رندة تقي الدين:
من يتابع أخبار لبنان من الخارج يرى مشهد سوريالياً في الأحداث السياسية : وزير خارجية يصف رئيس مجلس نواب بأنه بلطجي. فيشتعل الشارع وتُقطع الطرق ويسود التوتر. والرئيس الألماني في هذه الأثناء يقف إلى جانب الرئيس اللبناني مشيداً بنهج التعايش في لبنان. فيما الرئيس اللبناني يقول إن جميع الطوائف تتعايش ولو أن هنالك بعض الاختلاف أحياناً. ورئيس الحكومة يعرب في هذه الأثناء أمام الهيئات الاقتصادية عن أمله بان يكون للبنان بنى تحتية قادرة على مواكبة استثمارات وطموحات الهيئات الاقتصادية.
أما المسؤولون في الخارج فيسألون ماذا يحدث في لبنان؟ ويقلقون من التوتر الذي يظهر في شوارع بيروت. وفي الوقت نفسه يزور الرياض السفير الفرنسي المسؤول عن مؤتمر «سيدر» لدعم تنمية واقتصاد لبنان لعرض مشروع مساعدة لبنان. كيف؟ على ضوء مثل هذه الأوضاع، يمكن للسفير الفرنسي الإعداد لهذا المؤتمر وإقناع الناس أن يستثمروا في اقتصاد لبنان في جو سيء بين القيادات اللبنانية. عنف كلامي بين الوزراء وقطع الطرق وإساءة لرئيس مجلس النواب من وزير، واشتعال الشارع في اكثر من منطقة رادع لأي إقبال دولي لدعم ومساعدة لبنان.
معيب هذا الوضع من مسؤولين يريدون جلب اهتمام العالم ليساعدوا لبنان. من يتولى حقيبة وزارة خارجية لبنان عليه أن يحمي صورة بلده من أي سوء، خصوصاً عندما يعد لاستضافة مستثمرين ومسؤولين عالميين. فالمسؤول ليس كما قال البعض من سرب الفيديو عن لقاء خاص للوزير، لأن كل الأمور تعرف في لبنان، بل السياسي الذي يعلم أن بلده بغنى عن مثل هذه المشادات الكلامية. فكل هذه الأوضاع تؤثر سلباً على جهود الرئيس ايمانويل ماكرون للتعبئة بشأن لبنان. فكيف تجري مساعدة لبنان إذا لم يساعد اللبنانيون انفسهم. لبنان ليس بحاجة فعلا إلى مثل هذه الأجواء، وقد قال ذلك رئيس الحكومة سعد الحريري. فماذا يقول المراقب اللبناني لمن يسأله في الخارج عما يحدث ذلك في بلدكم؟ كيف يمكن تفسير كلام مسيء يستخدمه وزير خارجية مسؤول عن الدبلوماسية والعلاقات الدولية ضد رئيس مجلس النواب؟ الوضع الاقتصادي في لبنان كارثي والشعب اللبناني يعاني من أوضاع معيشية كارثية. واللبنانيون مستاؤون من الطبقة السياسية التي لم توفر لهم أدنى حاجات الأوضاع المعيشية الضرورية، من تيار كهربائي مستمر، إلى بيئة نظيفة من دون تراكم النفايات ورميها في البحر وتلويث البحر المتوسط الذي كان يمكن أن يمثل كنزاً للسياحة وموارد في البحر وفرص عمل.
ما يحصل في لبنان من توتر داخلي مسيء لدولة تبحث عن مساعدات على اكثر من صعيد لجيشها وبنيتها التحتية وعبء اللاجئين فيها. معروف أن كثراً هم اللبنانيين الذين ينجحون في الخارج بعيداً من وطنهم الذي لم يؤمن لهم ظروف النجاح بسبب طبقة سياسية فشلت في بناء بلد منتعش وواعد. وهناك فرصة في غضون اشهر قليلة أمام الشعب اللبناني ليدلي بصوته ليعاقب ويختار من يراه الأفضل ليكون نائبه. فمسؤولية الناخب اللبناني أساسية لتغيير طبقته السياسية عبر صندوق الاقتراع، حتى ولو كان قانون الانتخاب مفصّل لكسب البعض. ولكن على اللبنانيين أن يغيروا نهجهم في التصويت، وان يختاروا فعلاً افضل الناس لخدمة مصالح البلد وليس مصلحتهم الخاصة. لا شك في أن هذا حلم بديموقراطية حقيقية ومحاسبة فعلية للسياسيين، ولكن اللبنانيين اعتادوا اللجوء إلى زعمائهم والأحزاب التقليدية. فليس هناك من دولة تضمن مصالحهم.
انتخابات لبنان بحاجة إلى ظهور نواب جدد لهم برامج تحسين حياة المواطنين وليس تحسين أوضاعهم الخاصة. ينبغي أن تكون فرصة للتفاؤل بعض الشيء بالبلد على أمل بأن يتم اختيار نخبة نيابية جديدة تكافح الفساد وتعمل من اجل تقدمه وإنعاشه. ولكن قد يمثل هذا الطموح للبلد في الظروف الحالية تمنياً ساذجاً، بل حلماً للبنانيين يتطلعون إلى حياة افضل مع طبقة جديدة من النواب، ولكن من مسؤوليتهم أن يحوّلوا شيئاً فشيئاً عبر صناديق الاقتراع حلمهم إلى واقع عبر اختيارهم الكفاءات لبناء وطنهم وضمان ظروف معيشية كريمة.