استضافت أبرشية البترون المارونية وبدعوة من راعيها المطران منير خيرالله الصلاة المسكونية مع مطارنة الشمال في كاتدرائية مار اسطفان في مدينة البترون .
وشارك في الصلاة راعي ابرشية طرابلس المارونية المطران حورج بوجودة، متروبوليت طرابلس وسائر الشمال للروم الملكيين الكاثوليك المطران ادوار ضاهر، مطران زحلة للموارنة رئيس اللجنة الأسقفية للعلاقات المسكونية جوزاف معوض، متروبوليت طرابلس والكورة وتوابعهما للروم الأرثوذكس المطران افرام كرياكوس، اضافة الى لفيف من الكهنة من كل الابرشيات، وخادمي رعية مار اسطفان القيم الابرشي الخوري بيار صعب والخوري فرانسوا حرب. كما شارك في الصلاة راهبات ومجالس رعوية واخويات وطلائع وفرسان العذراء وعدد من المؤمنين.
العظة
وتخلل الصلاة من اجل وحدة الكنائس عظة للمطران خيرالله قال فيها:”
بينما نجتمع اليوم في هذه الكاتدرائية في صلاة مسكونية من أجل وحدة المسيحيين، يذكّرنا قداسة البابا بنديكتوس السادس عشر في إرشاده الرسولي « الكنيسة في الشرق الأوسط»، « أن الله سمح لكنيسته بأن تزدهر بالرغم من السياق التاريخي المقيِّد وغير المستقرّ. فإلى جانب الكنيسة الكاثوليكية توجد في الشرق الأوسط الكنائس العديدة الموقّرة، أضيفت إليها جماعات كنسية أبصرت النور في فترات حديثة. هذه الفسيفساء تتطلّب جهدًا هامًا ومتواصلاً من أجل تعزيز الوحدة، في إطار احترام غنى كل جماعة، بغية توطيد مصداقيّة إعلان الإنجيل والشهادة المسيحية» (عدد 11، ويستشهد بالمجمع الفاتيكاني الثاني، قرار مجمعي في الحركة المسكونية، عدد 1).
ويضيف: يوضح المجمع الفاتيكاني الثاني أن المسيرة المسكونية، لكي تكون فاعلة، يجب أن تتمّ « بالصلاة في بادئ الأمر، ثم بمسيرة الحياة، وبأمانةٍ تُقَوِيّة للتقاليد الشرقية القديمة، وبتعارف متبادل أعمق، وبالتعاون والتقدير الأخوي للأشياء والبشر» (راجع قرار مجمعي في الكنائس الشرقية الكاثوليكية، عدد 24). ينبغي، قبل كل شيء، أن يعود الجميع بشكل أقوى إلى المسيح. ويسوع يوحّد المؤمنين به والذين يحبونه من خلال منحهم روحَ أبيه، وأيضًا مريم أمه» (عدد 15).
أما القديس البابا يوحنا بولس الثاني فيقول في إرشاده الرسولي « رجاء جديد للبنان» أنه « على الجميع أن يتذكّروا باستمرار أن أجمل قربانٍ وأعظم ذبيحة يمكن تقديمها للربّ هما سلامُنا واتفاقُنا الأخويّ، وشعبٌ ملتئم في وحدة الآب والابن والروح»، بحسب القديس قبريانوس.
ويتابع: « أما ما يعاني منه المؤمنون في لبنان وفي كنائسنا فهو غياب مفهوم الكنيسة بوصفها سرّ شراكة يعبّر عن طبيعة الكنيسة الأسرارية ووحدة المؤمنين في جسد واحد». (المجمع الفاتيكاني الثاني، نور الأمم، عدد 7).
ويدلّنا على الطريق الوحيد الذي يساعدنا على النموّ في الشراكة، ألا وهو الحوار؛ الحوار الصادق والبنّاء؛ حوار الحقيقة؛ حوار المحبة. (رجاء جديد للبنان، عدد 36).
أما العقبات التي لا زالت تعيق طريقنا إلى هذا الحوار وإلى الشراكة، فهي:
1- أولى العقبات هي افتراض تناقض أو تعارض بين حوار المحبة والسعي إلى الوحدة في الإيمان.
فالبعض قد يغالي في التشديد على الحوار العقائدي كشرط للتلاقي والتعاون.
فيما يتطرّف البعض الآخر معتبرًا المسائل العقائدية (أو الشأن الإيماني نفسه) حاجزًا لا يمكن تخطّيه إلا من خلال العمل المشترك. مما يقلّل حقًا من أهمية الحوار اللاهوتي أو يجعل منه ترفًا لا يعني إلا المسؤولين الكنسيين أو اللاهوتيين المتخصصين.
2- ثانية العقبات تتصل بكيفية تعاملنا مع التاريخ (وهنا أميّز بين التاريخ والتقليد الكنسي). ذلك أننا نعيش في منطقةٍ التاريخُ فيها مضى من غير أن يمضي. فاستحضارهُ ليس عملية دراسة وتقويم حيادية أو انكباب على التراث بغرض التعلّم، بل هو أيضًا إسقاطُ الحاضر على الماضي وانفعال الوقت الراهن بمشاكل الماضي. الكثيرون منا يقرأون تاريخهم ويكتبونه من منظور الكرامة الجماعية المجروحة أو من موقع تعالي الأقوياء أو تجاهلهم للآخر. وتزداد المشكلة حدّة عندما نبحث عن الخصوصية في كل شيء وكأن لكل جماعة جوهرًا أبديًا يظهر في تصرفاتها عبر التاريخ أو عندما يدعو البعضُ إلى نسيان الماضي لا توبةً أو تحررًا من ثقله بل طمسًا لأحداثه أو نفيًا لأثرها الواقعي على العلاقات بين الجماعات المسيحية.
