رنده تقي الدين:
قادة العالم يبحثون في النمو الاقتصادي العالمي تحت ثلوج دافوس والحروب والأزمات مشتعلة في الشرق الأوسط. جاء تحذير مديرة صندوق النقد الدولي كريستين لاغارد أمس في محله، وسط تفاؤل بأرقام النمو الاقتصادي العالمي من أنه ينبغي التنبه إلى أن عدداً كبيراً من دول العالم هو خارج هذا النمو والعمل من أجل توسيعه ليصل إلى دول حالتها بعيدة كل البعد من النمو الاقتصادي.
فالاقتصاديون وقادة العالم يهللون تحت ثلوج المنتجع السويسري الفخم من جهة، في حين أن ملايين اللاجئين السوريين وقبلهم الفلسطينيين يعيشون في خيم في دول تستضيفهم رغماً عنها. بشار الأسد وفلاديمير بوتين وقاسم سليماني ومعلمه وشركاؤه اللبنانيون يقتلون ويهجّرون الشعب السوري. في هذه الأثناء تنشغل الأمم المتحدة ومبعوثها إلى سورية ستيفان دي ميستورا بالبحث عن حل سياسي للأزمة السورية، لا يريده النظام السوري وتنافسه روسيا بمسعى سوتشي العقيم. وباريس تسعى إلى وضع حد لاستخدام النظام السوري المجرم السلاح الكيمياوي ضد الشعب السوري، وهو مسعى مشكور، لكن أنظمة سورية وروسيا وإيران غير معنية بعقوبات عالمية على الشركات والمسوؤلين عن هذا الإجرام، لأن العقاب لم يطلهم ولن يطالهم ما داموا يسيطرون بالسلاح والقوة على الأرض والجو السوريين.
أما اللاجئون الفلسطينيون وهم بمئات الألوف في لبنان والأردن وسورية فهؤلاء يتعرضون إلى عقاب عالمي كونهم ولدوا فلسطينيين. فها هو السيد ترامب ونائبه بنس يكرسان سياسة أميركية كانت منذ إنشاء دولة إسرائيل منحازة بشكل كامل إلى الكيان الصهيوني. وقرار ترامب بنقل سفارته إلى القدس وزيارة مايك بنس ليست إلا توضيحاً لسياسة أميركية مستمرة وضعف وتخاذل أوروبي وعربي أمام أميركا وإسرائيل.
وحرب اليمن وإجرام الحوثيين وحليفهم الإيراني الذي لا ينقطع عن التخريب في منطقة الخليج ويزود الحلفاء الحوثيين بصواريخ باليستية لاستخدامها لتهديد السعودية فهي حرب كارثية ومؤلمة لبلد يعيش في البؤس والفقر منذ عقود. فالرئيس الراحل علي عبدالله صالح الذي لعب على حبال عدة لم يعمل لتحسين بلده رغم انه حصل على أموال طائلة كذلك الأمر بالنسبة إلى الحوثيين الذين كانوا حلفائه حتى فترة وجيزة قبل أن يقتلوه. فهذه المنطقة مليئة بالكوارث. أما العراق فهو يعاني أيضاً من تزايد نفوذ إيران فيه والميليشيات المأجورة للنظام الإيراني الذي يريد السيطرة على العراق عبر الانتخابات ووكيله على الأرض نوري المالكي والشعب العراقي محروم من ثروته بسبب الفساد والحروب على رغم كل جهود رئيس الحكومة حيدر عبادي.
أما لبنان فهو أيضاً يشكو من تدهور اقتصادي وبيئي كارثي مع عبء اللاجئين السوريين والفلسطينيين فيما خفضت الإدارة الأميركية مساعداتها للأنروا، وكالة الأمم المتحدة للاجئين.
وكان في وسع منطقة الشرق الأوسط أن تستفيد من النمو العالمي وتحسن أسعار النفط لولا الأزمات والحروب والكوارث، ولو لم تكن تحت وطأة قيادات لا تعمل إلا لتبقى في الحكم مثل الأسد وجماعته وخامنئي وحرسه الثوري وفلاديمير بوتين الرئيس الذي قرر البقاء أطول وقت ممكن ربما طيلة حياته كإمبراطور على رأس بلده وربما على رأس الشرق الأوسط.
ويشير كل ذلك إلى أن التفاؤل بالنمو في بعض أنحاء العالم لا يعني الكثير لشعوب تعيش حروباً ولا تستفيد في أي شكل من الأشكال من النمو. بل بالعكس فالنمو الاقتصادي يعني انتعاش اقتصاد الأميركي بقيادة ترامب ونهجه أولاً وباقي الدول لا قيمة لها. حتى انه وصف بعض الدول الأفريقية بأنها دول قذرة في حديث له مع نواب أميركيين.
فدافوس تعكس عدم عدالة العالم والفرق الشاسع بين أوضاع مستقرة وواعدة لديمقراطيات العالم الغربي، حيث هناك محاسبة من الناخبين حتى عندما يختارون شخصية مثل ترامب وبين ديكتاتوريات الشرق الأوسط التي خربته.