح واطلاق النار بغزارة.
وفيما كان الشغل الشاغل لعناصر انضباط حزب الله يتمثل في حماية «جبهة» عين الرمانة ـ الشياح من اي «اختراق» لدراجات نارية قد تشعل فتنة لا أحد يعرف نتيجتها، كانت المفاجأة بما حدث في منطقة الحدث، والذي تشكك مصادر الوطني الحر بانه كان عفويا وبان حزب الله لم يكن على معرفة به. غير ان ليلة الحدث مرت على خير ووصلت الرسالة الى من يعنيهم الامر. فاكتملت صورة المشهد وهنا تحرك حزب الله بكل فعالية بعدما أدرك حدة الصراع بعد سماعه مقدمة الـ «أن بي أن» والـ «أو تي في» مما جعله يقدر ان الوضع أصبح خطيرا وعليه التدخل للجم هذه الحالة لأنها تؤدي لحرب أهلية بين الشيعة في حركة امل والموارنة في التيار الوطني الحر.
تزامنا مع ما كان يجري على الارض، خرج وزير الدفاع الاسرائيلي مطلقا تصريحا ناريا لا زال يشكل حتى الساعة لغزا كبيرا لجهة توقيته والهدف منه في لحظته، فاستفاد حزب الله من الموقف الاسرائيلي ودفع باتجاه استثماره في الداخل ناقلا المعركة من شيعية ـ مسيحية الى لبنانية ـ اسرائيلية.
فجر الخميس استيقظ اللبنانيون على ذيول ليلة عاشها الكثيرون على اعصابهم خصوصا في عين التينة وبعبدا، التي لم تهدأ الاتصالات منها واليها، ومن بينها اجتماع جمع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بأحد أبرز مساعديه والمقربين اليه، طالبا منه ارسال جواب بالموافقة على مبادرة حزب الله المطروحة، اذ ان كل الظروف باتت مهيأة للقبول بها، وهو ما حصل فعلا مع ساعات الفجر الاولى ليجري من بعدها السيناريو وفقا للمرسوم.
اتصال من امين عام حزب الله السيد حسن نصر الله برئيس الجمهورية العماد ميشال عون يطلب اليه بوصفه «بي الكل» المبادرة والاتصال برئيس المجلس لبحث الموضوع الاسرائيلي الذي يبقى فوق كل اعتبار آخر، في نفس الوقت الذي ابلغ فيه الرئيس بري بان يكون جاهزا لاتصال من رئاسة الجمهورية. وهذا ما كان بالفعل، اتصال مباشر دام لدقائق معدودة، بادر فيه الرئيس عون الرئيس بري بالقول «ابو مصطفى كرامتك من كرامتي» لتنته بكلمات خمسة ازمة «البلطجي» دون ان يرد في الاتصال اي ذكر للوزير باسيل لا من قريب ولا من بعيد، ويتم الاتفاق على عقد اجتماع في بعبدا لمناقشة التهديدات الاسرائيلية.
غير ان القطبة المخفية في الاتصال والمبادرة تكشفها المصادر الشيعية مشيرة الى نقطتين طلب من الرئيسين العمل عليهما، الاولى ابقاء الاتصال مباشرا بينهما وسحب ملف العلاقة من يد الوزير جبران باسيل والمعاون السياسي للرئيس بري الوزير علي حسن خليل، اما النقطة الثانية فتتمثل باعادة تفعيل العرف السابق لجهة عودة الزيارة الاسبوعية لرئيس مجلس النواب الى بعبدا، بوصفها احدى آليات التواصل المباشر بين الفريقين، وهو ما بدأ فريق من الرئاستين درسه والعمل على وضعه موضع التنفيذ.
خلافا لاعتقاد الكثيرين من ان معركة صيدا ـ جزين الانتخابية ستفجر الوضع من جديد بين الطرفين، سرت معلومات في الاوساط العونية عن قرار اتخذ على مستوى عال بتشكيل لائحة عونية تضم مرشحين مارونيين ومرشح شيعي على ان تترك باقي المقاعد فارغة، ما يشكل بادرة حسن نية تجاه عين التينة التي سيكون على ما يبدو المقعد الكاثوليكي من نصيبها على ما تلمح اليه الاوساط الشيعية، التي تؤكد ان الحلف المسيحي – الشيعي لا يمكن فكه تحت اي ظرف من الظروف لانه مسألة حياة او موت بالنسبة للطرفين المعنيين.
(الديار)