شغلت معركة عفرين السورية، الصحافة الروسية أخيراً، نظراً لتشابك المصالح الإقليمية والدولية، في خضمّ الاستعدادات الجارية لمؤتمر سوتشي.
وفي مقال بعنوان “صفقة مقايضة: لماذا سمحت روسيا بدخول القوات التركية إلى عفرين؟”، اعتبر الخبير بالمجلس الروسي للشؤون الدولية، أنطون مارداسوف، أن “تقديم كل من موسكو وأنقرة لعملية غصن الزيتون التركية ضد القوات الكردية، على أنها إجراء اضطراري ناجم عن أعمال استفزازية من قبل واشنطن، يهدف إلى إخفاء الطابع الحقيقي للتعاون الروسي التركي وتقاسم النفوذ”.
وأوضح كاتب المقال الذي نُشر بصحيفة “أر بي كا”، أن “موسكو وأنقرة بحثتا سيناريوهات الأعمال في عفرين منذ الصيف الماضي، وربطتاها بفصل منطقة خفض التصعيد في إدلب، التي تم الاتفاق عليها خلال الجولة السادسة من محادثات أستانة”. وأضاف أن “روسيا ما كان لها أن تحل مسألة منطقة خفض التصعيد الأكثر تعقيداً إلا بمساعدة تركيا، فاضطرت لتقديم تنازلات لأنقرة”. وذكّر مارداسوف بأنها “ليست أول حالة لتقاسم النفوذ في سوريا بين موسكو وأنقرة، إذ سيطرت تركيا في عام 2016 على شمال حلب ومدينة الباب، في مقابل تسليم شرق حلب لقوات النظام السوري”.
من جهته، رأى الباحث في الشؤون التركية بمعهد الاستشراق التابع لأكاديمية العلوم الروسية، مدير مركز دراسات تركيا الحديثة في موسكو، آمور غادجييف، أن “تركيا تنفذ عمليتها العسكرية في عفرين بالتنسيق مع روسيا”، مستبعداً “احتمال حدوث أي صدام مباشر بين القوات الروسية والتركية في سورية”. وأشار غادجييف، في حديثٍ لـ”العربي الجديد”، إلى أن “زيارة رئيسي هيئة الأركان خلوصي آكار والاستخبارات التركية هاكان فيدان، إلى روسيا أخيراً، عشية بدء العملية العسكرية، مؤشر لوجود تنسيق لأعمال الجيش التركي مع موسكو، خصوصاً أن هناك مجموعة من الآليات للتنسيق تم وضعها في إطار التعاون بين موسكو وأنقرة بما يتعلق بالقضية السورية”.
واستبعد احتمال تكرار أي واقعة للصدام المباشر على غرار إسقاط قاذفة سوخوي-24 الروسية من قبل سلاح الجوي التركي في 24 تشرين الثاني 2015، قائلاً إن “الوضع تغير في سوريا كثيراً منذ ذلك الحين، إذ باتت الأجواء فوق سوريا تحت سيطرة وسائل الدفاع الجوي السورية والروسية، وتمّت إقامة نظام خفض التصعيد في بعض المناطق في إطار الاتفاقات بين روسيا وتركيا وإيران، كما أن هناك نقاط مراقبة ومراكز روسية – تركية للمصالحة بين أطراف النزاع تعمل بفاعلية في سوريا”.
ورأى غادجييف أن “هذه الإجراءات لا تهدف إلى تحقيق تسوية سياسية للأزمة السورية فحسب، بل إلى منع الصدام المباشر بين الدول الضامنة لنظام وقف أعمال القتال أيضاً”، مشيراً إلى أن “روسيا قررت في هذا الإطار تحديداً، سحب أفرادها من عفرين”.
من جهة أخرى، ألقت عملية “غصن الزيتون” بظلالها على مؤتمر الحوار الوطني السوري، المقرر عقده في منتجع سوتشي، جنوب روسيا، يومي 29 و30 كانون الثاني الحالي. وفي هذا الإطار، ذكرت صحيفة “إزفيستيا” الروسية أن “هناك توجهاً لدى الأكراد لعدم المشاركة في المؤتمر في ظلّ استمرار العملية العسكرية التركية”. ونقلت الصحيفة عن السياسي الكردي، صالح مسلم، قوله إن “مؤتمر سوتشي يهدف إلى التسوية السلمية للنزاع في البلاد، ولكن ذلك يتعارض تماماً مع أعمال تركيا في عفرين”. ورأى رئيس مجلس “منظمة الحكم الذاتي الثقافي لأكراد سوريا”، فرحات باتييف، هو الآخر أنه “لا معنى للجلوس إلى طاولة المفاوضات والتظاهر بأنه لا يحدث شيء في سوريا”.
مع ذلك، كشف مصدر دبلوماسي روسي رفيع لـ”إزفيستيا”، عن أن “موسكو ستأسف في حال رفض الأكراد المشاركة في المؤتمر”، مؤكداً أنه “لا يمكن تحقيق تسوية في سوريا من دونهم”.
وبدت روسيا مستوعبة لعملية “غصن الزيتون”، حتى أن وزارة الدفاع الروسية أعلنت، يوم السبت الماضي، عن “سحب أفرادها من عفرين لمنع استفزازات محتملة واستبعاد التهديد لحياة وصحة العسكريين الروس”، ووصفت التحرك العسكري التركي بأنه “عملية خاصة”. ولخّص مصدر عسكري رفيع الموقف الروسي من “غصن الزيتون” في حديث لصحيفة “كوميرسانت”، بأنه “موقف عدم التدخل، وأن روسيا لديها مهامها وأهدافها الخاصة في سوريا”.