شكّلت النتائج البالغة الأهمية لزيارة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون للكويت «استثناءً إيجابياً» يحتاجه لبنان في لحظةِ أزماتٍ داخلية متعاظمة وضغوط دولية متزايدة، إذ تزامنتْ الحماوة السياسية مع دخول البلاد مدار الانتخابات النيابية المقرَّرة في السادس من مايو المقبل، مع زيارة «تذكيرية» لنائب وزير الخزانة الأميركية بأن العين الأميركية الحمراء مسلطة على «حزب الله»، الذي تعتبره واشنطن «منظمة إرهابية – إجرامية»، وعلى نشاطاته المالية الخارجية كما الداخلية.
ولم تكن حطّتْ طائرة عون والوفد المرافق في بيروت بعد زيارة الـ «24 ساعة» للكويت حتى برزتْ الحصيلة الـ «ما فوق» عادية في ايجابياتها للمحادثات اللبنانية – الكويتية التي أتاحت للبنان إطلالة خليجية في مسارٍ من تنقية العلاقات على الطريق الى القمة العربية في مارس المقبل في المملكة العربية السعودية، وضرورة تحضير الأجواء الملائمة ولا سيما بين بيروت والرياض بعد «الانتكاسة» التي رافقتْ أزمة استقالة رئيس الحكومة سعد الحريري.
فمن التوجيهات بمعاودة الصندوق الكويتي للتنمية حركته في لبنان الى سابق عهده وصولاً إلى المؤازرة الكويتية لقضايا لبنان في مجلس الأمن، مروحةٌ من النتائج الإيجابية التي تضخّ المزيد من «الأوكسجين» السياسي والاقتصادي لتمكين لبنان عن عبور أزماتٍ داخلية وخارجية لا يستهان بها، وهو ما يسعى إليه على خط آخر الحريري في «دافوس» عبر محادثات تمهيدية لثلاثة مؤتمرات دولية لدعم لبنان في كل من روما وباريس وبروكسيل، بين أواخر فبراير وأواخر ابريل المقبلين.
وكانت أهمّ لقاءات الحريري امس في دافوس، دردشة ودية للغاية مع وزير الخارجية السعودي عادل الجبير في اول لقاء مباشر لرئيس الحكومة مع مسؤول سعودي بعد ملابسات استقالته من الرياض، كما الاجتماع مع العاهل الاردني الملك عبدالله الثاني، حيث أكد الحريري تمسك الحكومة اللبنانية بالنأي بالنفس وإبعاد لبنان عن كل المشاكل والحروب والصراعات في المنطقة.
وفي حوار خلال منتدى دافوس، مساء أمس، أكد الحريري أن «الشيء الوحيد الذي يفيد لبنان هو سياسة النأي بالنفس»، مشدداً على أن «علاقتي بالسعودية على أفضل ما يرام».
وإذ لفت إلى أن «من مصلحة لبنان المحافظة على العلاقات الجيدة مع الدول العربية«، أوضح الحريري أن «تركيز الولايات المتحدة هو على (حزب الله) وليس على الاقتصاد اللبناني، فهي لا تستهدف الاقتصاد اللبناني».
أما عن إيران، فأكد أنها «دولة يجب أن نتعامل معها»، بيد أنه أضاف «إنني أريد أن تجمعني أفضل العلاقات بإيران من دولة إلى دولة وليس أن تقوم دولة بالاستثمار من دون أن تطلعني على هذا الامر مثلما يحدث مع (حزب الله)».
وتضاعفتْ أهمية ما تَحقق في زيارة رئيس الجمهورية للكويت وما قد تشهده «دافوس»، انطلاقاً من مكابدة لبنان للمواءمة بين إجراءات أميركية متعاظمة في تَعقّب «حزب الله» وخطوط تمويله وأنشطته وبين التعايش مع الحزب كعصَب رئيسي في عملية الاستقرار السياسي والأمني، وهو الأمر الذي ألقى بثقله خلال المحادثات التي أجراها مساعد وزير الخزانة الأميركي لشؤون مكافحة تمويل الإرهاب مارشال بيلينغسلي مع كبار المسؤولين اللبنانيين وأركان القطاع المصرفي في بيروت. وكانت بارزة مواقف بيلينغسلي لجهة دعوة للبنان الى وجوب أن يبعد «حزب الله» عن القطاع المالي، مع تشديده على «أهمية مكافحة النشاط الإيراني المؤذي في لبنان»، وموضحاً أنه «ليس هناك خطة لمعاقبة المصارف اللبنانية».
وأضاف: «سأكون واضحاً في أنّ تركيزي هو على التمويل وللتأكد من أنّ الحزب لن يتمكن من استخدام الأموال لسلوكٍ خبيث. وعندما نتحدث عن (حزب الله) فلا فارق بين جناحَيه السياسي والعسكري، وهذا الـ (حزب الله) هو منظمة إرهابية وسرطان في قلب لبنان، ويهمّنا أن نفصل بين الطائفة الشيعية وبين الحزب وأن نتأكد من أنّ الطائفة تُعامل بعدل وأنّ بإمكان أفرادها أن يحظوا بالخدمات المصرفية كما كل الناس»، وتابع: «نتعاون مع السلطات هنا ومع السلطات الإقليمية للتأكد من أنّ «حزب الله) وقاسم سليماني لا يمكنهما الوصول الى الدولار الأميركي».
ويَكتسب الضغط الأميركي على الحزب، بالعقوبات وتجفيف الأموال ومطاردة شبكاته، حساسية بالغة مع بدء العدّ العكسي للانتخابات النيابية المقبلة في السادس من مايو، في ضوء التقديرات التي تتحدث عن إمكان فوز «حزب الله» بالغالبية عبر تحالف عريض يمكّنه من التحكم بمسار اللعبة البرلمانية، وهو ما يقلق دولاً غربية وعربية، لا سيما السعودية التي كانت اتهمت «حزب الله» في وقت سابق بالمشاركة في الحرب عليها من اليمن، في إطار المشروع الإيراني.
وأوحتْ طلائع المعارك السياسية في بيروت بأن الانتخابات النيابية، التي دارت شكوك حيال إمكان إجرائها في موعدها، صارت حقيقة، رغم غموض مصير البنود الاصلاحية والتعديلات على القانون، التي كان يطالب بها «التيار الوطني الحر» (حزب عون) ويرفض رئيس البرلمان نبيه بري الاستجابة لها.
وكانت لبري مواقف بارزة امس إذ أكد أن «الانتخابات النيابية اصبحت أمراً واقعا في موعدها». واضاف: «الروزنامة المحددة في القانون تؤكد أننا دخلنا مرحلة الانتخابات بكل معنى الكلمة، وأي محاولة أو حديث عن تعديل أصبح وراءنا».
واستبق رئيس البرلمان هذا الكلام بموقفٍ بدا برسم «التيار الحر»، كما الحريري، قال فيه: «من يُرد أن يتكلم معي بشأن التحالف فعليه أن يذهب أولًا إلى (حزب الله)، ومن يُرد ان يتكلم مع الحزب بشأن التحالف فعليه أولاً ان يتكلم معي، نحن اثنان بواحد».
(الراي)