3- ثالثة العقبات هي الخوف الاقلّوي الذي يؤدي إلى استعجال ما نخاف منه؛ فنسمع أحيانًا دعوة إلى رص الصفوف في مواجهة خطر خارجي، حقيقي، مبالغ فيه أو مفترض. مما يضيق بالتنوع ويخنق الحرية والإبداع ويغلِّب ما يُظن أنه المصلحة التاريخية للجماعة على الأمانة لإنجيل يسوع المسيح. ولكن هذا الخوف يقود، أحيانًا أخرى، إلى التنافس بين الجماعات المسيحية المختلفة لا بل إلى التناحر فيما بينها. وكأن ضمانَ مستقبل كل جماعة مرهون بقدرتها على التمايز عن الآخر من خلال الطعن به أو، على الأقل، بفض الارتباط به.
نحن اليوم أمام تحديات كبرى في شرقنا المعذّب، تحدّيات تهدّد حضورنا ووجودنا الشاهدَيْن للقيم الإنجيلية. لذا فنحن مدعوون إلى أخوّة حقيقية، وإلى أن نكون شهودًا للشركة في مجالات حياتنا. « فالشهادة الأصيلة، يقول لنا البابا بنديكتوس السادس عشر، تتطلّب الاعترافَ بالآخر واحترامه والانفتاح على الحوار في الحقيقة، والصبرَ كوجهٍ من أوجه المحبة، والبساطةَ والتواضع لمن يُقرّ بأنه خاطيء أمام الله والقريب، والقدرةَ على المغفرة والمصالحة وتطهير الذاكرة على الصعيدين الشخصي والجماعي» (الكنيسة في الشرق الأوسط، عدد 12).
ويصبح من المهمّ والملحّ أن يتغلّب تغلُّبًا مستمرًا الحسُّ الإيماني والكنسي على عقليّة الإنكفاء نحو الطائفة الخاصة. هذا الوضع القائم يتطلّب توبةً إنجيلية دائمة، للانتقال من الروح الطائفية إلى روح الكنيسة الأصيلة»، كما يطلب مجلس بطاركة الشرق الكاثوليك (في الرسالة الراعوية الرابعة، سر الكنيسة، 1996، عدد 50).
لكن ما يشجعنا هو أنه تتوفّر في بلادنا بعضُ فرص التقدم لجهة الأحاسيس المسكونية؛ والفضلُ الأول يعود إلى اللقاء والتعارف المتبادل اللذين تناميا في السنوات الأخيرة، بعد أن تجاور المسيحيون قرونًا طويلة في عوالم تنزع إلى الإنغلاق حيث لا يُعرف الآخر كما يُعرِّف عن نفسه.
والفضلُ الثاني يعود إلى ازدياد الوعي بهوية مسيحية شرقية أو مشرقية، عربيّة اللسان والثقافة تجمع مسيحيي هذه المنطقة الشرق أوسطية كلَّهم. إن هذه الهوية تستدعي شهادةً مشتركة والتزامًا برسالة واحدة في البشارة والخدمة والحوار لمواجهة المصير المشترك.
أما الفضلُ الثالث فيعود إلى تقدّمٍ ملموس على صعيد التعاون بين المسيحيين في خدمة الفقراء والمعوزين وفي العمل من أجل التنمية. فالمسؤولية هنا واحدة، لا تفرّق بين طائفة وأخرى. لقد باتت الخدمة المسيحية أكثر وعيًا للمجانية وانتباهًا لقضية العدالة على نحوٍ يتجاوز الشفقة ذات الأثر المحدود. هذا ما يسمّيه البابا بنديكتوس السادس عشر « مسكونية الخدمة في المجالين الخيري والتربوي». (الكنيسة في الشرق الأوسط، عدد 14).
وفي الختام، إننا نتطلع نحو مستقبلٍ للعلاقات المسكونية يتأّمن فيه انسجامٌ بين حوار المحبة والسعي إلى الوحدة في الإيمان . فلا ينسى أحدهما الآخر ولا ينقضه بل يتفاعلان، لا بين الكنائس فحسب، بل داخل كل واحدة منها.
وهذا يتطلب وعيًا إكليزيولوجيًا للمسألة المسكونية بحيث لا تكون الوحدة تقاربًا بين المسيحيين بل استعادةً للشركة بين الكنائس. وأن يقرأ المسيحيون معًا تاريخهم قراءةً موضوعية صافية تبغي التحرّر من تركته الثقيلة وفي الوقت نفسه تلتمس عبره غنى تقليد الكنيسة غير المنقطع وتنفتح على فعل الروح في خبرة الجماعة المؤمنة.
هذا الوعي يفترض تحرّرًا من الخوف؛ ذلك أن المحبة تطرح الخوف جانبًا من القطيع مهما صغر.
وهو يقود أخيرًا إلى شهادة واحدة تنطلق من إدراكٍ لسرّ الوحدة في التنوع داخل الكنيسة وتبحث عن هوية مسيحية متجددة لا تلتفت إلى الماضي فحسب بل تجازف في رسالة ترفض الأسر داخل الإنطوائية أو الإنعزالية. فيكون المسيحيون كالخميرة التي تخمّر العجين كله، وكنيسةً هي علامةُ رجاءٍ وهبةُ محبةٍ للعالم.”
وفي الختام تمت تلاوة صلاة الوحدة والتقطت الصورة التذكارية.